الاستمرار على الطاعة والعبادة بعد رمضان

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فلعلي أذكر شيئًا من فوائد الاستمرار على الطاعة والعبادة بعد رمضان، فإن المسلم إذا علم أن لعبادته ثمرة كان مشجعًا له في الاستمرار على تلك الطاعة، وكذا فإنه يتعهد نفسه بها، ومن هذه الثمرات: 

1. المداومة سبب لطهارة القلب من النفاق؛ فإن المنافق تثقل عليه العبادة والطاعة ولا يستطيع أن يستمر عليها، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 142]

2. العمل المداوم عليه محبوب لله؛ فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) رواه البخاري.

3. المداومة على العمل سبب لمحبة الله تعالى؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) رواه البخاري.

4. المداومة على العمل فيه اتصال القلب بالله مما يزيده قوة وثباتًا وتعلقًا به سبحانه.

5. المداومة على العمل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ) رواه أبو داود بسند صحيح.

6. المداومة سبب لإظلال العبد في ظل الله؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) رواه البخاري.

ومن المعلوم أنه لا بد من الاستمرار على ذلك ليحصل على الأجر والثواب.

7. المداومة على العمل سبب للنجاة من الشدائد؛ فعَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ وَإِذَا سَأَلْتَ فَلْتَسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه أحمد بسند صحيح.

8. في المداومة على العمل ترويض للنفس على طاعة الله تعالى ولهذا قيل: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

ومن رحمة الله علينا أن الله يعقب العبادات فما انتهى شهر رمضان بخيره إلا وفتح لنا بابًا عظيما من أبواب الخير، وهو صيام ستة أيام من شوال، وبعده الحج إلى بيت الله الحرام.

واعملوا بطاعة الله وراقبوا الله في السر والعلن قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر:18-20].

وليحذر الذين ينقضون عهد الله بعد رمضان فنجد كثيرا منهم يبتعدون عن المساجد ويتركون الأعمال الحسنة التي كانوا عليها في رمضان حيث ينصهرون في لجة الحياة الدنيا وحتى يبقى المسلم على صلته بالله وبالأعمال الصالحة فتح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الصيام في شهر شوال.

فعَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم.

قيل لبشر الحافي -رحمه الله -: إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: ( بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقًا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها).

إن الاستمرار على الصيام بعد صيام رمضان دليل على قبول صوم رمضان، أما من انقطع عن العمل بعد رمضان فهو دليل عدم التوفيق في رمضان.

والله أسأل أن يوفقنا والمسلمين لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين