عبد القادر ولي الأنطاكي

1333 ـ 1393 هـ

1914 ـ 1973 م

الشيخ عبد القادر ابن الحاج ولي الأنطاكي ثمّ الحلبي.

عالم، صوفي، فاضل، وداعية مربي، مهاجر بدينه في سبيل الله.

ولد الشيخ المترجم له في مدينة (أنطاكية)، سنة: ثلاث وثلاثين وثلاثمئة وألف للهجرة، في أسرة عرفت بالتقى والصلاح، فوالده الحاج ولي رجل صالح، حافظ، محب للعلم والعلماء، يعمل بائعاً في دكانه في مدينة (أنطاكية) بكل صدق وأمانة، بل كان مضرب المثل في صلاحه وتقواه، حتى إنّ شيخنا الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين - رحمه الله - كان يقول: (كنت آتي إلى دكان الحاج ولي في (أنطاكية)، وأقف حتى أنظر إليه وأتبارك به)، في هذه البيئة الصالحة، نشأ المترجم له، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في أحد كتاتيب المدينة، وحفظ فيه القرآن الكريم، ولما يتجاوز العاشرة من عمره، ثمّ راح يحضر مع والده مجالس العلم وحلقاته، في مساجد (أنطاكية) على كبار علمائها في ذلك الوقت، حيث كان والده يريد أن يجعل من ابنه المترجم له عالماً من علماء الشريعة، وعندما كبر وشبّ بعثه إلى مدينة حلب، التي كانت في ذلك الوقت موئل العلم والعلماء، وكانت المدرسة (الخسروية) فيها ذائعة الصيت في نشر العلم، وتخريج العلماء، بل كان يطلق عليها في ذلك الوقت (أزهر سورية)، بعث به والده إلى مدينة حلب، لينتسب إلى المدرسة (الخسروية)، وينهل من معين علمائها الأفاضل.

وأكب الطالب المهاجر في هذه المدرسة على طلب العلم، وأخذه عن شيوخه الكبار، الذين كان لهم الأثر الأكبر في تكوينه العلمي، فأخذ علم التلاوة والتجويد على شيخه الشيخ محمد أبي الورد، والشيخ محمد نجيب خياطه، وقرأ علم التفسير على شيخه الشيخ محمد نجيب سراج الدين، حيث قرأ عليه (تفسير البيضاوي)، وأخذ علم الحديث الشريف ومصطلحه والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، على شيخه الشيخ محمد راغب الطباخ، حيث قرأ عليه طرفاً من صحيح البخاري، وسيرة ابن هشام، وإتمام الوفاء للشيخ محمد الخضري، وأخذ الفقه الحنفي على الشيخ أحمد الزرقا، الذي كان ينيب عنه ابنه الشيخ مصطفى أحياناً، أما الفقه الشافعي وأصوله، فقد أخذه على شيخه الشيخ محمد أسعد العبه جي، وقرأ التوحيد والمنطق على شيخه الشيخ فيض الله الأيوبي (الكردي)، حيث قرأ عليه (العقائد النَسَفيَّه) وشرح (إيساغوجي) في المنطق، وأخذ علم الفرائض على شيخه الشيخ عبد الله المعطي، والشيخ محمد نجيب خياطه، وأخذ علوم العربية، نحوها وصرفها وبلاغتها على شيوخها الكبار يومئذ، أمثال الشيخ إبراهيم السلقيني، والشيخ محمد أسعد العبجي، والشيخ عبد الله المعطي وغيرهم( )، كما حصّل الشيخ في المدرسة (الخسرويه)، بعض العلوم الكونية والتطبيقية، كالرياضيات والجغرافية والعلوم العامة وقانون الأراضي، وغيرها من العلوم، وقد استمر على دأبه في الدراسة حتى أنهى صفوف المدرسة الستة، بنجاح تام، وتخرج فيها مع الدفعة الثانية عشرة، والتي تخرجت سنة: 1356 هـ 1937 م.( )

عاد الشيخ المترجم له بعد تخرجه من المدرسة (الخسروية) إلى موطنه في (أنطاكية)، ليجد أن الأحوال قد تغيرت فيها كثيراً، فقد مات والده الحاج ولي، واستولى كمال أتاتورك وجماعته العلمانيون على مقاليد الحكم في البلاد، بعد سلخ لواء إسكندرون عن سورية، وضمه إلى تركيا، وقضوا على كلّ المظاهر الإسلامية والعربية فيه، وراحوا يلاحقون علماء الدين والمتدينين في كلّ أرجاء البلاد، مما اضطر الشيخ المترجم أن يعاود الهجرة إلى سورية، وكانت وجهته هذه المرة مدينة (حمص)، موطن شيخه الشيخ محمد أبي النصر خلف الحمصي، الذي التقاه في حلب، وهو طالب في المدرسة (الخسروية)، فتتلمذ عليه مع بعض رفاقه، وأخذ عنه الطريقة النقشبندية.

