البوطي كما عرفته

بقلم : د محمد فتحي راشد الحريري
ينحدر البوطي من أصل كردي، فقد ولد عام 1929م في قرية (جيلكا) التابعة لجزيرة بوطان الواقعة في تركيا قرب حدود العراق، وهو عالم متخصص في العقائد الإسلامية وهو أشعري في عقيدته ، هاجر مع والده المرحوم مُلَّا رمضان البوطي إلى دمشق، وله من العمر أربع سنوات.

تأثر بوالده الشيخ ملا رمضان الذي كان بدوره عالما متصوفاً ، وهو استاذه الاول * وقد عهد الشيخ ملا رمضان بولده الشيخ سعيد وهو في السادسة من عمره إلى امرأة فاضلة(خجا)، كانت تعلم الأطفال قراءة القرآن، وأوصاها به. فختم القرآن عندها خلال ستة أشهر.
* تلقى التعليم الديني والنظامي بمدارس دمشق، ثم انتقل إلى مصر للدراسة في الأزهر، وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة، وهناك التقى بوالدي وبالشيخ موسى اللكود يرحمهم الله ، علماً أن اقامة والدي بالازهر الشريف لم تتعدَّ ثلاثة الأشهر . وهو من الناحية الفقهية يعتبر مدافعًا عنيدًا عن الفقه الإسلامي المذهبي التقليدي والعقيدة الأشعرية في وجه الآراء السلفية ، وقد ساءت علاقته بالاخوان المسلمين قبل وفاته بحوالى عشرين سنة ، وهو تاريخ بدء مهادنته لنظام الحكم السوري ، وكان قبل ذلك من أشد منتقدي البعث والطائفة الاسدية الحاكمة في سورية ،،،، ويمكن تلخيص مسيرته العلمية على النحو التالي :
• أنهى دراسته الثانوية الشرعية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق.
• التحق عام 1953م بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وحصل على شهادة العالمية منها عام 1955م.
• التحق في العام الذي يليه بكلية اللغة العربية من جامعة الأزهر، ونال دبلوم التربية في نهاية ذلك العام.
• عُين معيدًا في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1960م.
• أُوفد إلى جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة ، وحصل عليها عام 1965م.
• عُين مدرسًا في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1965م، ثم وكيلًا لها، ثم عميدًا لها.وقد درستُ عليه العقيدة والتفسير وعلم الاخلاق والفقه وغيره من العلوم ، وربطتني به صلة خاصة مميزة عن جميع الطلبة ، فكم اصطحبني بعد انتهاء محاضراته مشيا على الاقدام من الجامعة بالبرامكة عبر جسر الرئيس الى قرب بيته وكم حدثني عن خطر الشيوعية والشيعة المتعصبة والبعثيين الاقصائيين ، وكم حذرني من أن أُخدع بشعاراتهم ،وكان يرحب بي في مكتبه دائما ويثني علي الثناء الحسن ، وسمح لي أن أدون عنه محاضرات في علم الاخلاق وكان الكتاب للدكتور زرزور ، ولم يسمح بهذا لغيري من الطلبة ، لذا كانت نسبة نجاحي بالمادة عالية(90@ )ولم يجاوز غيري ال(45+5م)..
كان البوطي يحاضر بشكل شبه يومي في مساجد دمشق،.وقد اشترك في مؤتمرات وندوات عالمية كثيرةو كتب في عدد من الصحف والمجلات في موضوعات إسلامية وقضايا مستجدة، ومنها: ردود على كثير من الأسئلة التي يتلقاها، والتي تتعلق بفتاوى أو مشورات تهمّ الناس، وتشارك في حل مشاكلهم.، وخالف في بعض اجتهاداته وفتاويه الجمهور فقام كثيرون عليه ، لكن الخلاف لم يصل الى مستوى التهديد بالقتل أو التصفية والتكفير !!!
كان البوطي عضواً في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمّان.، وعضو اًفي المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد.،و عضوَ المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة في أبو ظبي.، علما أنه حاز جائزة الشخصية الاسلامية في دبي عبر مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم في احدى الدورات ،.
وكان يتقن اللغة التركية والكردية ويلمّ باللغة الإنجليزية. وكان مرجعا بالعربية رغم أصوله غير العربية ، وهكذا شأن سائر علمائنا الكرام . وقد ظهر البوطي في بداية التسعينات ضمن وسائل الإعلام السورية،فأدهش الناس إذ كان من مناوئي الاسد ونظام حكمه وبدا نوع من التقارب بينه وبين الرئيس حافظ الأسد ولاسيما أنه شارك في تأبين ابن حافظ الاسد( المهندس باسل) وأسماه شهيدا يترعرع في الجنة ،،، ويرى مراقبون أن تقارب البوطي مع السلطة السياسية في سوريا كان له تأثير في المحافظة على سياسة سوريا المتعلقة بدعم حركات المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، في حين كان يرى معارضو أفكارِه يأن ذلك يُعَدُّ تغيّراً سلبيًّا منه وتحوّلا عن فكره !.
وكان أبدًا من نابذي التوجهات السياسية والعنف الجهادي، وقد تسبّب ظهور كتابه «الجهاد في الإسلام» عام 1993م في إعادة الجدل القائم بينه وبين بعض التوجهات الإسلامية. والكتاب كان ثمرة لقاء بين البوطي والشيخ اللغوي محمد عنبر رحمه الله والشيخ المفكر جودت سعيد ، بل قيل ان كثيرا من افكار الشيخ عنبر أخذها البوطي وصبغها بطابعه الخاص ، ومن المعلوم أن كتابا للشيخ عنبر بهذا الاسم قد ضاع بين البوطي وبين استاذ جامعي اسمه(جعفر دك الباب) وجرى جانب من النقاش حول هذا في مأتم الشيخ عنبر في مدينته( معظمية القلمون) كما حدثني نجله الاستاذ ( النضــر) حفظه الله ، والله أعلم ... “.
أبرز مؤلفات البوطي :
 
