أيُّ الجزاءِ يفي بما لك من يدٍ؟

أيُّ الجزاءِ يفي بما لك من يدٍ؟

صهيب بن خيال

كثيرة هي أيادي الخير التي امتدّت لنا في هذه الحياة، منها ما كان تفريجًا لكربة، أو شهامةً في غُربة، أو مواقف لا تنسى.

لكن أعظم الأيادي تلك التي أرشدتنا إلى الله ودلّتنا على طريقه، وبيّنت لنا معنى الإسلام الحق والإيمان الخالص.

تلك اليدُ-بالنسبة لي ولكثيرين من الشباب بله والعلماء وطلبة العلم الكبار- كانت هي يد الإمام القرضاوي، فهو الذي نشأتُ على كتبه ورسائله وبرامجه، فأرشدنا في كليات الدين وجزئياته، ورسم لكثيرين ذلك الخط الوسط الذي لا يشُطُّ به الغلو، ولا تنحرف به الميوعة.

وكم كنت أتجادل مع كثيرين حول أهل الفضل من العلماء والمصلحين المعاصرين فما كنت أرى أحدًا منهم أجدر بالتقديم عليه، فهو الذي ملك أدوات الإقناع، وتمكّن من وسائل التأصيل؛ فكانت كتبه مرشدةً للعامة والخاصة، وموجّهةً للمتخصصين وغيرهم، ومُقنعة لعقل المثقّف المسلم، ومُرضيةً لنهم الفقيه، ومُبهرةً لنفس العامّة.

لقد كان القرضاوي فوق كل ذلك قدوةً عملية، فلم يكن يرضى بالتنظير من برج عاجي، ولم يكُ يقِفُ عند حدود القيادة عن بعد، بل كان قدوةً عملية وقيادةً تتقدَّمُ الصفوف، وتصنعُ المواقف.

وإن تعجب فعجبك من قبول ناله من كل التوجهات التي تركَ عندها بصمةً بعلمه الذي لم يستطع أعدا أعدائه أن ينكره، ولكنهم مع الإقرار له بالعلم، يستنكرون مواقفه التي لم يتحيّز فيها لأحد على حساب أحد تعصُّبًا وإنما كانت بوصلتُه فيها الحق، ونظرته فيها الأمة ومصلحتها؛ لذا كان ذا سياسةٍ حكيمة وحركة محسوبة ومواقف شجاعة.

فمتى رأى مصلحة الأمة في السياسة والنُّصح للحكام والظلمة بل وزيارتهم لتخفيف ألم سجين أو استنقاذ محكوم أو كبح جماح ظالِم أو نُصرة قضيّة مُقدَّسة لم يتردد كأنّه عبد الله بن حُذافة، ومتى كانت المُفاصلة الحادّة والقول الفصل والمجاهدة الصريحة هي الأجدى قصدها دونما خوف، ولجأ إليها دون وجل، فيعقدُ مواجهة مباشرة مع العلمانية، ويحذر الأمة من الحلول المستوردة، وهو في كل ذلك لا يشغل نفسه بجدليات السياسة ومماحكات أطرافها، بل هو ابنُ القضايا الكبرى، وقائد المنعطفات العظمى، فشُغْله فلسطين وقبلته الأقصى، وهمُّه نهضة الأمة واجتماع كلمتها، وسبيله إلى ذلك إصلاح الفكر ، وتجديد الفقه وتيسيره، وترشيد الصحوة وتقويمها، ومنهجه في ذلك العلم الذي يجمع به بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية، ويسعى به إلى تصويف السلفيّة وتسليف الصوفيّة؛ ليصل بذلك إلى معالم الوسطيَّة المنشودة.!

رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا خير الجزاء

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين