الأستاذ
الشيخ محمد أمين خياطة ابن الشيخ عبد الرحمن خياطة الحنفي الحلبي.
عالم موسوعي، فقيه، فرضي، فلكي، أديب، وخطاط له اهتمام بالألحان والمقامات الموسيقية،
أمين المكتبة الوقفية.
ولد الشيخ محمد في الخامس عشر من
شهر جمادى الأولى، سنة: ثلاث وستين وثلاثمئة وألف للهجرة، في زقاق من أزقة حي (الجلوم)
العريق، زقاق (جامع النور)، الذي تطل قبته على ساحة الدار التي ولد فيها المترجم،
دار آل الخياطة (الآلا)[1]هذا
الزقاق الصغير المبارك، الذي يضم بيوت عدد من العلماء والحفاظ والفقهاء في مدينة
حلب، ففيه بيت الشيخ محمد المبيض إمام المسجد، وبيت الشيخ الحافظ المقرئ عبد
الوهاب المصري، والشيخ الحافظ المقرئ حسن المصري، والشيخ الفقيه محمد الرشيد، أما
البيت الذي ولد فيه الشيخ محمد أمين فهو بيت تقى وعلم وصلاح، وكان يضم الإخوة
العلماء من آل الخياطة؛ شيخنا الشيخ محمد نجيب، والشيخ الدكتور عمر، والشيخ عبد
الرحمن خياطة والد الشيخ المترجم.
في هذه البيئة الصالحة ولد الشيخ محمد أمين، وتلقى مبادئ القراءة عند
(الخوجة أم برهان) وهو في السادسة من عمره، وتابع تعلمه لقراءة القرآن الكريم وحفظه
والعلوم العربية والإسلامية في عدد من كتاتيب ذلك الوقت، ففي كُتّاب الشيخ بدر الدين
طحان (الشيخ بدور) تعلم مبادئ القراءة، وأخذ
عنه مبادئ فن الخط، وكان من المقدمين عند الشيخ يجلس أمامه، ويعتني به عناية خاصة،
وتابع أخذه علوم التلاوة والتجويد والخط عند شيخه (الشيخ كلال طحان)، وأتقن حفظه
للقرآن الكريم عند (الشيخ عبد الوهاب المصري)، وفي كُتّاب جامع العمري، كان شيخه (الشيخ
مصطفى السرميني) موجهاً ومدرساً في (المدرسة الخسروية)، وفي كُتّاب (جامع العجمي)
تعلم المترجم من الشيخ أحمد الحجار مبادئ الألحان والإنشاد.
وما إن شب الشيخ محمد أمين عن الطوق، وأصبح في سن يمكنه من الدخول إلى
المدارس الشرعية انتسب إلى (المدرسة الخسروية)، وفيها التقى جل شيوخه الذين أخذ
عنهم، وتفقه بهم، وكان منهم: الشيخ عبد الوهاب سكر مدير المدرسة آنذاك، والشيخ عبد
الفتاح أبوغدة، والشيخ محمد ناجي أبو صالح، والشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ أحمد عز الدين بيانوني، والشيخ عبد
الرحمن زين العابدين، وأخوه الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، والشيخ محمد اديب
حسون، والشيخ محمد نجيب خياطة، ووالده الشيخ عبد الرحمن خياطة، وفي هذه المرحلة أتقن
الشيخ فن الخط العربي على يد أستاذه الخطاط إبراهيم الرفاعي.
لم يكن الشيخ المترجم يكتفي بما يحصله من
العلوم على شيوخه في (المدرسة الخسروية)، بل كان يحرص على حضور حلقات مشايخ حلب
الكبار في عصره، أمثال: الشيخ عبد الباسط أبو النصر، والشيخ أحمد الإدلبي، والشيخ
سامي بصمه جي، والشيخ ناجي أبو صالح، والشيخ حسن حساني، والشيخ عبد الجواد بوادقجي،
الذي أخذ عنه علوم اللغة العربة والتصوف، وقرأ عليه كتاب فصوص الحكم لابن عربي وغيرهم.
ولعل أكثر من أخذ عنهم وتأثر بهم
في بناء شخصيته العلمية الشيخ ملا خليل، وقد قرأ عليه عدداً من العلوم أهمها الفقه
الحنفي والمنطق، والشيخ محمد الملاح وقرأ عليه حاشية ابن عابدين في الفقه الحنفي،
ثم الشيخ عبد الله سراج الدين وأخذ عنه علوم الحديث والتفسير والتربية والسلوك،
أما والده وأعمامه فقد كان لهم الفضل الأول في تكوين شخصيته العلمية، وإتقانه
للقرآن الكريم وتجويده.
وبعد تخرجه
في المدرسة الخسروية سافر إلى القاهرة مدة من الزمن وأخذ عن علمائها في الأزهر
الشريف
عمل الشيخ المترجم في مهنة تصليح الساعات،
وافتتح محلا خاصاً به، كما عمل في مهنة تجليد الكتب وكان ماهراً بها، واتقن فن
التلحين والإنشاد وبرع فيه، وله كتاب (أرشف) صنف فيه كل الموشحات والقدود الحلبية وأكثرها
من الموشحات النادرة أو المفقودة، ولكنه للأسف قد سرق من داره مع مكتبته ومجموعته
النادرة.
