الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو الشعب المصري إلى الوحدة والحفاظ على أهداف الثورة والالتفاف حول الشرعية

 

 
ويندد بالعنف وإحراق المقرات، ويناشد الجميع الله أن لا يسمحوا لرؤوس الفساد أن يحدثوا فتنة وثورة مضادة، ويشيد بدعوة الإسلاميين إلى تأجيل المسيرة المليونية درءا للفتنة وحقنا للدماء
 
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛؛
 
يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما يجري في مصر الحبيبة منذ بدء ثورتها العظيمة التي كانت مدرسة في الأخلاق والقيم، والوحدة والتضحية والفداء، ودور جيشها العظيم في درء الفتنة، والحفاظ على وحدتها وسيادتها.
وبعد أن ظهرت معالم انتصارها بدأ أعداؤها في الداخل والخارج، يشاركهم فلول النظام البائد، في إثارة الفتن، واحدة تلو الأخرى، ومحاولة تمزيق أبناء الثورة على أسس أيديولوجية، والتآمر على الشريعة الإسلامية  بوسطيتها المعروفة التي كانت معتمدة في جميع الدساتيرالسابقة، وذلك لإبعاد مصر عن هويتها الإسلامية والعربية.
ومع ما أقدمت عليه المحكمة الدستورية من اعتبار مجلس الشعب المصري المنتخب، في أكثر الانتخابات نزاهة في تاريخ مصر، في حكم العدم، غير عابئين بإرادة ملايين المصريين الذين قاموا بالمشاركة في هذه الانتخابات النزيهة، وما ظهرت بوادره من محاولات أخرى لإلغاء الغرفة الثانية من البرلمان (مجلس الشورى) والجمعية التأسيسية؛ بل الانقلاب على سلطة الرئيس المنتخب نفسه، وبما ظهر للعيان أن المحكمة الدستورية قد صارت خصمًا، ولم تتعامل مع هذه القضايا بالحياد، فكانت قرارات الرئيس محمد مرسي خطوة استباقية، تهدف إلى استقرار مؤسسات الدولة واستكمالها، بدلا من الفراغ الدستوري والبرلماني الذي كان يريده أعداء الثورة.
وكأن الذي يراد لمصر – قلب العالم العربي والإسلامي - أن تعيش في فوضى دائمة، وأن تنشغل قيادتها المنتخبة بإدارة المخاطر والصراعات، بدلا من اللحاق بركب التنمية والبناء، فلا تنعم مصر باستقرار، ولا تكون قادرة على جذب الاستثمار، أو معالجة قضاياها المزمنة كالفقر والبطالة التي تجاوزت الحد المعقول.
 كل ذلك لإفشال الثورة وأهدافها، وبالتالي عودة فلول النظام البائد الذين خرجوا من جحورهم،  تساندهم الأموال المنهوبة، التي نهبها أباطرة النظام الفاسد، وحفنة من المتطلعين إلى مصالح رخيصة، وإن كانت على حساب مصالح الوطن والمواطنين.
ويبدو أن المشكلة الكبرى أن الثورة في مصر لم تطح برؤوس الفساد كلها – كما هو الحال في الثورات – وإنما بقيت معظم أجهزة الفساد على حالتها.
وأمام هذه الأوضاع الخطيرة كان من المفروض أن يتفهم السياسيون الإعلان الدستوري المؤقت الذي استخدم فيه الرئيس نفوذه وصلاحياته لإنقاذ البلاد من محاولات التدمير والخراب، التي تسير على أرض الوطن، وتهدف إلى إسالة الدماء وإشاعة أجواء الاحتقان من أبناء الوطن.
 وقد أيد هذا الإعلان الدستوري كثير من القانونيين، وفقهاء  الدستور مثل الأستاذ الدكتور ثروت بدوي الذي قال: (لا يجوز لأي شخص أن يعيب هذه القرارات التي من شأنها أن تنقد الوطن من الكثير من أنواع الخراب التي يصنعها أعداء الوطن) معبّرا عن دهشته من وصول بعض القضاة إلى هذا الوضع، وقال: (إن قرارات الرئيس تفرضها الظروف الاستثنائية ويبررها مبدأ الضرورة، وهو مبدأ عالمي تأخذ به كافة الدول الديمقراطية).
وأمام هذا الوضع الخطير ، يرى الاتحاد ويؤكد ما يلي:
أولاً: يدعو الاتحاد الشعب المصري إلى الوحدة ونبذ الفرقة والالتفاف حول أهداف الثورة وإفشال كيد أعدائها من الداخل والخارج، الذين لا يريدون لمصر الخير أبدا، وإنما يريدون أن تبقى مصر ضعيفة مشغولة بنفسها وجراحها ومشاكلها حتى تكون بعيدة عن تحقيق القوة والتنمية والرفاهية لشعبها، والدفاع عن قضايا أمتها العربية والإسلامية، فقال تعالى محذّرا من خطورة الفرقة: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال:46].
