إذا لم تستحِ (فقل) ما شئت

عجيب أمر الديمقراطية الأمريكية الحريصة على الحريات وحقوق الإنسان. فها هو الرئيس الأمريكي بايدن (يعترف) بما حلَّ بالأرمن في تركيا عام 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى، لا ليوجه اللوم لأحد وإنما ليضمن عدم تكرار الأمر.

ما هذه الإنسانية الرائعة الحريصة على حياة الناس الضعفاء. إنسانية تذكرني بقول لشيخ قبيلة قبل الإسلام كانت قبيلته تتمتع بقوة ومنَعَة، وبالتالي كانت تملك فرض المفاهيم والمصطلحات، لأن منطق القوي قوي ومنطق الضعيف ضعيف.

هذا الشيخ الذي يتمتع بمنطق القوة سئل: ما العدلُ عندكم؟ قال: أن أسطوَ على غنم جاري فآخذها. فقيل: إذا كان هذا العدل، فما الظلم عندكم؟ قال: أن يأتي جاري ويطالب بغنمه.

نعم هذا هو المنطق الذي يتكلم به مستر بايدن، الذي لن يختلف عن سابقه، ولا سابق سابقه، وصولا إلى النباش الأول عندهم، لأن الجميع ينطلقون من منطق العداء للإسلام وقيمه، وبالنسبة إليهم قد يرتقي قتلنا عندهم إلى مرتبة العبادة.

شفقة بايدن على الضعفاء من البشر لم نرها تحرك ساكنا أمام الأهوال التي تحدث في فلسطين منذ أن وقعت بلادنا تحت احتلالهم الديمقراطي، فأتوا بالضعفاء المساكين وأسكنوهم في فلسطين، مستخلصين إياها من أيدي الجبارين المتكبرين (!).

من يومها والمجازر لا تتوقف بحق الشعب الفلسطيني، فمن النكبة حتى اليوم أكثر من مئة ألف شهيد لم يحركوا النخوة والشفقة عند مستر بايدن الداعم المطلق لهذا الكيان المجرم.

ولا أدري ما هي المبررات التي سوف يذكرها مستر بايدن إذا ما انتقل الكلام إلى العراق الذي اجتاحته الديمقراطية الأمريكية مخلفة أكثر من 200 ألف قتيل بحسب إحصاء سنة 2017م.

أما في سوريا، هذا البلد الذي تآمر عليه القريب قبل البعيد، وحددت فيه أمريكا ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي رسم خرائطه مرجعهم في التنظير برنار لويس اليهودي الأشكنازي، والذي كلفت خرائطه الجديدة حتى اليوم (400.000) قتيل ، هذا عدا ملايين المشردين، والمهاجرين، والمناطق الواسعة التي دمرت، إلخ.. فلا بد أن هذا الثمن من الدماء والدمار لا بد منه لأجل نشر الديمقراطية.

وهذا الإجرام ليس بجديد على من يحمل سياسات استعمارية، فنحن لا ننسى أن استعمار فرنسا للجزائر حصد مليون ونصف المليون شهيد، ورأينا صورا من الإجرام والبشاعة يندى لها جبين الحجر قبل البشر.

هذا كله مقبول ومبرر لأن أصحابه حملة مشعل الديمقراطية والتنوير والمساواة الخ ...

طبعا ولا ننسى مجازر صبرا وشاتيلا، ومجزرة قانا. .. و .. و .. والسلسلة تطول.

فمن الواضح أن هذه أثمان لا بد لها لأجل أن تسود الديمقراطية العالم، فصاحب قوة المنطق يرى لنفسه الحق أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء تحقيقا لمصالحه ولو أدى الأمر إلى محو نصف البشرية.

ولكن لا يحق لتركيا، مثلا، أثناء الحرب العالمية الأولى أن تحمي أرضها وناسها ممن تعاونوا مع الروس والألمان ضد بلدهم، فالأرمن الذي قتلوا في أحداث 1915 لم يقتلوا على يد الجيش التركي وإنما على يد المواطنين من الأكراد والأتراك الذين ردوا لهم الصاع صاعين بسبب المجازر التي ارتكبوها هم في حقهم بعيد انسحاب الروس من شرق الأناضول.

والعجيب في الأمر أكثر أن الكونغرس الأمريكي أرسل سنة 1919 بعثة لتقصي الحقائق في موضوع المجازر الأرمنية المزعومة، وتكونت من ضابطين هما: إموري نايلز وأرثر سازرلاند، وكان همهما الأول إثبات المزاعم الأرمنية، كما ذكروا في تقريرهم، فدخلوا الأناضول وشاهدوا بأعينهم كيف أن الأرمن، أثناء الاحتلال الروسي للمدينة، دمروا كل الأحياء العائدة للأكراد المسلمين، ولم يبق قائما إلا حي الأرمن. يقولان في تقريرهما: "في بادئ الأمر لم نصدق هذه الأقاصيص، لكننا صدقناها في نهاية المطاف، إذ كانت الشهادات متطابقة، ومدعمة بأدلة ملموسة. فعلى سبيل المثال: إن الأحياء الوحيدة التي بقيت على حالها في مدينتي بيتليس ووان كانت أحياء الأرمن، وبدا ذلك جليا نظرا إلى حال الكنائس والكتابات والأسماء المنقوشة على جدران المنازل وأبوابها، في حين دُمرت أحياء المسلمين بالكامل. كانت القرى المنسوبة إلى الأرمن على حالها، فيما غرقت قرى المسلمين في ظلمة الدمار".

أسوق هذا الكلام للمستر بايدن لا لأنفي ما حصل في الأناضول، ولكن لأنعش ذاكرته الديمقراطية قليلا، فلعله يحظى بصحوة ضمير أراها بعيدة كل البعد. فالمصالح عندهم قبل حتى شعوبهم، وما دفعته أمريكا من دماء خيرة شبابها في حروبها مع فيتنام وكوريا يدل على أن حكام (الحلم الأمريكي) لا يتمتعون بأدنى إنسانية..

فيا أيها الأرمن لا تجعلوا من أنفسكم (محرقة جديدة) يبتز بها الصهاينة المسيحيون تركيا، كما ابتزوا بها ألمانيا، ولا ترضوا أن يتاجر هؤلاء المجرمون بقضيتكم. والحل هو أن يعاد نشر الوثائق المتعلقة بتلك الفترة ليتم تحديد المسؤوليات وحجم التضحيات..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين