زيارة مباركة لفضيلة الأستاذ العلامة الشيخ الدكتور- محمـــــد فوزي فيض الله – رحمه الله

في يوم (11/9/2006م) المبارك، توجهنا من- جامع الأنوار بحلب- بعد أداء صلاة العصر فيه، إلى زيارة أستناذنا الشيخ الدكتور (محمد فوزي فيض الله)، مع كل من الإخوة:
1- الشيخ أحمد مؤذن – المفتش في دائرة الأوقاف .
2- والشيخ محمـد علي حماد – المستشار في دائرة الفتوى، رحمه الله
3- والأخ الحاج عبد الباري طرقجي – المجاز في الشريعة الإسلامية .
4- والأخ الأستاذ سعد الله مصطفى- مدرس التربية الإسلامية.
يصحبنا ويدلنا ولده المهندس عبدالقادر فيض الله – الموظف في مديرية الأوقاف،
والتحق بنا في المجلس الشيخ جمال حوت وولداه عبد الرحمن وبشار. وتمّ اللقاء في روضة غناء في مزرعةٍ للشيخ بظاهر حلب الشهباء،
وكانت الجلسة من ساعات العمر غمرنا فيها – الشيخ وأولاده الكرام – بالكرم المادي واللطف المعنوي.
تجلّى في المزرعة الجمال والكمال، وتبدّى عبق الماضي في بديع تنسيقها، وسحر الحاضر في ترتيبها. وكان اللقاء في رياض المعرفة والعلم، وصفاء التقوى، وأريج الإيمان، وعطر الجنان في أحاديثها.
وصوّح بنا الشيخ وطوّح في الحديث عن الماضي المبارك والحاضر المُعاصَر.
بركة النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه للعلم:
ومن خلال حديثنا مع الشيخ سألناه عن مسيرته العلمية؟
فذكر لنا بتواضع جمّ:
أنّ والدته رأت في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وضع في كفّها شيئاً من ريقه الشريف، وأمرها أن تبتلعه، ففعلتْ.
فقصّتِ الرؤيا على خالها الشيخ سعيد الإدلبي – رحمه الله تعالى- فبشرها أنّ أحد أولادها, سيكون من أهل العلم.
أقول: فكان الشيخ محمد فوزي – رحمه الله – ونفع بعلمه المسلمين.
وأمّا خال والدته الشيخ سعيد الإدلبي فهو شيخُ والدنا ومشايخنا العالم العلامة الفقيه الشافعي النحرير، والولي الصالح الكبير الإمام في التعبير شيخ المدرسة الدليواتية، والمدرس في الجامع الأموي بحلب، والعثمانية والخسروية، كان يقال فيه: من أراد أن ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى وجهه.
مسيرته العلمية المباركة:
1- حفظ الشيخ القرآن الكريم منذ الصغر، وقرأ جزء عمّ وتبارك على الشيخ عمر مسعود مؤذن.
2- وقرأ في الفقه الحنفي كتاب "مراقي الفلاح" على الشيخ محمد اللبابيدي - رحمه الله .
3- وقرأ كتاب (اللباب في شرح الكتاب) على الشيخ أحمد الحجي الكردي الجد مفتي حلب.
4- وقرأ كتاب الدرر في شرح الغرر، على الشيخ مصطفى الزرقا.
وقرأ شيخنا (محمد فوزي فيض الله) العلم في المدرسة الخسروية على ثلة مباركة من العلماء الأجلاء :
1- الشيخ مصطفى الزرقا.
2- الشيخ محمد راغب الطباخ.
3- الشيخ أحمد الحجي الكردي (الجد).
4- الشيخ محمد الناشد .
5- الشيخ أسعد العبجي.
6- الشيخ عبد الله حماد.
7- الشيخ إبراهيم السلقيني (الجـــــد).
7- الشيخ محمد بن إبراهيم السلقيني.
8- الشيخ عيسى البيانوني .
9- الشيخ محمد سعيد الإدلبي.
10- الشيخ محمد زين العابدين.
11- الشيخ محمد الجبريني .
12- الشيخ فيض الله الأيوبي .
وتخرج فيها في عهد مديرها الشيخ محمد راغب الطباخ.
ونهل العلم أيضاً من علماء آخرين أعلام في مساجد حلب من غير المدرسة الخسروية :
1- الشيخ محمد نجيب سراج الدين.
2- الشيخ جميل عقاد.
3- الشيخ أحمد القلاش.
4- الشيخ بكري رجب.
5- الشيخ محمد إبراهيم اللبابيدي، إمام القرناصية.
- وكان يَدْرُس ويذاكر في جامع الحموي القريب من منزله مع فضيلة الشيخ عبد الله سراج الدين؛ سنتين في صيفيتين تفسير النيسابوري فقرآ جزء عمّ وتبارك .
- حفظ الشيخ القرآن الكريم في مسجد الخواجه سعد الله، وهو مسجد تقام فيه الصلوات الجهرية، ويؤم فيه الشيخ عبد الوهاب جذبة.
- والتحق في الأزهر الشريف وكان من الأوائل فيه، وكانت له منحة من الملك فاروق قدرها ثلاثة جنيهات وربع؛ عن كل شهر، كان الشيخ يرصدها لشراء الكتب، وكان والده يرسل له كل شهرين (28) جنيهاً ينفقها على نفسه.
وكان يأخذ (30) علامة زيادة لحفظه القرآن العظيم، في كل عام. وكان الأول على الجميع في كل سنة من سني دراسته الجامعية، وفي الليسانس كان الأول على دفعته (103) طلاب.
- وتخرج في الأزهر الشريف يحمل الإجازة. أما الشيخ عبد الفتاح أبو غدة فكان بعده بسنة، والشيخ محمد علي الصابوني والشيخ عبد الله علوان والشيخ علاء الدين علايا كانوا بعده بسنتين.
- وتقدم إلى الماجستير برسالة (الطلاق الثلاث) مؤيداً فقه المذاهب الأربعة.
- وكان في اللجنة: الشيخ الشافعي الظواهري- وكان محباً للنبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب كرامات عرضت عليه مشيخة الأزهر فأباها، وكان صاحب كرم وجود، والشيخ طه الديناري، وكان المناقشون خمسة أعضاء.
- وكانت رسالته في الدكتوراه: المسؤولية التقصيرية بين الفقه والقانون.
وقال الشيخ: إن أعظم أيام حياتي وأحبها إليّ تلك الأيام التي كنت أكتب فيها رسالة الدكتوراه, أمضيتُ فيها سنتين وشهوراً من الثالثة.
العلماء الأعلام الذين التقى بهم:
وذكر لنا بعض العلماء الأعلام الذين التقى بهم ونهل العلم عنهم في مصر :
1- العلامة الشيخ محمد أبو زهرة.
2- العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري. وكيل مشيخة الإسلام في الدولة العثمانية سابقاً.
3- العلامة الشيخ مصطفى صبري – شيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقاً – زارهما في غرفتهما مع زميله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بالأزهر الشريف، وأبى شيخ الإسلام إلا أن يصلي خلفه المغرب لأنه يحفظ القرآن الكريم.
4- الشيخ محمود شلتوت.
5- السيد العلامة الشيخ محمد الخضر حسين.شيخ الجامع الأزهر.
6- الشيخ حسن مأمون . شيخ الجامع الأزهر.
7- الشيخ مصطفى مجاهد فبعده بسنة.
8- الشيخ محمد علي السايس، وكنت يحفظ تفسيره – آيات الأحكام – عن ظهر قلب، وعلماء آخرون حضر عليهم الشيخ أثناء دراسته في الأزهر الشريف.
شهادته على علماء عصره :
1- الشيخ أسعد عبجي، مفتي الشافعية بحلب :
قال شيخنا الدكتور (محمد فوزي فيض الله): كان يحذرنا من الشيخ جمال الأفغاني ومحمد عبده، وكنتُ في البداية متأثراً بهما أنا والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ثم خفّ هذا التأثر. وانتقلت إلى الشيخ مصطفى الزرقا، حيث قرأنا عليه كتاب (درر الأحكام) من الجلد إلى الجلد.
2- الشيخ محمد زين العابدين: (والد أساتذتنا: محمد أبو الخير، وعبد الرحمن، ونجم الدين).
قال عنه: كان شيخاً أزهرياً هاجر إلى الله ورسوله من بلده أنطاكية، وأحسن استقباله الشيخ راغب الطباخ – رحمه الله، وعينه مدرساً في الخسروية للتفسير، وقرأنا عليه تفسير سورة النور وغيرها.
قال: وكان الشيخ محمد زين العابدين يدرّس في الغرفة الصغيرة التي تلي غرفة الآذن من الجهة الغربية، فسألته عن الشيخ محمد عبده..
فقال: كان يدرسنا البلاغة للشريف الجرجاني... فما أدري أكانت عبارة المصنف أبلغ أم عبارة الشيخ محمد عبده...؟!
3- الشيخ محمد راغب الطباخ :
قال عنه: إنه طيب القلب، وإن الإصلاح الذي قام به في المدرسة الخسروية وتعديل المناهج, إنما كان بتأثير من الشيخين مصطفى الزرقا ومعروف الدواليبي.
قال هذا الكلام: في معرض الاعتذار من الشيخ عبد الله سراج الدين – رحمه الله، وطلب منه حصص تدريس في المدرسة الشعبانية، ولبّى الشيخ عبدالله طلبه.
وأثنى على الشيخ راغب خيراً..
قلتُ: كان حسن الاعتقاد..؟
قال : نعم..، وذكرَ كتابه بالثناء والإعجاب.
قلتُ: إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء..؟
قال: كتاب آخر..
قلتُ: كتاب الثقافة الإسلامية...
قال: هو ذاك.. وتمنّى الشيخ لو حصل عليه أو قرأه..
قلت: الكتاب عندي، والحمد لله.
بركة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله الشريفة:
تتجلى هذه البركة في شفاء الأجسام من الأسقام، وشفاء الأرواح من الأدران، وشفاء النفوس من الكروب والأحزان.
كتاب الشفا وأسراره:
1- ذكر لنا فضيلة الشيخ – رحمه الله:
أن رجلاً حكم عليه بالإعدام فأتى قريبه – ابنُ أخيه الأستاذُ عبدُ الرحمن رأفت الباشا- للشيخ راغب الطباخ, يشكو له أمره. ويقول له: أنا يتيم، وهذا عمي هو كافلي ومقام أبي، وقد حكم عليه بالإعدام, وأودع في سجن خان إستانبول ريثما ينفذ فيه الحكم!..
فقال له الشيخ راغب: كيف اعتقادك..؟
قال الرجل: جيد.
قال : عليك بكتاب الشفا, كلما قرأتَ فيه فصلاً, صليتَ لله ركعتين, وتوسّلتَ, وبكيتَ، ففعل الرجل ذلك. وبعد مدة قصيرة صدر أمر بفسخ حكم الإعدام عليه وإطلاق سراحه.
2- ومن بركاته على شيخنا، قال شيخنا - رحمه الله:
أصبتُ بورم شديد في رجلي وركبتي حتى أصبحت ركبتي بحجم (البطيخة)، ولم أكن أستطيع المشي إلا بعصا..
وبعد أن سمعتُ من الشيخ راغب عجائب أثر- كتاب الشفا - وسرعة بركته, قرأت كتاب الشفا الشريف فخفّ كثير من الورم وتماثلت للشفاء.
قلتُ: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، تأليف القاضي عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي. قاضي سبتة، المتوفى بمرّاكش يوم الجمعة في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وإن أعظم ماخطه يراع القاضي كتاب (الشفا...) الذي تداولته أيادي العلماء من كل أمة درساً وفهماً, فلم يخل منه بيت عالم فاضل، أو زاهد كريم، أو محب على محبته مقيم.