وحتى لو كانت هناك ملاحظات على الإعلان  الدستوري، فإنها لا تقارن بالفتنة التي هي أشد من القتل، والفرقة التي سماها الله تعالى كفرا، فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } [آل عمرا:100] وسماها الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك كفرا، فقال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)، بل إن نبي الله هارون قد صبر على شرك قومه وعبادتهم للعجل خوفا من الفرقة والفتنة، فقال: {إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94].
لذلك فالحفاظ على الوحدة فريضة شرعية، وضرورة وطنية، في هذه المرحلة، وهي مقدمة على مثل هذه الملاحظات، ولاسيما أن الإعلان الدستوري مؤقت بأشهر ومرتبط بالقرارات السيادية.
ثانيًا: يحذّر الاتحاد من أن انشغال أبناء الثورة المصرية بعضهم ببعض ، يتيح لفلول النظام البائد وأعداء الوطن أن يخترقوا الجمع، ويندسوا تحت اسم المعارضة لإحداث فتنة لا يعلم مدى خطورتها وآثارها المستقبلية الكارثية إلا الله تعالى.
ولذلك يدعو الاتحاد القادة السياسيين الذين يحبون مصر أن يجتمعوا معًا مع الرئيس، للتحاور والوصول إلى ما يحقق الخير لمصر، وهم يتحملون مسؤولية تاريخية – سلبا وإيجابا – أمام الله تعالى ثم أمام الوطن والتاريخ.
ثالثًا: لا يجوز شرعا للوطنيين الشرفاء الاستقواء بالأجنبي ، ولا الاستعانة به في القضايا الداخلية، فتلك خيانة عظمى في حق الله تعالى وحق الوطن.
لقد كانت مصر على مدار تاريخها الإسلامي وحدة جامعة بمسلميها ومسيحييها أمام الأعداء والمحتلين، ولم يستغيثوا بأجنبي حتى في أحلك الظروف، فكيف يجوز الاستقواء بهم أمام رئيس منتخب انتخابا شرعيا.
رابعا: إن مصر الثورة اليوم تواجه ثورة غير شرعية مضادة بأموال الفساد، وتخطيط المفسدين ضد الثورة الشرعية التي انبثقت منها انتخابات نزيهة للبرلمان ومجلس الشورى، والرئيس، لذلك  يناشد الاتحاد جميع المصريين أن يقفوا صفا واحدا أمام هذه المؤامرة الحقيقية على مصر، وعلى هويتها ، حتى يردوا كيد أصحابها إلى نحورهم بإذن الله تعالى، ونحن في الاتحاد واثقون أن الشعب المصري قادر على تحقيق ذلك.
خامسا: يدعو الاتحاد مصر شعبا ورئيسا وحكومة، وسياسيين إلى بذل أقصى جهودهم لتحقيق التنمية الشاملة والقضاء على الفقر والبطالة والتخلف، والسعي الجاد لتحقيق دولة قوية اقتصاديا وسياسيا، واجتماعيا وتقنيا وعسكريا، لأن دور مصر كان وسيظل عظيما مادامت لها قيادة رشيدة
سادسا: مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وفي جميع الشرائع السماوية والدساتير والقوانين أن طاعة ولي الأمر المنتخب من الشعب شرعيا واجبة وفريضة قطعية ، فقال تعالى:{ أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الْأَمْر مِنْكُمْ{     ]  النساء:59[، والأحاديث الواردة في الإثم العظيم لمخالفة أمره والاستهانة به أكثر من أن تحصى في هذا البيان.
سابعا: يشيد الاتحاد بموقف الإسلاميين بمصر (الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية، وغيرهم..) في إحساسهم بالمسؤولية، وذلك بتأجيل المسيرة المليونية يوم الثلاثاء؛ درءا للفتنة وحقنا للدماء.
ثامنا: يندد الاتحاد بالعنف وإحراق مقرات الإخوان المسلمين، وغيرهم فهذا عمل تخريبي، وحرابة وفساد في الأرض يستحق صاحبه أكبر العقوبات.
وبهذه المناسبة يناشد الاتحاد المتظاهرين الالتزام بالسلم، وإعطاء الوجه الحضاري المصري لمظاهراتهم، وعدم السماح بتسلق الفلول واستغلالهم لها في إثارة الفتن.
وفي الختام نتضرع إلى الله تعالى أن يحفظ مصر وثورتها، وأهلها، وقيادتها الشرعية المنتخبة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل كيد الأعداء في نحورهم، فيردهم صاغرين فاشلين.
 }رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ?لْوَهَّابُ     [آل عمران:8[  
                                     والله المستعان
 
أ.د علي القره داغي                                             أ.د يوسف القرضاوي
 
الأمين العام                                                        رئيس الاتحاد