له ما لا يقل عن أربعين مؤلفًا في علوم الشريعة، والآداب، والتصوف، والفلسفة، والاجتماع، ومشكلات الحضارة، وغيرها، منها:
• المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني.
أصول التربية الاسلامية ، وكنت قد سألت البوطي عنه فقال انه مفقود ...
• نقد أوهام المادية الجدلية.
• الحكم العطائية: شرح وتحليل.
• الإسلام والعصر، تحديات وآفاق.
• أوروبا من التقنية إلى الروحانية ـ مشكلة الجسر المقطوع.
• الجهاد فى الاسلام: كيف نفهمه وكيف نمارسه.
• شخصيات استوقفتني.
• كبرى اليقينيات الكونية: وجود الخالق ووظيفة المخلوق.
• حرية الإنسان فى ظل عبوديته لله.
• السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهبًا إسلاميًّا.
• اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية.
• مقولة: الحكم الاسلامي يتناقض مع المنهج الديمقراطي.
• إلى كل فتاة تؤمن بالله.( كتيب)
• من هو سيد القدر.• هذه مشكلاتهم.(كتيب)
• هذه مشكلاتنا.(كتيب)
• كلمات في مناسبات.
• منهج الحضارة الإنسانية في القرآن.
• هذا ما قلته أمام بعض الرؤساء والملوك.
• يغالطونك إذ يقولون.
• من الفكر والقلب.
• ترجمة رواية مموزين.(قصة من الادب الكردي التراثي)
• فقه السيرة النبوية.
• حقائق عن نشأة القومية.
• التعرف على الذات هو الطريق المعبد إلى الإسلام.
• ضوابط المعرفة في الشريعة الإسلامية.
• الحب في القرآن ودور الحب في حياة الإنسان.
مات البوطي يوم رأس السنة الكردية 21 من آذار مارس 2013م الموافق 9c4 هـ اثر تفجير في مسجد الايمان ، ينظر اليه العقلاء على أنه تفجير افتعله النظام الاسدي ليتخلص من البوطي بعد أن استنزفه ، ولأداء رسالة سلبية عن الثورة السورية ، وهذا ديدن عصابات الأسد منذ أن نزوا على الحكم في سورية ظلما وتعسفاً  وفي الختام هذه كلمتي بهذه المناسبة الفاجعة :
د.محمدسعيد بن الملا رمضان البوطي ، الداعية صاحب التصانيف والتآليف المشهورة ، والذي تمَّ قتلهُ يوم النيروز رأس السنة الكردية 2013 م وهو كردي معروف ومنسوب الى جزيرة بوطان ،،وقد يكون لذلك دلالة !
رحمه الله ولا شماتة بالموت ، لكن هناك دروس وعظات وعبر ـ أبرزها أن احتمال ان تكون يدا النظام هي التي أنهت البوطي بعد أن انتهت صلاحيته من وجهة نظرهم اللئية الحاقدة الطائفية ـ والله اعلم !!!
ومن الدروس ان يكو.ن الداعية لسان حال أمته وليس المناكف لها والمنافق لذباحها ...
البوطي كان من ألد أعداء النظام وفجأة انقلب 180 درجةوتحول الى بوق أسدي بامتياز ولا احد يعرف السبب الحقيقي ، وأنا أعرف جزءاً من السبب واحتفظ بمعرفتي لنفسي كي لا أبدو متشفيا بموت أستاذي الذي آلمني وأحزنني ، وأشهد الله على ذلك !!!
علماء الاسلام اختلفوا منذ القدم ، لكن الاختلاف لم يصل بهم الى القتل او التصفية الجسدية او التهديد بالقتل ، مثال ذلك اختلاف السيوطي وهو الامام الجليل مع السخاوي وهو عالم جليل ايضا ، واختلاف عالمين متعاصرين صوفي وسلفي هما الشيخ علي الحريري والامام ابن كثير وكلاهما من حوران ، وما أمر واحد أتباعه بقتل خصمه العلمي ولا هدده . ...
البوطي أخطأ وخالف جمهور العلماء ورفع شبيحة الاسد الى مستوى الصحابة واستخفَّ بالثورة السورية ورجالاتها ، ومنح الجنة لباسل حافظ الاسدوأجاز مشاهدة الأفلام الجنسية الخليعة للعِنّين من باب التداوي بالحرام ، لكن هذا كلّه لم يكن ليسمح لأحد من الثورة ان يستبيح دماء البوطي رحمه الله وما كان البوطي بعيدا عن الثوار يوما ، ولو أرادوا تصفيته لفعلوا ، لكنهم لم يفكروا بذلك رغم الاختلاف بالرأي والمواقف ، فيبقى البوطي من علماء السنة ومرجعياتهم المعتبرة ،،،
إنه عالم من علماء السنة وفقيه مفسر جليل ومن علماء العقيدة والدعوة ، أنهته عصابات الاسد لتوصل رسالة الى الشارع العام وتوقد الحرب الطائفية وتثير أهل السنة على بعضهم ، فاحذروا ايها العقلاء ..
البوطي اليوم في ذمة الله وسنقف معه بين يدي الله تعالى ويسألنا ويسأله وهناك نرجو التثبيت وورود الحوض ،،،ونقدم في كل الاحوال عزاءنا لأسرته وإلى ابنه العالم الجليل زميلنا د.توفيق ، ونرجو لأستاذنا الرحمة والمغفرة والله يتولّى الجميع ، وهو الهادي الى سواء السبيل  ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ..