فارس فقدناه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العلامة الشيخ الدكتور محمد أديب الصالح رحمه الله 

صبّ الله شآبيب الرحمة والرضوان عليك يا أستاذنا وشيخنا العلامة الأديب الصالح المجاهد باللسان والجنان في بلاد الشام والمهجر- ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

- إن شامنا الغالي الجريح اليوم بأمسّ الحاجة إلى أمثالك من علماء الآخرة الأبرار لا علماء السلطان والأغيار الفجار الذين فرّطوا بمكانة العلم والعلماء، وسكتوا عن الحق كالشياطين الخُرس، مع أن المطلوب منهم -إنْ لم يستطيعوا نصر الحق- أن لا يدافعوا عن الباطل، فلهم أكثر من سبيل للتخلص من الانحياز للسلطان الظالم فكيف بالقاتل السفّاح الذي هو من أكابر مجرميها. وكيف يبررون له سحق العباد والبلاد! بل إن بعضهم يسبّح بحمده مع علمه أنه عبد ذليل و خادم أمين للمحتل الصهيوني والأمريكي والروسي والمجوسي وسائر المعتدين! 

{ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (التوبة: 13)  و أين {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } (الأحزاب: 39) ونعوذ بالله أن نكون ممن عناهم الله بقوله:{ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 146) أو ممن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (إن أخوف ما أخاف به عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان) أي: ( سواء كان نفاقا عَقَديا أم عمليا) وقد روى هذا الحديث الصحابي الجليل عمران بن الحصين رضي الله عنه،كذا في الترغيب والترهيب 1/103 ورواته محتج بهم في الصحيح.  

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبوهريرة رضي الله عنه: ‘‘ما من رجل آتاه الله علما فكتمه إلا أُتي به يوم القيامة ملجما بلجام من النار ’’.

وروى أبوهريرة رضي الله عنه كذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ‘‘ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، و ما ازداد عبد من السلطان دُنّوا إلا ازداد من الله بعداً’’ أخرجه البيهقي بسند صحيح. ولذا : فالأخذ بالعزائم آكد و الاقتداءبالعالم أبي الحسن الجرجاني رحمه الله أولى: 

إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا

وكم نعمة كانت على الُحرِّ نقمَةً وكم مغنمٍ يَعتَدُّه الحرُّ مَغرَما 

ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما

ولكن أهانوه فهانو ودَنَّسُوا مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما

- فهنيئا لك يا عَلَم الدعاة والوعاة؛ فقد كنت مبلّغا حرا أبيا أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر وقد كان نشاطك في مسجد جامعة دمشق خطيبا مربيا طَلَبَتها ، بل حتى مع بعض  أساتذة كلية الشريعة الذين لانوا وهانوا فاستكانوا؛ فما كنت تنصب دينك فريسة لأحد من المتنفذين أو كنت من بركاته تسترزق كما كان هؤلاء يفعلون! أجل ؛ لقد كان عملك هذا شاهدا عليك.

- أعد لنا أيها المجاهد طريق الدعوة عبر مجلة ‘‘حضارة الإسلام’’ التي أسسها الداعية المجدد العلامة مصطفى السباعي رحمه الله ثم كنت رئيسا لتحريرها، وكم نالوا منك بسببها حتى مزقوا بعض المقالات ومنعوها. وكان جوابك وقتها: إنهم قوم لا يقدّرون العلم ولا السياسة بل إنه يكفي أن تكون مسلما حقيقيا كي تشكل مشكلة لديهم!!

فتعال أيها الفارس المترجل وأيقظ الغارقين في السبات من جديد، والمتفرقين في حين أصبح الاتحاد كما هو أصلا – واجب الوقت وفرضا عينيا على الجميع، وهنا فياأيها الشعب الصامد المصابر استلهم الثبات والثقة بنصر الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم وعلماء الآخرة الأحرار الذين يفهمون فقه الثوابت والمتغيرات ويقفون  مع المصلحة الحقيقية المعتبرة لا الموهومة أو منفية الوقوع، ولا ينزلون تحت أي ظرف إلى معاداة العقيدة التي لن تستطيع قوة مادية مهما بلغت أن تسحقها إلى غير رجعة والتاريخ أكبر شاهد.

رحمك الله ياحبيب القلوب رحمة واسعة فقد كنت حديقة الأرواح وفارس الساح.

 

واسمح لي يا فقيدنا الغالي بهذه المشاعر:

أيا صاح لا تدري من الحُزْن مابيا فقد مزَّق اليَيْن الأليم فؤاديا 

ترجّل ليثٌ كان في النُّصح رائداً وبدراً جميلا كم أنار اللياليا 

علامة حق كان فيها مُمَيزاً ولم يكُ يوماً بالطواغيت راضيا

وإن ضَنّ جمهور بهذا فإنني سأبقى بها بين الملايين شاديا

إذا ضل قوم لم تضلَّ ولم تقف تبرِّرُ أو تنضمُّ بعدُ مواليا

فسحقا لمن بالعلم داهَنَ حاكما ظلوما ووالى بالتملَّق طاغيا 

محمَّدنا نِعمَ المؤدب صالحا ستبقى بأعماق المحبّين غاليا

ألا فاصرخن في الشام هيا تيقّظوا وهبوا سِراعا كالسيوف مواضيا 

أماناً بأكناف الإله حبيبَنا وفي دوحة الفردوس تنعم هانيا