ذكر ابن المقري اليمني الشافعي – رحمه الله: في ديوانه أن كتاب (الشفا...) مما شوهدت بركته, وكان قد ابتليَ بمرض فقرأه فعافاه الله منه, وقال في ذلك:
أرجو الشفاء تفاؤلاً باسم الشفا فحوى الشفاء وأدرك المطلوبا
وبقدر حسن الظنّ ينتفع الفتى لاسيما ظنٌ يصير مجيبا
في جامع الحموي بحلب:
ذكر لنا الشيخ- رحمه الله تعالى- أنه كان يدرس مع شيخنا العلامة عبد الله سراج الدين – رحمه الله تعالى، والعلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، كتاب: الأشباه والنظائر – لابن نجيم الحنفي, وكلٌّ منهم عنده نسخة من الكتاب, أما نسخة الشيخ عبد الفتاح فهي نسخة جيدة مصححة استعارها من مكتبة الأحمدية بحلب.
في المدرسة السباهية:
قرأ فيها مع الشيخ عبد الفتاح أبوغدة على الشيخ إبراهيم السلقيني الكبير( الجد)
شرح الأزهرية في النحو، وكان الشيخ يقرأ لهم الدرس وقد جاوز التسعين وهو صائم،
وكان الشيخ إبراهيم الحفيد وأخوه الشيخ عبد الله يجلسان معهما في الحلقة، وهما في غاية الصغر، ومع ذلك كانا في منتهى الأدب، وكان جلوسهما جلوس بركة وليس علم.
قال رحمه الله: وكان درس الشيخ نصفه في (الأزهرية)، ونصفه خشوع وبكاء وتصوف, وتعليم قيام الليل واعتراف منا بالتقصير في حقوق الله وحقوق أوليائه.
طرائف:
تذاكرنا مع الشيخ – رحمه الله - بشيء من المباسطة المحفوفة بالأدب دقَّتَهُ وشدته في الامتحانات وعدم محاباته لأحد.
وذكَّرْناه بالرحلة التي صحبناه بها إلى (بصرى الشام)، وبحيرة مزيريب عندما كنا طلابا في كلية الشريعة، وكان وكيلا للكلية في جامعة دمشق .
حيث صلينا الجمعة في جامع بصرى الكبير، وصعد شيخنا المنبر، وقبل الخطبة قام الإمام وهو من طلاب الشيخ بتعريف المصلين به، وأنه القائم على كلية الشريعة، وأثنى عليه بما هو له أهل .
وخطب – رحمه الله – الجمعة، ونوّه بهذه البلدة والبقعة المباركة التي وطأتها أقدام النبوة المباركة.
وأسجِّلُ للشيخ- رحمه الله- موقفاً.. وذلك عند ما وصلنا إلى بحيرة مزيريب عصرًا، وكانت هناك رحلات أخرى غيرنا, ليستْ على ما يرام من الأدب والانضباط, وفيها الاختلاط .
رأيت الشيخ تنحى جانباً يذكر الله تعالى، ويرتل آياته، وقد بدا عليه الامتعاض وعدم السرور.
وصايا الشيخ وهباته:
وفي ختام الجلسة أوصانا الشيخ – رحمه الله تعالى، بوصايا قيمة:
1- بحفظ القرآن الكريم ومدارسته وما تيسر من الأحاديث الشريفة.
2- والالتزام بالمذاهب الفقهية – أيّ مذهبٍ – من مذاهب أهل السنة والجماعة، والتبحر من خلاله.
3- وأن نحبّ بعضنا بعضاً, وأن نحبّ الخير للمسلمين.
ويعيننا على ذلك أمران:
أ – طهارة القلب وسلامته.
ب –ونظافة اللسان ونزاهته .
مسكُ الختام:
وطلبنا من الشيخ الإجازة العلمية: فأجازنا بكل ما تصح له إجازته ومروياته من العلم الشريف. وبثبت الشيخ محمد راغب الطباخ.
ثم ختمَ المجلس، بدعاء ضارع مبارك، انتقى فيه دعواتٍ مباركاتٍ؛ كأنهُنَّ الياقوت والمرجان في جمالهن، والدُّر النضيد في صفائهن، والسراجُ الوهاج في إشراقهن، والفتحُ المبين في أسرارهن.
وغادرناهُ قبل العشاء، ونحسب أننا كنا في عالمٍ من الملأ الأعلى .