أفكر بالانتحار! ما نصيحتكم

نص الاستشارة :

السؤال الأول كيف أصبح سعيدة وأتلذذ بطاعة الله عز وجل ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟ جميع البشر لديهم أحلام وأهداف أما أنا فليس لدي أهداف أشعر بأن حياتي لا شيء وأنها بلا قيمة لدي كأنني جسد بلا روح، دائما اشعر بأنني وحيدة ليس لدي احد يهتم بي حيث إن الجميع مشغولون عني ولا أحد يشعر بما أعانيه.. دائما تأتيني المصائب والمشكلات حاولت الانتحار عدة مرات ولكنني لم أستطع إلا أنني كنت خائفة جدا من الموت، اريد ان اكون سعيدة وأن تكون ابتسامتي معي دائما ولا تفارقني..

أنا تاركة صلاة واعصي والدي ولا اصوم ولا قرأ القران كل ما افعله هو النوم والأكل لقد قمت بفعل كثير من الأشياء الفظيعة في حياتي، وفي يوم من الايام دخلت على موقع رأيت فيه أن الأشخاص الذين يحافظون على صلاتهم ويقرأون القران الكريم هم أسعد الناس لقد استغربت كثيراً !! لقد مللت من بحر الأحزان الذي أعيش فيه..

السؤال الثاني: كيف أتوب الى الله توبة صادقة ولا أرجع للمعصية مرة اخرى؟ حاولت كثيراً أن أتوب إلى الله ولكنني دائما ما أفشل وأرجع للمعصية مرة أخرى..

حياتي تدمرت، أنا لا أريد الدخول إلى النار، أرجو ان تجيبوا على أسئلتي بأسرع وقت وشكرا لكم..

الاجابة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:

إن الحياة بلحظاتها نعمة عظيمة وهبها الله للمسلم ليزداد فيها من أعمال الخير والبر، ويدخر ما يستطيع ويتزود لليوم الآخر، وهذه الأعمال الصالحة جعلها الله سببا لسعادته وراحته في الدنيا قبل الآخرة، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد]؛ فإن القلوب لا تطمئن إلا بذكر الله٬ و هذه هي الفطرة٬ فالإنسان قبل أن يصطلح مع الله وقبل أن يعرف الله فهو في ضياع٬ كأنه فاقد شيئاً عظيماً٬ لا يدري ما هو٬ فإذا وصل إلى الله وذكره اطمأن قلبه، والطمأنينة قد فقدها الكثير في زماننا، وهي لا تقدر بثمن.

وبالمقابل فإن العاصي لله، المعرض عن أحكام الدين يعيش حياة التعاسة والشقاء، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)) سورة طه.

وهذه الأسئلة هي بداية خير إن شاء الله، بما تشعرين به من تأنيب الضمير تجاه تقصيرك مع الله تعالى، ولا بد هنا أن تكوني على ثقة بالله بأنه سيشرح صدرك للخير إن صدقت في ذلك، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة الشورى. وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} سورة التوبة.

فالبداية أن تصلحي فيما بينك وبين الله، وأن تجلسي جلسة صلح بينك وبين نفسك، وتعاهدي الله تعالى على طاعته والالتزام بأوامره قدر استطاعتك. فإن أصلحت فيما بينك وبين الله فإن الله تعالى سيصلح ما بينك وبين الناس، وستزول عنك هذه المشاكل والأكدار، فكلها بسبب المعاصي والغفلات ومن وساوس الشيطان.

واحذري ثم احذري من الأفكار السلبية مثل الانتحار، فهو كبيرة من كبائر الذنوب، واستعيني على ذلك بالصلاة، والصبر، وذكر الله دوما، والدعاء إليه بأن يشرح يصدرك، وينور قلبك بالإيمان، والإكثار من الصحبة الصالحة فإنها خير معين لك بعد الله تعالى على فعل الخير والإكثار منه، وواظبي دوما على الدعاء والتضرع إلى الله تعالى والطلب منه أن يهديك ويشرح صدرك، فعندما يفتح الله لك باب الدعاء فلا شك أنه سيفتح لك باب العطاء، وعطاء الله وفضله وكرمه بلا حدود.. واحرصي على ملء وقتك بأي عمل نافع مفيد، لأن النفس إن لم تشغلها بما ينفعها شغلتك بما يضر، كذلك ممارسة العادات الصحية دوماً من الرياضة كالمشي وغير ذلك.

أما طريقة التوبة الصادقة: فهي تبدأ بعزم النية على اجتناب المعاصي، وفعل الطاعات، وأن تعاهدي الله على ذلك، ويسن للتائب صلاة ركعتين، والاستغفار بأي لفظ، مثلا: (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)، روى الإمام أحمد وغيره عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له. ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}.

وحذار أن يأتيك الشيطان فيقول لك أنت أذنبت مرة أخرى فلا فائدة من التوبة!، فإن هذه حيلة شيطانية ليقطع عنك عمل الخير، ويسهل لك طريق الشر!..

أليس كلما اتسخت ملابسنا وأغراضنا نقوم بغسلها كل مرة؟ وهكذا نحن نقوم بغسل قلوبنا ونفوسنا مما يعلق بها من أدران المعاصي والغفلات والشهوات،عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه سلم - "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم" رواه مسلم.

قال الله تعالى متحببا إلى عباده الذين تجاوزا الحد في المعاصي: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)) قال أحد السلف: هذا خطابه سبحانه لمن عصاه، فكيف بخطابه لمن أطاعه!. فرحمة الله واسعة لا يحدها حد، ولا يدركها عبد، فهو الكريم، الغفور الرحيم، القريب، المجيب، الودود.

وفقك الله لكل خير، وصرف عنك كل شر، ويسر لك سبل الطاعة، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

لجنة الفتوى

رابطة العلماء السوريين

26 – 5 - 1436


التعليقات