أمة لن تبيد - بشائر الفجر الجديد  في الأفق البعيد

أعتزُّ بأني من أُمَّة قد استعصت على الاستعباد طويلاً... واسْتمسكت بأعنَّة الانقياد لا تفلتها أبداً ، إلا لربِّ العالمين ... ولا تُطلقها إلا بين يدي منهاج قويم

 وقد لقيت ـ هذه الأمة ـ من صنوف الكيد الكُبَّار ما لم تلقه أمة من الأمم ، واجتمع عليها لفيف المتآمرين يدبِّرون دمارها، ويخفرون ذمارها، ويخفضون عزيزها ، ويهدمون تليدها ، ويسرقون كنوزها ، مكراً بليل ونهار . وكيداً بجهر واستتار ، لكنَّها مع كل ما كان،  بقيت ،وستبقى عزيزة ، قويَّة ، لا يُهدم جانبها ، ولا يُداس كاعبها ، ولا تُزيَّف شريعتها، مهما تقدَّم الزمان أو غبر ، ومهما طغى الباطل وفَجَر .

       لكن تقاعسنا عن النهضة بواجب أمتنا يوهم البعض ويُرجف في قلبه أنها سترضخ لطَوْق جلاديها ، وكأنَّهم يتلذَّذون ذلَّ الأسر، ويتعشَّقون ظلم القهر.

       ويفرحون بالقيد يحطم إرادة الأعزة.

 صحيح أننا قد ارتضينا الهوان زمناً، وارتضع البعض الخسَّة لبناً، حتى لبس أبناؤنا ما لم تخطه لهم إبرتنا ،وأكلت أفواههم ما لم تطبخه لهم قدورنا ، وما لم يكن يوماً من زادنا ، وما لم تصنعه لهم أيادينا .

 ولم نعد نصنع شيئاً لحاضر الحياة ولا لمستقبل الأجيال.

       طعامهم من المطاعم الجاهزة ، شرابهم من المعلبات المثلجة، لباسهم قد حِيكَ بيد عدوٍّ لدود يبطن البغضاء ، ويظهر التأفُّف منا ، بينما يظهرون له التزلُّف والرجاء.

 وانسلخت أجيال عن عزَّتها ، تبيع العزَّة بالذل ، وتضيع الكرامة بالمهانة.

       فما اللغة ـ لغتهم ـ إلا أحاجي وألغاز .

       وما التاريخ ـ تاريخ أمتهم ـ إلا طلاسم مبهمات .

       وما الأمة في معناها إلا قدر يتمنون الخلاص من همه ، ويحلمون بالانفلات من أسره.

       وما كنوز الأجداد ... إلا بضائع تباع في المزاد بأبخس الأثمان ولا من مُشْترٍ ... ولا من يزيد.

       وانتكست أشرعت السَّفين بيد الأبناء يغمد السكين ، وانقلبت الدنيا بين أيد المهرجين ... فالنساء مُسْترجلات ، وأشباه الرجال متخنثين .

       ودارت دورة الزمان ... يوم لك ويوم عليك...

       وأيام أُمَّتنا قد ادلهمَّ ليلها واسْوَدّ جانبه...

       وبدا لنا الفجر تلوح بشائره خيطاً بعيداً في الأُفق البعيد ، يحمل البشرى بفجر جديد ، ويستحثُّ تسابيح النور يتلوها الضياء ، مُودِّعاً كل أراجيف الليل البهيم ، وكل مراهنات الأدعياء. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين