التاجر الذي كان يتسامح في المعاملة

عن حذيفة رحمه الله تعالى قال: «أتى الله بعبدٍ من عباده آتاه مالًا فقال له: ماذا عملت في الدُّنيا؟ قال: - ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: 42] - قال: يا رب، آتيتني مالَك فكنت أُبايع النَّاس، وكان من خُلقي الجَواز؛ فكنت أتيسَّر على الموسر وأُنظر المعسر، فقال الله تعالى: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي».

فقال عقبة بن عامر الجهني، وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([1]).

وفي رواية له، وللبخاري عن حذيفة قال: حدَّثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تلقَّت الملائكة روحَ رجلٍ ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخيرِ شيئًا قال: لا، قالوا: تذكَّر، قال: كنتُ أداين الناس، فآمر فتياني أنْ يُنظروا المعسر ويتجوَّزوا عن الموسر، قال: قال الله عزَّ وجلَّ: فتجوَّزوا عنه». وللقصة طرقٌ وألفاظٌ ([2]).

الشرح:

«الجواز»: التجاوز والتساهل.

«تلقَّت الملائكة روح رجلٍ»: أي استقبلت روحه بعد موته.

وفي رواية للبخاريِّ: «أنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلكم أتاه المَلك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خيرٍ؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم غير أني كنتُ أبايع الناس في الدُّنيا وأجازيهم – أقاضيهم أي: آخذ منهم وأعطي -، فأُنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة».

ولا منافاة بين هذه الرِّوايات؛ لأنَّ مَلك الموت سأله عند قبض رُوحه، ثمَّ سأَلته الملائكةُ الذين يتلقون الروح بعد مفارقتها للبَدنِ، ثمَّ سئُل لما عُرض على الله فتجاوز الله عنه وأدخله الجنة.

«فتياني»: غِلماني وخدمي وبقيَّة الألفاظ واضحةٌ.

العبرة من القصة

إنَّ الله يحب الرِّفقَ والمُسَامحة َويعطي عليهما ما لا يعطي على العنف والمشاحَّة، فهذا التاجر لم يكن له من عمل خيرٍ إلَّا أنَّه كان في معاملته ينظر المعسر ويمهله، وقد يتجاوز عنه إذا رأى حالته لا تساعد على الأداء، وكان ييسر على الموسر ولا يضيِّق عليه، وكان يرجو بذلك أنْ يتجاوز الله عنه، كما جاء في إحدى روايات البُخاري، فحقَّق الله رجاءه، بتجاوزه عنه وغفر له وأدخله الجنة، كل ذلك بسبب المسامحة في المعاملة.

وفي الحديث الصَّحيح: «إنَّ الله يحبُّ سمْحَ البيعِ، سمْحَ الشِّراء، سمْحَ القضاء».

" سمير الصالحين"

([1]) رواه مسلم.

([2]) عن أبي مسعود وأبي هريرة وهي في الصحيحين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين