علامة سوس الشّيخ صالح الإلغي

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين.

وبعد؛ فقد أرسل لي الأخ الفاضل العزيز الدّكتور الشّيخ محمّد بن صالح الإلغيّ - وأنا بمدينة مونبلييه الفرنسيّة - يوم الخميس 24 ذي القعدة 1438هـ الموافق لـ 17 غشت 2017م رسالة يعلمني فيها بوفاة والده العلّامة فنزل علي الخبر كالصّاعقة؛ فرحمه الله تعالى، ورضي عنه، وأسكنه فسيح جنانه، وإنّا لله وإنا إليه راجعون.

وقد كنت زرت الشّيخ صالح الإلغيّ رحمه الله خلال رحلتي إلى سوس، وقرأت عليه ما تيسّر من منظوماته وبعض الكتب الأخرى، ودوّنت ذلك في كتابي "إنعاش النّفوس بذكر من لقيت في رحلتي إلى بني ملّال والسّراغنة ومرّاكش والصّويرة وسوس" وترجمت له؛ فأحببت أن أقتطف ما كتبته هناك؛ فأقول:

اسمه ونسبه وولادته:
هو شيخنا ومجيزنا علاّمة سوس، وأديبها، ونحويّها، وشاعرها، وفرضيّها، الشّيخ سيّدي صالح( ) بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن صالح بن عبد الله بن صالح الإلغيّ الصّالحيّ السّوسيّ، عضو المجلس العلميّ المحلّيّ لإقليم تزنيت، وأستاذ الكراسيّ العلميّة بها.

ولد يوم 14 ربيع الأوّل 1343هـ الموافق لـ 1925م بقرية إلغ بسوس.

دراسته:
أخذ القرآن عن الأستاذ عبد الله بن أحمد الأنامريّ اليعزويّ الطّالبيّ، وهو عمدته بعد أن ابتدأ عند ابن عمّه امْحمّد بن مُحمّد الطّالبيّ، كما أخذه عن محمّد بن الحسن التّدليّ.

ثمّ افتتح العلوم الإسلاميّة على أبي العبّاس أحمد اليزيديّ بالمدرسة الوفقاويّة، كما تلقّى فيها على التّجرمونتيّ نحو سنة، ثمّ أخذ عن والده في مدرسة أيمور مدّة عامين، ثمّ رجع إلى أحمد اليزيديّ في المدرسة الجشتيميّة، وعليه تخرّج.

مجيزوه:
أخبرني ولداه محمّد والمختار أنّه مجاز عامّة من الشّيخ أحمد اليزيديّ، وزاد الأوّل فأخبرني أنّه مجاز أيضًا من والده عبد الله الإلغيّ.

تدريسه وتعليمه:
تقلّد الإمامة والتّدريس بمسجد تاسريرت خلفًا لوالده عام 1365هـ الموافق لـ 1945م إلى 1949م، ثمّ انتقل إلى مدرسة تازموت بسملالة ثلاث سنوات من عام 1370هـ إلى عام 1372هـ الموافق لـ 1950م إلى 1952م، ثمّ صار يعين والده وينوب عنه كثيرًا في المدرسة الإيغشانيّة من عام 1373هـ إلى مفتتح 1378هـ الموافق لـ 1953م إلى 1957م ، ثمّ آوى إلى المدرسة الجشتميّة من عام 1958م إلى 1959م، ثمّ انتقل إلى مدرسة ايكضي من عام 1960م إلى 1963م، ثم رجع إلى المدرسة الإيغشانيّة من عام 1964م إلى 1965م، ثمّ انتقل إلى مدرسة أيمور من عام 1966م إلى 1967م، ثمّ انتقل إلى المدرسة الوكّاكيّة من عام 1968م إلى 1969م، ثمّ انتقل إلى المدرسة الإلغيّة عام 1970م، ثمّ رجع إلى المدرسة الوكّاكيّة وبقي فيها من عام 1971م إلى عام 1974م، ثمّ انتقل إلى مدرسة رسموكة وبقي فيها من عام 1975م إلى عام 1991م، ثمّ انتقل إلى مدرسة سيدي مَحمّد الشّريف بالأخصاص وبقي فيها من عام 1993م إلى 1994م.

ثمّ أصبح أستاذًا في الكراسي العلميّة بتزنيت عام 1995م، كما انتدب للتّدريس في المدرسة الحسنيّة العتيقة بتزنيت من عام 1996م إلى الآن.

مؤلّفاته ومنظوماته وتحقيقاته وحواشيه:
اشتغل المترجَم بالتّأليف منذ عام 1949م؛ فألّف عدّة كتب؛ منها:

1) "إتحاف الجيل في علم الخليل" وهو نظم في العروض مع شرحه.
2) "الحقائق المكلّلة" في النّحو.
3) "الحلل الحريريّة على فاتحة الجزوليّة". وهو شرح على نظمه، الذي نظم به فاتحة أبي موسى الجزوليّ.
4) "الدّرّة الإلغيّة" منظومة في النّحو.
5) "المدرسة الأولى".
6) "المطلع على مسائل المقنع" في التّوقيت، لمحمّد بن سعيد المرغتيّ، تحقيق.
7) "المقنع بتحقيق المطلع".
8) "دليل الفارض ومفتاح الفرائض" في المواريث.
9) "ملخّص البناء في الحروف والأفعال والأسماء" نظم.
10) بذل الصّابون على بذل الماعون.
11) رسالة في بيان أنواع الرّجز المستعملة قديمًا وحديثًا.
12) الشّرح الكبير للشّيخ الأزاريفيّ على المبنيّات الجشتميّة، نشر.
13) شرح مبنيّات أبي موسى الجزوليّ.
14) شرح نظمه "ملخّص في الحروف والأفعال والأسماء".
15) نظم "الرّسموكيّة" في علم العروض، لأحمد بن سليمان الرّسموكيّ، نشر.
16) نظم في عدد الحروف التي هي من أجزاء الكلام في اصطلاح النّحاة المستعملة في كلام العرب.
17) نظم محمّد بن محمّد بن العربي ابن زكري في التّوقيت، نشر.
وغيرها.

ثناء العلامة محمّد المختار السّوسيّ على الشّيخ صالح الإلغيّ:
قال فيه: "هذا أحد أفراد حلبة جديدة إلغيّة، صارت الآن تستوليّ على الرّاية العلميّة في إلغ... وقد جالست وناقشته وجاذبته مباحثات؛ فرأيت من نجابته ما حقّق به أنّه ابن أبيه الفذّ الخنذيذ".

وقال أيضًا: "ثمّ كانت المذاكرات التي لا تنقطع في حضرة والده أكبر مشحّذ لصارمه، حتى صار قاطعًا لا نظير له في حلبته الإلغيّة".

وقال أيضًا: "أخلاقه: شابّ غريب الأطوار بين الشّباب الإلغيّ، فإنّه هيّن ليّن هادئ، منكمش منعزل، لا يكاد يرى في المجتمعات، ولا تراه إلاّ مطرقًا، كأنّ الدّم الإلغيّ الجريء الوثاب المكر المفر لا يجري في شرايينه، ومتى كان في البلد لا يفارق عقر داره، وكان دائمًا يلازم والده بكلّ أدب، ولا يتخطّى إشارته، فاعتكف ببركة إشارته على المطالعة، وفارق غرارة أقرانه، حتّى إنّه صار مضرب الأمثال عند كلّ من يعرف حاله بين لداته، وقد أمره ابوه أن لا يسافر إلى الحواضر، ولذلك لم يرها إلى الآن".

وقال أيضًا: "مقدار غوره: له تحصيل تام، ومشاركة استحق بها أن يكون خير خلف لسلفه الماجد المحصّل، الذي يبتدئ من جدّه محمّد بن عبد الله، ثمّ يتوسّط بوالده إمام هذا الجيل في إلغ وما إليه، وقد شهد له أقرانه بالتّفوّق والاستحضار، حتّى والده فإنّه كثيرًا ما يشيد باستحضاره، ويقول: إنّه يستحضر من المسائل ما لا أستحضره، وها هو ذا اليوم كالتّاج فوق الهامة العلميّة في أهله، حفظه الله للمعارف، ولو كان ثافن وسافر وعاشر، ورأى ما وصله هذا العصر، لكان منه خنذيذ لا يشقّ له غبار، ولكن لا مانع له الآن، إلّا أنّه يتوقّف عند رأي والده برًّا به، وإلّا فإنّه يحبّ كلّ ذلك، ولعلّ الأيّام تأتيه بما يتمنّى، والله يختار لنا وله".

وقال أيضًا: "ولنقنع الآن بهذا القدر من آثار هذا الأستاذ الجليل، وقد رأيناه يزاول التّاليف في فنون شتّى، فلئن زاد قدمًا ليكوننّ غدًا علّامة إلغ الفريد".

أخلاقه وأحواله:
كان الشّيخ - رحمه الله - علّامة مشاركًا في جميع العلوم، خصوصًا النّحو والصّرف والعروض والتّوقيت، متمكّنًا منها،

وكان محبًّا لطلبة العلم؛ ويحبّ مجالستهم، ويكرمهم علمًا وأدبًا ومائدة.

لقاء محمّد حُحُود التّمسمانيّ به:
زرته ببيت صهره الشّيخ عمر بازين يوم الجمعة 7 ربيع الآخر 1438هـ الموافق لـ 6 يناير 2017م، وفرح بي ورحّب، وأهديته كتابي "السّماع والقراءة والإجازة وأهمّيتها في العصور المتقدّمة والمتأخرة" من تأليفي، و"ثبت الشّيخ محمّد سليم توكّلنا على الله الدّمشقيّ" من تحقيقي، وأعجبه الكتاب، وأثنى عليه خيرًا، وأخبرني صهره أنّي بعد ما سافرت كان كلّ يوم يطلب منه أن يقرأ عليه منه، وعهدي به أنّه قريب الختم.

وكنت قرأت على الشّيخ رحمه الله ما تيسّر من الكتب ومنظوماته؛ فقرأت عليه أوّلًا حديث الرّحمة المسلسل بالأوّليّة، وسمعه صهره المذكور، ثمّ قرأت عليه جزء "صفة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -" لمحمّد بن هارون بن شعيب الأنصاريّ، ثمّ نظمه "الدّرّة الإلغيّة في نظم المقدّمة الآجرّوميّة"، ثمّ نظمه في عدد الحروف التي هي من أجزاء الكلام في اصطلاح النّحاة المستعملة في كلام العرب، ثمّ نظمه "إتحاف الجيل بزبدة علم الخليل"، ثمّ نظم "الرّسموكيّة" في علم العروض، لأحمد بن سليمان الرّسموكيّ، ثمّ نظم "المقنع" في المنازل والمواقيت، لمحمّد بن سعيد المرغيتيّ السّوسيّ، ثمّ نظم محمّد بن محمّد بن العربي ابن زكري في التّوقيت، وسمع بعض ذلك صهره المذكور، وأجازنا بذلك خاصّة، كما أجازنا عامّة، كما أجاز جميع الإخوة المذكورين في "الاستدعاء المُشرق من مسندي المغرب والمَشرق" ومستدركه.

ومن اللّطائف أنّ الشّيخ طلب منّي كتابة اسم بنت ابنته حسنى بازين، فكتبتها في إجازة لي، فأجزتها عامّة هي ووالدها الأخ عمر بازين.

ومن اللّطائف أيضًا أنّ الشّيخ - مع كبر سنّه - كان يتابع معي من نسختي كلمة كلمة، ويراجعني في بعض الأبيات، والألطف من ذلك أنّ الشّيخ ما زال يحفظ تلك المنظومات، خصوصًا المقنع، وما أخطأت في شيء إلاّ ردّني فيه، وصحّح لي الخطأ، حفظه الله ورعاه، ومتّعه بالصّحة وعافاه.

ثمّ زرتّه مرّة أخرى صباح يوم الاثنين 10 ربيع الآخر 1438هـ الموافق لـ 9 يناير 2017م، وقرأت عليه نظمه "الحلل الحريريّة على فاتحة الجزوليّة"، ثمّ نظمه في عدد الحروف المستعملة في كلام العرب، ثمّ ملخّص البناء في الحروف والأفعال والأسماء من نظمه أيضًا، ثمّ شرحه لمبنيّات أبي موسى الجزوليّ كاملًا، ثمّ نظمه لأحاديث التّوسّل ومن رواها الموجودة في كتابه "بذل الصّابون على بذل الماعون"، وسمع ذلك صهره عمر بازين، وبنته حسنى، وعليّ لمين الأكلويّ، وأحمد الحضيكيّ الأخصاصيّ، وأجازنا الشّيخ بذلك خاصّة، كما أجازنا عامّة.

وفاته:
توفّي - رحمه الله - يوم الخميس 24 ذي القعدة 1438هـ الموافق لـ 17 غشت 2017م


توقيع علّامة سوس الشّيخ صالح الإلغيّ على محضر السّماع مع كتابة اسمه
وبجانبه الأيمن محمّد حُحُود التّمسمانيّ


محضر السّماع على الشّيخ صالح الإلغيّ


محضر السّماع على الشّيخ صالح الإلغيّ وإجازته لجميع من حضر


علّامة سوس الشّيخ صالح الإلغيّ وعن يساره محمّد حُحُود التّمسمانيّ