أتقن الشيخ المترجم علم الفلك ورأى أن توقيت الأذان في حلب يحتاج إلى إعادة
النظر فيه حيث يختلف وقت دخول الصبح والمغرب بدقيقة او دقيقتين فعمل مع ابن عمه
الأستاذ صلاح بن الشيخ نجيب خياطة، والشيخ فاتح أبو زيد والحاج عدنان علبي وبتوجيه
من عمه شيخنا الشيخ عمر خياطة على وضع توقيت للأذان في حلب ولكن مشروعه هذا لقي
بعض العقبات والمعارضة فلم يتم [2]
كما أتقن فن الخط العربي وكتب بخطه البديع القرآن الكريم مرات عديدة،
وبروايات مختلفة، وكتب صحيح البخاري وغيره من الكتب والرسائل، وكل مؤلفاته كتبها
بخط يده ومنها:
1.
كتاب
(رشحات عيون الحكمة من بداية النصف الثاني من القرن العشرين، أعلام من علماء العصر
منهم أساتذتي رحمهم الله)، وهو كتاب سرد فيه تفاصيل حياته العلمة، وترجم من خلالها
لكثير من شيوخه من علماء حلب، بشكل عفوي سهل قريب.
2.
كتاب
(حلبيات وسوريات، يوميات تاريخية، تراجم ـ صور تاريخية ـ شذرات).
عمل الشيخ محمد أمين خطيباً في جامع الموازيني، ومدرساً لمادة الفرائض وغيرها
في المدرسة الشعبانية، وذلك بتكليف من شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين ومدرساً في
الثانوية الشرعية، وبتكليف من الشيخ محمد أديب حسون قام بإعطاء الدروس للمواد
الشرعية في مدرسته التي افتتحها في جامع أسامة بن زيد، كما عمل محرراً في جريدة
الجماهير، وقدم عدداً من البرامج الإذاعية في إذاعة حلب، وطلبه الشيخ محمد عثمان
بلال ليعمل معه أميناً للفتوى، ولكنه اعتذر بكثرة أعماله العلمية والصناعية.
ولكثرة حبه للعلم واعتنائه بكتبه أسندت إليه وظيفة أمانة المكتبة الوقفية
وبقي عليها إلى آخر حياته، وكانت مكتبته الخاصة تعد من المكتبات الحلبية الكبيرة، وتضم
بالإضافة إلى عدد ضخم من الكتب والكثير من التحف والساعات النادرة والمقتنيات
الأثرية التي حرص على جمعها طوال حياته، ثم فجع بها حيث سرقت ودمرت في الحرب
الأخيرة.
طيب القلب، كريم الأخلاق، محب للعلم، مثابر على طلبه، صاحب مودة ووفاء لشيوخه
الذين أخذ عنهم، شديد البر بوالده، حتى إنه رفض الذهاب لأداء فريضة الحج في عامين
متتاليين ليبقى بجانب والده المريض ويعتني به.
بقي الشيخ على أخلاقه هذه إلى أن وافته المنية في حلب، صباح يوم الجمعة الخامس
عشر من ذي الحجة سنة: خمس وأربعين وأربعمئة وألف للهجرة، الموافق للحادي والعشرين
من حزيران، عام: أربعة وعشرين وألفين للميلاد وصلي عليه في جامع زين العابدين
الكائن في حلب الجديدة، ودفن في مقبرة الفردوس، رحمه الله رحمة واسعة.
المصادر والمراجع
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1.
كتاب
رشحات عيون الحكمة للمترجم.
2.
ترجمات
متعددة عل صفحات التواصل الاجتماعي.
3.
مذكرات
المؤلف وذكرياته.
[1] جدّ المترجم الشيخ الحاج محمد خياطة رجل بسيط، يعمل في مهنة
البناء، ولد يتيماً إذ توفي أبوه وهو جنين في الشهر الثاني من الحمل فأخذه أخواله من
آل (الآلا) وربوه عندهم فعرف بهم، و(الآلا) القماش المقلم، وصانعه وبائعه يسمى،
(الآلاجاتي)
[2] عندما كنت مفتشا في دائرة الأوقاف بحلب عرضت على السيد مدير
الأوقاف الدكتور محمود أبي الهدى الحسيني أن أتابع ما قام به الشيخ محمد أمين
وإخوانه في هذا المجال ووافق السيد مدير الأوقاف وألفت اللجنة الاستشارية الفنية
لمتابعة موضوع التوقيت في مدينة حلب وريفها وتضم اللجنة في عضويتها الدكتور جلال
خانجي رئيساً الشيخ جمال الدين الهلالي عضواً الشيخ محمد عدنان كاتبي عضواً وبدأت
اللجنة عملها لكنها لم تستطع الاستمرار للظروف التي مرت بها البلاد في ذلك العصر
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول