الدكتور الأصولي الفقيه الشيخ محمد فوزي فيض الله

تعلقت بهذا العالم المربي تعلقاً كبيراً لكثرة ما كنت أسمع من طلبة العلم الذين درسوا على يديه من ثناء عطر وكريم معشر ، وصرت أبحث عن مؤلفاته فقرأت بعضها منها كتابه "صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة"، وكتابه " المذاهب الفقهية " ، وكتابه " نظرية الضمان في الفقه الإسلامي العام " وغيرها من المقالات الرائعة التي كتبها : فازددت له حباً مع أنني لم ألتق به، ولكن رحم العلم كانت وشيجة قربى ربطتني به ، وروحه المشرقة جذبتني إليه فتآلفت مع روحي فسعدت بروحه وأنواره .

وكانت ليلة سعيدة عندما حصلت على كتاب بعنوان : "محمد فوزي فيض الله: العلامة الفقيه المربي " لمؤلفه الدكتور محمد ياسر القضماني من سلسلة جميلة تصدرها دار القلم بعنوان : " علماء ومفكرون معاصرون: لمحات من حياتهم، وتعريف بمؤلفاتهم" فلم أستطع أن أنام تلك الليلة حتى فرغت من قراءة الكتاب ، وكانت ليلة من أجمل ليالي العمر التي عشتها حينما قرأت ترجمة علمية حافلة عن حياة هذا العالم ، وجهوده العلمية ، وما أكرمه الله تعالى من سجايا وشمائل ، وما حباه من أخلاق ربانية : حتى يخيل لك أنك تقرأ حياة عالم من علماء السلف الصالحين .

وكم ذرفتُ في تلك الليلة من الدموع : عندما نلقنا الدكتور محمد فوزي رحمه الله في عالم روحاني مشحون بالحب والشوق في صورة حية لشيخه العارف الرباني المحب الصادق الشيخ عيسى البيانوني رحمه الله ، بل لشدة تأثري بما كتبه كنت أصطحب معي هذه المقالات الجميلة أقرؤها للأحباب فيهيمون لدى سماعها ويتأثرون تأثراً بالغاً .

تقرأ لهذا العالم الجليل وإذا بك أمام قامة علمية سامقة : عالم في أصول الفقه متمكن ، وفقيه محقق ، ولغوي بليغ ، وأديب عملاق ، فريد في كتاباته بأسلوب أخاذ ممتع ، وروح لطيفة متألقة ، وعزيمة وثابة تتعشق الحق وتثبت عليه ، يتخايل الجمال بأبهى صوره وأنت تقرأ له ، فينطبع في نفسك روعة الترتيب في عرضه للحقائق العلمية ، وقوة الحجة في نقده ، فتخرج في نشوة علمية وراحة قلبية طافية بالجلال والجمال ، والسمو الكمال .

وإذا ما وقفت على شرحه الماتع لحديث النبوي وإذا بك في عالم من عوالم الأدب الرفيع : تدهشك تعابيره الآسرة ، ويحيرك أسلوبه البديع ، وتحريراته الدقيقة ، وتحليقاته الرشيقة ، وكأن ينابيع جوامع الكلم النبوي أنبعت في قلبه المعاني الربانية ، وفجرت من الإرشادات التربوية الفائقة : ففاضت على قلمه بكلمات نورانية سالت كالزلال لتروي طلبة العلم من هذا المنهل العذب .

شهادات صدرت من تلامذته الذين أصبح الكثير منهم من علماء الأمة ودعاتها ، وأساتذتها ومربيها ، وصفوه بصفات بناء على مشاهدات : فوجدوا فيه العالم المربي ، والمتواضع النبيل ، المتفاني في تعليمهم ، والقريب لقلوبهم ، مع المظهر الجميل المتألق ، والوفاء المنقطع النظير لوالديه وشيوخه ، وإخوانه وتلامذته ، أرأيت أروعَ من أن يجعلَ من أسمائهم أرجوزة يتلوها في السحر يذكرهم فيها بالدعاء والرحمات ، حتى أن بعضهم اعترف أن ما يجده من توفيق ومكرمات إنما هي بسبب بركات هذه الدعوات .

لم يأل جهداً في خدمة العلم سواء في دروسه أو مؤلفاته وفي حله وترحاله ، مع الحرص على النظام والوقت ، والتعبد بروح المحب الودود ، والتذلل بإخبات وخشوع فأكسبه كل هذا تألقاً روحياً ونضارة في محياه الجميل .

رحمك الله أيها العالم الجليل الدكتور محمد فوزي فيض الله برحماته الواسعة ، وأفاض عليك من تجلياته وأُنسه ، وأكرمك برفقة الأنبياء والصديقين والعلماء الصالحين والعارفين الربانيين ، وجزاك الله عن العلم والإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وأخلف الله أمة الإسلام خيراً .