استعدّوا لما هو آت

 

كثيرون منّا لا يدركون ما حجبَه الزمن أو غطّاه الغيب، لذلك تراهم يَزهدون بما في الآخرة من نعيم عظيم ويستخفّون بما فيها من عذاب مُقيم. لماذا؟ لأن ذلك كله محجوب بالغيب ومفصول عنهم بالزمن الطويل.

 

لكنّ المستقبل يأتي دائماً. قبل قليل بدأ رمضان، وها هو ذا يقترب من الرحيل. انظر إلى رمضان الماضي والذي قبله وقبله وفكّرْ: أما ترى كم هي قريبٌ بعضُها من بعض؟ أما كنا كلنا قبل بضع سنين صغاراً نلعب مع اللاعبين ونلهو مع اللاهين، ثم صرنا اليومَ إلى ما صرنا إليه؟ ما أسرعَ ما مضت السنون!

 

يا أيها المسلمون: تأمّلوا كيف تُطوَى أيامُ الحياة، وثقوا أن الآتي غيرُ بعيد.

 

*   *   *

 

لو قيل للطالب: غداً تقف بين يدي عميد الكلية فيسألك ليحكم: أتستحق شهادة الدكتوراه أم لا تستحق؟ أو قيل للموظف: غداً تقابل المدير العام فيسألك ليقرر: هل يرفّعك ويرقّيك ويضاعف راتبك أو لا يفعل؟ لو علم هذا وعلم هذا أنه مقبل في غَدِهِ على لقاء سيقرر مصيرَه في هذه الدنيا لَبَدأ بالاستعداد لذلك اللقاء منذ اللحظة، فماذا نقول فيمَن يُمضي الأيام لاهياً ناسياً غارقاً في المظالم والذنوب، وهو سيقف عمّا قريب بين يدي ملك الملوك فيسأله ويحاسبه ثم يقرر مصيره الأبدي: إلى جنة الرحمة أو إلى نار العذاب؟

 

يا أيها المسلمون: استعدّوا لذلك اليوم القريب، ليس بالصلاة والصيام وظاهر العبادات فحسب (ولن ينجو امرؤ فرّط فيها، إلا أن يشاء الله) وإنما أيضاً بتسوية حقوق العباد المادية والمعنوية والإحسان إلى الناس. بادروا اليوم بأداء الحقوق ورَدّ المظالم، أو انتظروا قضاءها يوم القيامة؛ في ذلك اليوم ستوفّونها من حسناتكم، لن توفوها بدرهم ولا بدينار، يومها يَودّ المرء لو افتدى مَظلمةً واحدة بكل ما مَلَكه في هذه الدنيا الفانية من مال وجاه وسلطان، وهيهات!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين