الاسم: محمد فاروق حمدو أمين بطل

 تاريخ الولادة: 13/5/1936

 مكان الولادة: مدينة إدلب.

 

 النسب: بطل.... يقول الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ في النسب:  نحن ننتسب إلى سلالة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

 

 اللقب: في تعليل هذا اللقب تُروى تعليلات كثيرة، يذكر الوالد منها: أن جد العائلة كان بطلاً في الجسم والعزم، ومنها أنه كان بطلاً فيما يُنسَب إليه من كرامات... ويبقى الأصل أنه من يتقي الله هو البطل.

ليس من يقطع طُرقُاً بطلاً *** إنما من يتقي الله البطل

أسأل الله سبحانه أن يحققنى من ذلك. وأن يجعل لي من هذا اللقب نصيباً.

ينتمي إلى هذا اللقب أسر كثيرة: منهم المسلمون، ومنهم النصارى [ النصارى في قرية دير عطية القريبة من دمشق، وفيهم كرم بطل (أستاذ تاريخ) وإبراهيم بطل( محامي). وثمة طُرفة حكاها لي الوالد وهي: أنه كان في دمشق يريد دخول سوق الحميدية ، وفي محاذاة المدخل وجد لوحة باسم المحامي إبراهيم البطل، ولحرصه على معرفته صعد إلى الدور الرابع، وطرق باب المكتب ، ففتح له الباب شاب صغير فسأله: الأستاذ المحامي موجود . فقال : الوالد غير موجود.. سأله  الوالد: من أنت؟ قال : أنا ولده . قال : ما اسمك؟ قال : جورج . قال الوالد وبشكل غير شعوري : (لَهْ) متعجباً !]،... كذلك ينتمي إلى هذا اللقب أسر في حلب، ودمشق، ولبنان، وفلسطين، ومصر، إضافة إلى مدينة إدلب، التي وُلدتُ فيها ـ نسمع بهم، ولكن لا نعرف أكثرهم.

يقول الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ: أصل العائلة من حلب، ولكنَّ فرعاً منها رحل إلى إدلب، واستقر فيها، وبعضهم رحل إلى دمشق ، وآخرون رحلوا إلى فلسطين...وهكذا.

 

 الوالدان:

الوالد اسمه: حمدو بن أمين.

والوالده اسمها: رشيدة بنت أحمد بطل.

تزوج الوالدن زواجاً مبكراً: أعرس الوالد وعمره /16/ سنة، وأعرست الوالدة وعمرها:13سنة.

 أنجبا من الأولاد/13/ ولداً، منهم سبعة ذكور، والباقي بنات.

عاشا في صحة جيدة ـ بحمد الله ـ وفي سعادة زوجية هانئة، رغم ظروف المعيشة القاسية، ورغم الغربة، ورغم الكفاح المشترك، ورغم أيام الحرب القاسية! وامتد عمرهما إلى قرابة الثمانين ـ رحمهما الله تعالى ـ.

 كان عميد العائلة في حلب فإذا جاء العيد، قدِم إليه الأقرباء والأرحام معايدين ثم ينتقل بهم ـ ونحن معه ـ من بيت إلى بيت، رغم انعدام المواصلات، وتباعد البيوت، ويكاد يخرج معه ووراء، أكثر من عشرين رجلاً وشاباً، أداء لواجب العيد وإحياء لشعيرته، حقاً كان ذلك منظراً جميلاً، وعادة اجتماعية رائعة، وسلوكاً إسلامياً بديعاً.

كان أباً حنوناً، لا يقبل أن يخص نفسه بشيء، دون أفراد أسرته، حتى الضيافة التي تُقدَّم له في عيد أو حج كان يوزعها على أولاده بالتساوي والعدل دون تمييز بين كبير أو صغير، ذكر أو أنثى.

 عاش مع والدتي، وحتى آخر يوم من حياته، حياة المودة والرحمة، حياة السَكَن والأُنسْ والحب، لا أذكر أنهما اختصما أو تنازعا، فكان هو رب الأسرة القوَّام، وكانت والدتي نعمت الزوجة ونعمت الأم، بارة مطيعة أنيسة قنوعة... وتلك نعمة كبرى؛ أنعهما الله عليَّ وعلى إخواني وأخواتي بما وفَّره لنا الوالدان الكريمان من محضن تربوي هادئ، وجو أسري ماتع.

 أحمد الله سبحانه، إذ أكرمني بوداع والديَّ، وأنا في ديار الهجرة، إذ قدما معتمِرَين، فشرَّفني الله بخدمتهما وبرهما وإكرامهما، لكن الوالد لم يكد يصل إلى حلب، عائداً من العمرة، حتى فوجئ بمن يعزِّيه بوفاة أخي أمين أبا بشار، علماً أن إخوتي خافوا من وَقْع الصدمة عليه، فقرروا التدرج في إخباره، لكنْ غاب عنهم أن أحد الجيران قد يبادر إلى إخباره، ظناً منه أنه قد أُبلغ الخبر، خاصة وأنه قد مضى على وفاة أخي أكثر من اسبوع... إنه الأجل المحتوم في الزمن الموعود:[ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {يونس:49}. رحمها الله رحمة واسعة، وأسكنهما فسيح جنانه، وجزاهما الله عني كل خير.

 كانا سعيدين كل السعادة، لم أسمع لهما خلافاً، ولا نزاعاً، ولا خصاماً، وكان التعلق بينهما على أشده [أذكر هذا رداً على أولئك الذين يشنِّعون على الزواج المبكر وكذا زواج الأقرباء . فالحمد لله لم أتأثر ولا أحدٌ من إخوتي أو أخواتي بشيء مما قيل عن آثار مثل هذا الزواج.]، وماتا على ذلك ـ أسكنهما الله فسيح جناته، وجزاهما عني وعن إخوتي خير الجزاء وأوفاه ـ بما هيئا لنا من وَسَط تربوي، وبيئة هادئة، ومحضَن وادع.

كان والدي ـ رحمه الله تعالى ـ صاحب نكتة وطرافة، يألف الناس ويألفونه، يحب الاجتماع، ويكره العزلة، يحب العلم، ويحرص على مجالسة العلماء.

 لم يحمل والدي أي شهادة، لكنه كان من الذكاء وقوة الذاكرة والحفظ، ما مكَّنه من استيعاب كل حديث، أو رأي، أو حكاية، أو نكتة، أو شعر، أو أنشودة، أو طرفة سمعها، أو حُكِيت له.

 وكان يروي كل ذلك بتمكن، وذاكرة حية، وأسلوب جذاب، لذلك كان ـ رحمه الله تعالى ـ نزهة المجالس، وأُنس اللقاءات، وبُلبُل السهرات.

 

 لماذا لم يحمل والدي أي شهادة؟!


فالجواب على ذلك أن جدي أمين آغا [هكذا اسمه في دائرة نفوس إدلب، وقد مُنح اللقب أيام الخلافة العثمانية ـ كما حكى لي والدي.] بطل ورث عن جده ثروة طائلة، وأموالاً لا تُقدَّر، حكى لي الأستاذ أحمد نعسان آغا (أبو وضاح) ـ مدرس اللغة العربية في ثانوية المتنبي بإدلب ـ قال: إن جدك أمين آغا ورث عن أبيه ثلاثة وثمانين ألف ليرة ذهبية عثمانية [يوم كانت الليرة الذهبية لها قيمتها.]، غير الأسواق والدكاكين والبيوت التي كان يملكها.

 وحكى لي السيد عبد الهادي بعاج أبو عمر صاحب شركة في حلب للغزل والنسيج، قال: أرأيتَ ما أملك من مال، إنه من فضل الله أولاً، ثم هو من فضل جدك ثانياً. كنت أعمل عنده في مصنع للحلاوة والطحينة في مدينة إدلب. وحين علم أنني عازم على أن أستقلَّ بعملي، وأعتمد على نفسي، ملأ كفيه بالليرات الذهبية العثمانية، ووضعها في جيبي، دون أن يعُدَّها، وقال: هي ملكك، مباركة عليك.

 وصل والدي في دراسته إلى الصف الرابع في المرحلة الابتدائية، وحين أراد أن يُكمِل، ليحصلَ على شهادة المرحلة الابتدائية، أخرجه جدي من المدرسة... توسَّط لوالدي كبار الشخصيات في مدينة إدلب، حتى يأذن له في إكمال دراسته الابتدائية، ولكنه رفض قائلاً لهم: أيريد أن بكمِّل ليصبح موظفاً ؟! فليطحن بدل ذلك الذهب عندي، يقول الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ كانت الجباب (الآبار) تمتلئ زيتاً، وكانت أكياس القنَّب تمتلئ ليرات ذهبية عثمانية.

 لكن أين كل ذلك؟ كله أنفقه جدي بذخاً وسرفاً وهدايا وولائم، تزوج تسع نسوة، وأنجب قرابة أربعين ولداً، ولم يُعلِّم ولداً لا في مدرسة، ولا في جامعة، ولا في مهنة، ولا في حرفة!! ثم أضاع كل شيء ! وفرَّط في كل شيء! وقد قيل: (مَن أخذ البلاد بلا حرب هان عليه تسليم البلاد).

 

عمي الدكتور محمد نزار البطل


 أما عمي الدكتور محمد نزار البطل، طبيب العيون في مدينة حلب ـ شفاه الله وعافاه، وجبر مصابه في ولديه وصهريه [استشهد ولداه في بغداد في مواجهة القوات الأمريكية، أما صهره ابن السقا فقد أعدمه نظام الطاغوت في دمشق].، فأنا أكبر منه بسنة، وقد كان عصامياً طموحاً، يعيش معي في غرفة صغيرة في جامع النقشبندي،(حي السويقة ـ دمشق)، ويقول لي ـ حفظه الله تعالى ـ: نحن الآن ننفق في الشهر /15/ ليرة سورية وتزيد، ماذا سأفعل غداً حين أصبح طبيباً ويصبح راتبي في الشهر /300/ ل. س ؟!!

سبحانه وتعالى مغيِّر الأحوال ومقلِّب الأيام؟!.

 الفضل بعد الله يعود إلى أخيه عمي رضا ـ رحمه الله تعالى ـ الذي كان يعمل في سلك الشرطة، وكان أشد ما يكون ألماً لعدم دراسته ودراسة أخيه، فدرَّسه على نفقته في كلية الطب ـ جزاه الله خيراً ـ.

 

التتمة في الحلقة الثانية، وتبدأ بذكر مراتع الطفولة..