ونزل الشيخ المهاجر ضيفاً على شيخه أبي النصر، الذي أكرم وفادته، ورحب به، ويستشير التلميذ شيخه في أي البلدان يقيم، فيشير عليه الشيخ بالإقامة في مدينة حلب، لقربها من موطنه الأصلي (أنطاكية)، وفعلاً نزل الشيخ مع زوجته وولده محمد إلى مدينة حلب، واستقبله شيخه في المدرسة (الخسروية) الشيخ محمد سعيد الإدلبي، وأنزله في داره، فترة إلى أن هيأ الله له مسكناً يسكنه، وعملاً يعيش منه، وكان هذا العمل يتناسب مع ما نذر نفسه له، وهو الدعوة إلى الله، فقد عين إماماً وخطيباً في جامع (أغا جوق).

وانصرف الشيخ إلى الدعوة إلى الله في هذا المسجد، من خلال دروسه المتواصلة، وخطبه المؤثرة، وحرصه على إقامة الذكر، وختم السادة (النقشبندية) وحاله المتمثل بالتواضع لإخوانه، ومواظبته على التربية والإرشاد، وكثر تلاميذه، وانتفع به خلق كثير من أهل حيه، وذاع صيته في المدينة، وروي عنه الكثير من الكرامات وخوارق العادات.

وكان الشيخ المترجم له لا ينقطع عن زيارة إخوانه من أبناء شيخه الشيخ محمد أبي النصر، ويحرص على حضور مجالس ابنه الشيخ عبد الباسط، وكانت له صحبة وصلة وثيقة بالشيخ محمد النبهان، والشيخ محمد علي المسعود، وغيرهم من العلماء حلب وطلبة العلم فيها.

طيب القلب، نقي السريرة، كثير العبادة والذكر، تقي، متواضع، محب للخفاء وعدم الظهور، صابر على المحن والشدائد.

جميل الوجه، منور الشيبة، مهيب الطلعة، عليه سيما العلماء والصالحين الأتقياء.

ظل المترجم له على دأبه في الدعوة إلى الله، محافظاً على أخلاقه الرفيعة إلى أن توفاه الله في مدينة حلب، سنة: ثلاث وتسعين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافقة لعام: ثلاثة وسبعين وتسعمئة وألف للميلاد، وكان لوفاته وقع مؤلم على إخوانه من العلماء وطلاب العلم، حتى إنّ الشيخ محمد النبهان - رحمه الله - قال بعد أن حضر جنازته: (اليوم دفنا ولياً من أولياء الله)، وشيع الشيخ بجنازة حافلة، حضرها الكثير من العلماء وطلاب العلم، وحشد كبير من إخوان الشيخ ومحبيه إلى مثواه الأخير في مقبرة (الشيخ سعود). - رحمه الله -

ـ مدينة انطاكية ـ

المصادر والمراجع

1- ترجمة خطية تفضل بها حفيد المترجم له الشيخ علي ولي.

2- مقابلة شفهية مع حفيد المترجم له الشيخ علي ولي.

3- مقدمة كتاب جالية الكرب في التوسل بأصحاب سيد العجم والعرب (جمع وترتيب ولده الشيخ محمد ولي). - رحمه الله –

4- مذكرات المؤلف .

-----------

(1) انظر ترجمات شيوخه هؤلاء في مكانها في الجزء الأول من الكتاب.

(2) تخرج مع المترجم في هذه الدفعة، كل من وحسب ترتب نجاحهم: عبد الفتاح حميدة، سعيد المش، محمد نافع السنكري، سعيد الحمد، علي عثمان، محمد بن بشير التادفي، مصطفى المراعي، عبد القادر الشامي، حمادة عبد الناجي، علي الوضيحي، إبراهيم الحاج، محمد خير المراعي، حسن الهاشم، عبد القادر الانطاكي ـ (المترجم)، عبد الله الأخرس. (عن سجلات المدرسة الخسروية).