التمذهب الفقهي والتمذهب العقدي

التمذهب الفقهي والتمذهب العقدي

هل من ضروراتهما الطعن والسباب والإقذاع بالقول

جمال أبو حسان

 

قضية التمذهب قضية قديمة قدم المذاهب الفقهية والعقدية، وكان كل متمذهب ملتزم بمذهبه الفقهي والعقدي، يحاول الدفاع عنه وتسويغ قضاياه، دون التفات إلى تحطيم خصومه واستعدائهم وهذا في الغالب بين المتمذهبين، إلا ما كان من بعض المتعصبين الذين يرون ما هم عليه هو الصواب لا غير، فاشتغلوا في تحطيم الخصوم واستعدائهم، ولم يحفل التاريخ بهذه القلة المتعصبة، نعم ذكر أحوالهم وما صنعوا ومضى وتركهم لخالقهم هو من يحاسبهم، وكان الفقهاء المتمذهبون وأصحاب الفكر العقدي بينهم في ساحات العلم سجالات لا تحصى، ولم تمنعهم تلك السجالات من أن يؤدوا حق الأخوة والإسلام لخصومهم من المسلمين الذين اختلفوا معهم في الأفكار والآراء، ومضى التاريخ بعجره وبجره.

وكانت تلك السجالات قائمة على أصول معرفية يحتكم إليها الخصوم، وكنت مع ذلك ترى هؤلاء المختصمين لا تصدهم تلك الخصومات عن واقع الأمة الإسلامية في سائر أقطارها، فيتحدثون أمام الظلمة وينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف لا يحول بينهم وبين تطبيق الأحكام الشرعية حائل، فذكرهم التاريخ بكل خير على الرغم من تلك الخصومات والسجالات.

غير أننا اليوم ابتلينا بطوائف من المتخاصمين فاقوا ما كنا نلاحظه من قراءتنا في التاريخ، وهم يدعون انتماءهم إلى المذاهب الفقهية أو المذاهب العقدية وخصوصا من يسمون أنفسهم بالأشاعرة أو السلفيين، فتجد كثيرا من المتمذهبين فقهيا لا هم لأحدهم إلا تحطيم المذهب الذي لا ينتمون إليه، حتى ليخيّل للناظر أن المذاهب الأخرى لم تشم رائحة الإسلام، ولا يقبل أمثال هؤلاء ممن يخاصمونهم أن يدافعوا عن آرائهم أو يبينوا وجهة نظرهم في تلك المسائل، بل عليهم أن يستسلموا لخصومهم ويقرّوا بما يقولون حتى ينقلب السجال إلى مودة مصطنعة، وقد سرى هذا البلاء إلى داخل أروقة المدارس والجامعات والمعاهد والمساجد بطريقة تنذر بالخطر الشديد، دون أن يجد الناس ناصحا أمينا يتقبلون نصحه، أو بالأحرى لا يريدون سماع تلك النصيحة الخالصة.

وأما المتمذهبون عقديا فحدث ولا حرج، فإنك واجد السلفي ليس له هدف سوى الطعن بالأشاعرة وتشويه علمائهم وأنهم لا يفهمون في العقيدة فهمَ هؤلاء الأشاوس، مع أن التاريخ يذكر هؤلاء العلماء الأعلام بكل خير، ويبين جهادهم لنشر الإسلام وتبيين قضاياه، وتجد من يسمون بالأشاعرة لا هم لهم إلا الطعن في ابن تيمية وابن القيم وأضرابهما ومحاولة إخراجهم من دائرة العلم بل قد تتعدى إلى إخراجهم من الإسلام، ويظنون أن هذا هو الدين الذي نصبهم الله للدعوة إليه، ونسوا أننا في هذه الدنيا دعاة لا قضاة، وأن من مات وكان مخطئا فحسابه على الله تعالى، وانا في هذه الدنيا نناقش الأفكار من حيث هي بغض النظر عن القائلين بها، فنعرف قربها من الصواب بالنظر والاجتهاد ليس إلا، وقد يتعدى هذا إلى ما هو أعظم من ذلك، فلا نصر هؤلاء وهؤلاء دين الإسلام ولا احترموا علماءه. ومما يأخذنا بالعجب والإنكار أنك ترى هؤلاء الذين ضاق عطنهم بأصحاب القبور، يرون ما يحدث للمسلمين في العالم من بلايا وقهر فلا ينبس أحدهم ببنت شفه، ويرون المنكرات في بلدانهم ويمرون عليها كأنهم لم يروا شيئا، ويشاهدون المفسدين من المسؤولين ومن هم دونهم فلا تسمع له همسا، مغيبون عن الواقع بكل ما فيه من مآس، لا يألمون لآلام المسلمين ولا يستمعون لشكاياتهم، وأقرب ما نشاهد في دنيانا ما يحدث لأهلنا في فلسطين من تعامي العالم الجائر من قضيتنا وأقصانا، دون أن تسمع لكبرائهم ولا لصغارهم أنينا، ولو بمقال صحفي يعبرون فيه عن تآلفهم مع إخوانهم في قضاياهم.

ليست هذه هي الدعوة للإسلام ولا هذا هو التآلف بين المسلمين، بل يمكن أن تقترب هذه الحركات من بناء الأهواء والشهوات، وحق لمن كان من هؤلاء ممن يسمون بالسلفيين كذلك أن يُسمى بالتلفيين، ومن كان منهم ممن يسمى بالأشاعرة أن يسمى بالأباعرة.

الدين تعاطف وتكامل وتآلف واحترام وليس تقطيعا واختصام

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

الأربعاء 10/5/2023م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين