الإسماعيلية النزارية والحسن بن الصباح

الموجز في التاريخ:

الإسماعيلية النزارية والحسن بن الصباح

عبد المعين الطلفاح

 

كان مما عانت منه الأمة كثيرًا زمن السلاجقة وبعدهم: الفرق الباطنية بكل أقسامها، وكان أخطر تلك الفرق الإسماعيلية النزارية، التي عرف أتباعها عبر التاريخ بالباطنية، أو الحشيشية، أو الحشاشين، وهي امتداد للدعوة الفاطمية العبيدية في مصر، وقد انتشرت الإسماعيلية النزارية في بلاد المشرق، وكان الذي حمل لواءها، ونشرها في بلاد قزوين وفارس، وغيرها من بلاد ما وراء النهر: الحسن بن الصباح.

 

الحسن بن الصباح

رجل يمني، هاجر أبوه إلى الكوفة، ثم إلى الري حيث ولد ابنه الحسن، ثم رحل الحسن إلى مصر، حيث الفاطميون العبيديون، وهناك تعلم المذهب الفاطمي، واطلع على أحوال الدولة الفاطمية، وحظي بحفاوة الخليفة الفاطمي: المستنصر بالله، الذي أمده بالأموال، وأمره بنشر دعوة الفاطميين في بلاد المشرق، وقبل أن يخرج الحسن بن الصباح من مصر؛ توفي الخليفة المستنصر بالله، دون أن يبايع لابنه الأكبر: نزار، فاختلفت حاشيته عليه وعلى ابنه المستعلي بالله، فبايعت الحاشية وعلى رأسها أمير الجيوش الفاطمية: بدر الجمالي المستعلي بالله خليفة لأبيه؛ فانقسمت الإسماعيلية إلى: النزارية والمستعلية؛ وكان الحسن بن الصباح يرى أن تولية نزار تتفق وتعاليم الدعوة الإسماعيلية، التي تشترط في الإمام أن يكون أكبر أبناء أبيه؛ فعاد إلى بلاد فارس، ومن أصبهان أخذ يعمل لنشر دعوته إلى نزار، مروِّجًا لنظرية الإمام المستور، جاعلًا من نفسه نائبًا له، ومخططًا لإنشاء دولة إسماعيلية في بلاد المشرق الإسلامي؛ فانتبه لخطره الوزير: نظام الملك؛ فضيق عليه الخناق؛ فرحل الحسن إلى قزوين، واستولى على قلعة الموت، وجعل منها مقرًا له، ثم استولى على القلاع المتناثرة حولها، والتي تبلغ نحو الستين قلعة، كانت كل قلعة منها تعتبر وحدةً اقتصاديةً وعسكريةً مستقلةً بذاتها، يعيش ساكنوها معتمدين على الزراعة؛ نظرًا لوفرة الماء فيها، وتتبع كلها للسلطة المركزية في قلعة الموت.

كانت تلك القلاع تقع جنوب بحر قزوين ممتدةً إلى بلاد الطالقان في الجنوب الشرقي منه، حتى بهرام آباد ورودبار على الحدود المتاخمة لشرقي آذربيجان، ومن قلعة الموت أخذت دعوة الحسن بن الصباح تتوسع في البلاد، وتعيث فيها فسادًا، ومن تلك القلاع كان يخرج فدائيوه، يغتالون العلماء والآمنين، وكان أول ضحاياهم: الوزير: نظام الملك، وحاولوا اغتيال ملكشاه، وصلاح الدين وغيرهم من الأمراء والقادة، وظلوا يبثون الرعب من هذه القلاع؛ حتى جاء المغول؛ فاكتسحوا قلاعهم، الوحدة تلو الأخرى، وألقوا القبض على آخر أئمتهم: خورشاه عام: (655 ه)، وقتلوه.

كانت دعوة الحسن بن الصباح النزارية وعقيدته تقوم على أن لكل ظاهر باطنًا، وأن لكل تنزيل تأويلًا، وأن الباطن أهم من الظاهر؛ لأنه اللب، وكانوا يقولون بالحلول والتناسخ، وكان من أساليبهم في الدعوة لمذهبهم التدرج في تشكيك الطالب بدينه، وبتفاسير القرآن وعلومه، وبأقوال السلف، من خلال طرح بعض الأسئلة التي تتركه حيرانًا متأرجحًا في عقيدتهم، كسؤاله عن معاني الحروف المقطعة أوائل بعض السور، ثم العمل على إقناعه لرفض تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم، وتوحي إليه أن ما أمرت به الأديان ما هو إلا أكاذيب وحيل، كان الهدف منها إخضاع المجتمعات لها، حتى يصلوا به إلى أن كل الشرائع لا بد أن تخضع لشريعة العقل والعلم، ويستدلون له بنظريات أرسطو، وأفلاطون، وفيثاغورس، وذلك يدل على قوة ارتباط الباطنية بالفلسفة اليونانية، وكانوا يتظاهرون خلال ذلك بالتقوى والصلاح، وينتسبون لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أرسل الحسن بن الصباح رسالة إلى ملكشاه، يدعوه فيها إلى عقيدته، ويحذره من وزيره الناصح: نظام الملك، وذلك بعد فشل حملات ملكشاه من الاستيلاء على قلاعهم. 

لقد كانت دعوة الحسن بن الصباح دعوةً منظمة بدقة، وأعضاؤها مقسمون على سبعة مراتب، أوَّلها: رئيس الدعوة، وهو نائب الإمام المستور، ويسمى: شيخ الجبل، وسابعها: المستجيبون، وهم عامة الناس المؤيدون للدعوة، وكان لكل مرتبة أعمالها الخاصة، والمتأمل في طريقة الدعوة النزارية، وما تقوم عليه من تدرج في الدعوة والتنظيم، والمتأمل في أساليب الماسونية في العصر الحديث، وطرق الدخول فيها؛ يجد أن ثمَّت خيطًا رفيعًا يربط بين الباطنية والماسونية؛ ألا وهو: اليهودية العالمية، التي استطاعت أن توجد الباطنية وفرقها في القديم، والماسونية ومؤسساتها في الحديث. 

كان من أجل أعمال السلاطين السلاجقة وأعظمها؛ تأخير سقوط الخلافة العباسية قرنين من الزمن، وقد كانت قبل مجيئهم قاب قوسين أو أدنى من السقوط بيد البويهيين في العراق، والفاطميين في بلاد الشام ومصر، وكذلك وقوفهم بوجه التوسع الصليبي البيزنطي شمال العراق، بعد انتصارهم في معركة: (ملاذ كرد)، وكان من جليل أعمالهم: إكرام العلماء، وتوليتهم مناصب عليا في الدولة؛ مما شجع الوزير: نظام الملك على القيام بمشروع نهضوي عظيم، كان له أعظم الأثر في مواجهة المشروع الباطني، ونشر العلم بين المسلمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين