العلامة الشيخ محمد نجيب خياطة فَرَضِيُّ بلاد الشام ومقرؤها

 

شيخ جليل نحسبه من أهل الجنة إن شاء الله

فاحت رائحة المسك من فمه بعد موته...

رحمه الله تعالى

 

نسبه ونشأته:

هو محمد نجيب بن محمد بن محمد بن عمر خياطة الشهير بآلا ـ بتفخيم المد الأول ـ ، ولد في حي الجَلُّوم بمدينة حلب، في شهر رمضان المبارك عام 1321 هـ، الموافق لعام 1905م.

لم يكن والده عالماً لكنه كان يحب العلماء، ويحضر دروسهم ومجالسهم فورث الابن من أبيه هذه المحبة.

طلبه العلم:

التحق رحمه الله تعالى بالمدرسة الخسروية بحلب، التي عُرفت فيما بعد بالثانوية الشرعية، وأخذ العلوم المتنوعة عن أساتذة وشيوخ كبار عظماء ثقات صالحين في مدينة حلب وفي غيرها رحمهم الله تعالى جميعاً، منهم: الأستاذ الكبير الرباني الشيخ إبراهيم السلقيني ـ الجد ـ شيخ المدرسة الخسروية بحلب وقتئذ، والأستاذ الشيخ أحمد المكتبي شيخ المدرسة الدليواتية بحلب وقتئذ، والأستاذ الفقيه الحنفي المحقق الشيخ أحمد الزرقاء شيخ المدرسة الشعبانية بحلب وقتئذ، والشيخ سعيد الإدلبي، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ أحمد الكردي أمين الفتوى بحلب، والأستاذ الجليل الشيخ العلامة الواعظ نجيب سراج الدين، والشيخ أسعد العبجي مفتي الشافعية بحلب وقتئذ، كما أخذ علم الفرائض على غير واحد من الفرضيين كالشيخ عبد الله المعطي فريد عصره في هذا العلم، وغير هؤلاء الفضلاء الكرام.

تخصصه في علم القراءات:

اتجه الشيخ رحمه الله إلى التخصص في علم القراءات الذي اشتُهر به لاحقاً في بلاد الشام، حتى غدا فيه مسندَ عصره، ثقة يشار إليه بالبنان، ضابطاً له، محققاً لمسائله. 

فأخذ علم القراءات السبع من طريق الشاطبية، ثم القراءات الثلاث المتممة للعشر من طريق الدرة على الشيخ الفاضل المعروف لدى الخاصة والعامة الشيخ أحمد حامد التيجي، المصري مولداً، المكي إقامة ووفاة ـ رحمه الله تعالى ـ وأجازه بذلك.

ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى " عربين " قرية من قرى غوطة دمشق في عام 1356 هـ، فأخذ القراءات العشر من طريق طيبة النشر عن العلامة الشيخ عبد القادر قويدر حمدية ـ رحمه الله تعالى ـ وأجازه بها، وقد صادق على هذه الإجازة شيخ مشايخ القراء والإقراء في وقته بدمشق الشيخ عبد الله المنجد ـ رحمه الله تعالى ـ أستاذ الشيخ عبد القادر المذكور آنفاً.

وكان من أشهر تلامذة الشيخ نجيب رحمه الله في القراءات العشر الشيخ الفاضل الصالح / كُلال طحان / إمام مسجد الكواكبي في حي الجلوم رحمه الله تعالى.

اهتمامه وسعة اطلاعه في علم المواريث والتجويد:

اهتم رحمه الله في دراسة علم المواريث حتى برع فيه وأصبح مرجعاً معتمداً، يرجع إليه في حلِّ ما أشكل من مسائله وقضاياه الشائكة. كما أنه كان رحمه الله ممن يرجع إليه في علم التجويد؛ لإجادته له وإتقانه إياه، ومعرفته بخفاياه الدقيقة وأحكامه العويصة، إضافة إلى ذلك كانت له مشاركة في علم الفقه واللغة العربية وآدابها والتصوف الحق.

إجازاته العلمية:

حصل رحمه الله على إجازات علمية عديدة من مشاهير العلماء والمشايخ في سورية وخارجها ـ رحمهم الله تعالى ـ فقد أجازه علامة حلب ومؤرخها الأستاذ الشهير الشيخ راغب الطباخ في كتابه مختصر الأثبات الجلية.

وأجيز بالحديث المسلسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل يوم عاشوراء من الأستاذ الجليل العلامة الشيخ عيسى البيانوني.

كما أجيز من الأستاذ المجاهد الكبير الشيخ محمد زين العابدين إجازة عامة.

كما أجيز من السيد الشيخ علوي المالكي برواية كتب الصحاح الستة وغيرها من كتب الحديث.

تدريسه وتعليمه وأخلاقه رحمه الله:

تفرغ رحمه الله تعالى إلى تعليم العلوم العربية والشرعية إلى جانب تعليم القرآن، والتجويد، والقراءات، والفرائض، في المدرسة الشعبانية وفي الثانوية الشرعية.

كما تولى في وقت مبكر من عام1341 هـ إدارة " مدرسة الحُفَّاظ " بمدينة حلب، التي تخصصت في تخريج القراء والحفاظ في مدينة حلب وأريافها وغيرها من المدن السورية. 

كما تولى إمامة أوقات الصلوات الخمس في الثانوية الشرعية، وكان يؤم فيها أساتذتها الفضلاء من أهل العلم وطلابه ومرتادي المسجد.

ومن أبرز صفاته وأخلاقه رحمه الله أنه كان يغض طرفه في الطريق، مشتغلاً بتلاوة القرآن، وكنا نسمع أن له ثلاث ختمات للقرآن الكريم متقاربة الأزمان: الأولى في صلاة الفرض السرية، والثانية في صلاة الفرض الجهرية، والثالثة في أثناء خروجه من البيت حتى رجوعه إليه.

وكان يشع النور من وجهه، فإذا ابتسم فكأن وجهه قطعة قمر، وكان يسابق من رآه من بعيد بالسلام عليه لا فرق بين كبير وصغير، تحصيلا للأجر والمثوبة.

تلاميذه:

تلقى العلم عنه رحمه الله خلق كثير منهم مشاهير علماء حلب وغيرها، ومن هؤلاء الفضلاء: العم الشيخ عبد الفتاح أبوغدة، والشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ الدكتور إبراهيم السلقيني ـ الحفيد ـ وإخوانه الدكتور عبد الله، والأستاذ أحمد، والدكتور المحدِّث الشيخ محمود الميرة، والدكتور المحدِّث الشيخ محمود الطحان، والفقيه الموسوعي الدكتور محمد رواس قلعجي، والأستاذ المحدِّث الشيخ محمد عوامة، والدكتور الفقيه الداعية الشيخ محمد أبو الفتح البيانوني، والدكتور الفقيه الشيخ عبد الحفيظ قلعجي، وابن العم الموسوعي الخبير المالي في المصارف الإسلامية الدكتور عبد الستار أبو غدة، والأخ الفقيه الدكتور محمد نجيب سراج الدين ـ الحفيد ـ والأخ الداعية الفقيه الشيخ عبد الله المسعود، والأخ الفقيه الشيخ نبيه نجيب سالم، وأخوه الشيخ العالم الأستاذ عبد الله نجيب سالم، وكاتب هذه السطور، وخلق آخرون كثيرون لا يسعفني المقام بتذكرهم هنا، كان لهم أثر كبير في الحياة العلمية والتربوية والمعرفية في بلاد الشام وفي البلاد العربية، بل وفي خارج البلاد العربية.

مؤلفاته:

كان الشيخ رحمه الله عالي الهمة، دؤوباً على المطالعة والتعليقات العلمية على ما يقع تحت يده، كما كان نتاجه كثيراً من المؤلفات، منها ما هو مطبوع، ومنها ما زال مخطوطاً، ومن تلك المؤلفات ما يلي:

1ـ كشف الحجاب شرح هداية المرتاب، منظومة للسخاوي في متشابهات القرآن. مطبوع. 

2ـ الرياض الزاهية شرح السراجية، في علم الفرائض. مطبوع.

3ـ الروضة البهية شرح الرحبية، في الفرائض. مطبوع. 

4ـ تنبيه ذوي الأحلام لما في يوم الجمعة من الفضائل والأحكام، مطبوع.

5ـ سفينة النجاة في مهمات من الصلاة، مطبوع.

6ـ أقرب الوصول إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مطبوع.

7ـ مرشد الإسلام إلى حج بيت الله الحرام، مطبوع.

8ـ المواعظ الجلية في الخطب المنبرية، مخطوط. 

9ـ جمع الإرب في فكاهات العرب، مخطوط.

10ـ طلبة الأريب لغايات الأديب، مخطوط.

11ـ المنحة الإلهية في الفوائد الشرعية، مخطوط.

12ـ التذكرة العلمية في المواضيع المختلفة البهية، مخطوط.

13ـ الدرر الحسان في تجويد القرآن، طبع غير مرة ونفد. 

14ـ خلاصة الجهود في تحرير المدود، طبع غير مرة ونفد. 

15ـ كفاية المريد من علم التجويد، طبع غير مرة ونفد.

16ـ غنية القراء البررة في قراءات القراء العشرة من طريقي الشاطبية والدرة، مخطوط. 

17ـ التبيين والبيان على بدائع البرهان تحريرات الطيبة، مخطوط.

18ـ هداية القراء إلى الطيبة الغراء في القراءات العشر من طريق طيبة النشر، " مخطوط.

وفاته رحمه الله تعالى:

بعد حياة حافلة مليئة بتدريس العلوم العربية والشرعية وعلوم المواريث والقرآن من تجويد وقراءات توفي في يوم السبت الخامس من جمادى الثانية سنة 1387 هـ، الموافق لليوم التاسع من أيلول سبتمبر سنة 1967 م.

ونُقِل عمَّن حضر جنازته: أن رائحة من المسك فاحت من الغرفة التي هو فيها، فلما اقتربوا من جسده ظهر أن الرائحة تفوح من فمه الذي كان يتلو به كتاب الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار..

رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين