أبو النصر جاي النصر...الشهيد عمار الخن الميداني

 

د. أحمد الفاضل
 
أغنية وأنشودة رائعة كان يرددها عمار الشهيد..أما أبو النصر المنادى,فهو طالب علم وحافظ للقرآن الكريم وذو همة محلقة في طلب الزيادة في العلوم العربية والشرعية،تبشر بمستقبل مشرق له بإذنه تعالى.
 كان الشهيد كلما رآه يتلقاه بهذه الكلمات,فهي تحيته بعد السلام.
 
   وكان من سعادته أنه يلحنها تلحيناً وينغمها تنغيماً وكأنّ كل حرف منها أغنية وحده ..
    وما أُراه كان يفعل هذا الفعل إلا رداً على اليائسين والمتخاذلين والمخذّلين والمنتَعَلين،ويقيناً بأن نصر الله تعالى متحقق لعباده المؤمنين المجاهدين..
 
   هذا الشهيد كان يستبشر ببشارتين:الشهادة والنصر,وقد أكرمه الله تعالى،ففاز بالأولى وما أعظمها وما أجلها وما أسعد من يُعطاها..ولا ريب أن الذي أكرمه بها لن يخيب رجاءه ودعاءه بالثانية,فهو يرجو الله وكأنه يرى ما الله فاعل وراجي الله لا يخيب ولا يندم..جاي النصر..جاي النصر...
 
   يا أيها الناس! يا أيها العقلاء! يا أيها الأغبياء!..أيعقل أن هذا الشاب له مآرب وأطماع دنيوية يجود بنفسه من أجلها ؟! هو أقرب للفطرة منه للفكرة..رأى ما حلّ بأهله وإخوانه من قتل وظلم وتشريد وانتهاك لأعراض المؤمنات فتحركت الفطرة الإيمانية والإنسانية في فؤاده الملتاع فامتشق السلاح ليذود عن دينه وعرضه..أيريد نعال النظام من هذا الشاب المؤمن بفطرته أن يُميت الصبغة التي صبغها الله عليها؟! يا فقهاء السلطان ويا عار الزمان:إن انطفأت جذوة الإيمان في قلوبكم وماتت النخوة والكرامة في صدوركم,فإن شباب أمة محمد مازالوا على فطرهم وإن قصروا وإن زلت بهم الأقدام في يوم من الأيام..
 
   قد فهمتم من أحاديث خير الأنام عن فضائل الشام أنها الخضوع والذل والاستكانة والهوان لمجرم الزمان..وكل ذلك باسم الحكمة! الرضا بالمهانة حكمة..والرضا بانتهاك شعائر الله حكمة..الرضا بالاعتداء على العرض حكمة..الرضا بالدوس بالنعال حكمة..الرضا بالبصق في الوجوه حكمة..!! هذا ما فهموه من هذه الأحاديث..
 
   أحاديث الفضائل يا من ملأت شدقيك فيها بمنأى عما تدعي إذ حاشا لسيدنا الرسول أن يقر المعنى الذي تقول..وهل يرضى لأمته العار والشنار,وهل يرضى لها الذل و الانكسار لغير العزيز الجبار..
 
   أحاديث الفضائل يا أيها المتخاذل تريد المكان والمكين معاً,فكما بورك بالمكان بورك بالإنسان..لذلك رأينا عجباً من فتيان سورية الشام وشبابها فبينا هم في لهو ولعب وانصراف إلى الدنيا وشهواتها,إذا هم في ساحات الوغى,فأصلحهم الله في يوم وليلة..فهم فرسان النهار رهبان الليل..هذا معنى من معاني فضائل الشام وبركتها وخيريتها..فأين هذا المعنى من ذاك؟!..
 
   وعمار الشهيد من هؤلاء الذين أضحوا من عشاق الآخرة والشهادة في سويعات من ليل أو نهار بقدرة العزيز الغفار مقلب الليل والنهار..كان مواظباً على صلاة الجماعة لا تفوته إلا قهراً..وكان من المتهجدين في الليل والمستغفرين بالأسحار..
 
   حدثنا من كان ينادي أبو النصر جاي النصر قال:كان مرة جالسين في الليل نتسامر وفجأة تنحى عمار عنا وأخذ زاوية ثم شرع في الصلاة والدعاء والبكاء..
 
   يا رب يا فاطر الأرض والسماء أي فتيان وشباب هؤلاء..؟! ما الذي أوقدته في قلوبهم؟! ما الذي أيقظته في عقولهم؟! ما الذي قذفته في صدورهم؟! أي معان يعيشونها الآن؟! أي إيمان يسعدون به؟! أي حب لك ولدينك يتغنون به ويهيمون فيه؟! أهم حواري الأنبياء؟! أهم أصحاب نبيك لكن تأخرت ولادتهم فصاحبوا رسولك في عالم الغيب والبرزخ؟! أم ماذا هم..؟!
 
   يا سماء يا أرض يا جبال يا أنهار أيها الكون يا أيها الطير أوبي ورددي أغنيات الشهداء والمجاهدين فوق الغصون و على ضفاف الجداول وبين الأزاهير والياسمين و العرار..غني لهم لتحظي بنفحة من إيمانهم من حبهم ومن سعادتهم ومن فرحهم..غني مع عمار:أبو النصر..جاي النصر..جاي النصر....