الدكتور عبد الرحمن بن تاج الدين الكتاني

هو العالم العلامة، المطلع الحفاظة المستحضر، الخطيب المفوه، والداعية المقتدر؛ الدكتور الطبيب عبد الرحمن ابن الشيخ الداعية المربي محمد تاج الدين ابن رئيس رابطة علماء الشام محمد المكي ابن الإمام محمد ابن شيخ الإسلام جعفر الكتاني الإدريسي الحسني.

 

ولد بمدينة دمشق سنة 1378هـ/ الموافق 22 أبريل عام 1958م، في بيئة متدينة، همتها نشر العلم، والدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالدته من بيت الأشراف السعديين الشهير بدمشق، فدرس في مدارس دمشق؛ الابتدائية في مدرسة شكري العسلي، ومدرسة التربية والتعليم، والإعدادية بثانوية المحسنين، والثانوية بثانوية ابن خلدون،  إلى أن حصل على الدكتوراة في الطب من جامعة دمشق.

 

وفي نفس الوقت كان يلازم دروس جده شيخ الإسلام محمد المكي الكتاني، سواء في منزله وفي المساجد والمعاهد التي كان يدرس فيها، كما كان ملازما لدروس والده الأستاذ المربي الشيخ تاج الدين الكتاني، وعمه العلامة الشيخ محمد الفاتح الكتاني، ومختلف أعلام دمشق وكبار علمائها الذين لازم دروسهم، ومجالسهم لسنين متطاولة.

 

وفي سنة 1989، انتقل لبلد أجداده المغرب، من أجل ممارسة الخدمة العسكرية؛ كطبيب في الجيش الملكي، فلازم الخدمة عامين، في مدينة الداخلة، وحصل على رتبة ضابط احتياط، ثم فتح عيادة طبية في مدينة الصويرة عام 1992؛ فكانت ناجحة جدا، وكان يتوارد على مدينة فاس،  حيث انخرط في سلك طلبة جامعة القرويين، مع ممارسته للطب – اختصاصه الأول – فتحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة القرويين بميزة مشرف جدا سنة 1995، بحيث انبهر به كل أساتذته، وترك سمعة طيبة في فاس.

 

ثم انتقل إلى مدينة سان بطرسبرغ بروسيا، وتخصص في طب الولادة والنساء، ثم عاد للمغرب، وتابع عيادته في مدينة الصويرة، وبقي متنقلا بين مدن فاس والرباط والصويرة.

 

ثم عاد أخيرا لدمشق بعد عام 2000م، من أجل رعاية والديه الكريمين، وبنى هناك مستوصفا في عدة طوابق، وزاوج بين النشاط الطبي والخيري والدعوي إلى أن قامت الفتنة الأخيرة ببلاد الشام لطف الله بها.

 

وفي خلال ثورة أهل الشام؛ قصف مستوصفه، مما جعله يتفرغ أكثر للجانب الدعوي والتربوي، فكُلف بمسجد الشيخ الأكبر ابن عربي بركن الدين بدمشق، فكان يلازم التدريس فيه، والوعظ والإرشاد، والقيام بالحضرة الأسبوعية التي تقام منذ قديم الزمان بذلك الموضع الطاهر.

 

عرف الدكتور عبد الرحمن الكتاني – رحمه الله تعالى – بمداومته على فعل الخيرات، من إطعام الطعام، والتطبيب المجاني، وإعانة المحتاجين، والوقوف مع الضعفاء والمساكين، فقد أثر حين سكناه في فاس في أهلها تأثيرا عظيما، مما جعله محبوبا عند كافة طبقات المجتمع، ونفس الانطباع تركه عندما كان يزاول العسكرية في الجيش المغرب، والطب في مدينة الصويرة.

 

كما أنه كان يخبرنا بنشاطه الدعوي الكبير في روسيا عندما كان طالبا في مجال التخصص فيها، وأن الكثير من الناس أسلموا على يديه هناك، حتى كان لنشاطه لفت للأنظار، وتأثير بين في المجتمع.

 

وهو نفس النشاط الذي زاوله في سكناه في دمشق، فقد كان مخصصا عيادة يشتغل فيها يوميا بعد العصر إلى الليل لمعالجة الفقراء والمحتاجين احتسابا لله تعالى دون أجر، بل كان يعيلهم، ويساعدهم في نفقاتهم، فكان يستعين بأرباح المستوصف من أجل النفقة على المحتاجين في العيادة.

 

كما أنه مارس الدعوة إلى الله في سوريا، خاصة في دمشق وضواحيها، وكان لأهلها عليه إقبال كبير من الخاصة والعامة، وكانت له دروس مشهودة خاصة في الزاوية السعدية، ومسجد الشيخ الأكبر، عدا الدروس والتجمعات التي كان يقيمها. وبعد أن قصف مستوصفه وتوقف عن العمل، بذل جل وقته في إعالة ضحايا الحرب الأهلية في سوريا، ومعالجة المحتاجين، وإعانة المنقطعين، مع ابتعاد تام عن السياسة ولزوم خدمة الناس. 

 

كان الدكتور عبد الرحمن الكتاني – رحمه الله تعالى – طبيبا ماهرا، زيادة على تخصصه؛ فقد جمع إليه عدة تخصصات فرعية؛ كالطب الصيني والطب الشعبي، وأمراض السرطان المتعلقة بالجهاز التناسلي وغير ذلك من الاختصاصات، وكان يملأ مجالسه بتلك الثقافة المتنوعة.

 

أما في مجال العلوم الشرعية؛ فقد استعان الدكتور الكتاني – رحمه الله تعالى – بحافظة عظيمة؛ فكان يتحدث في مختلف أبواب المعرفة الشرعية حديث المستوعب المتقن، سواء في أبواب الفقه، خاصة العبادات، وفي أبواب المواعظ والإرشاد، والسيرة النبوية، وغير ذلك من المعارف، وكان يحفظ بعضا من الكتب؛ خاصة من كتب جد والده شيخ الإسلام محمد بن جعفر الكتاني، فكان يستعين بذلك في خطبه ودروسه ومواعظه.

 

وقد كان – رحمه الله تعالى – الغاية القصوى في الفصاحة والبلاغة، يلقي خطبه ارتجالا بكل قوة وحفظ واندفاع، بحيث لا يقبل حركة أثناء خطابه، ولا يتجرأ أحد على مقاطعته لما كان يمتاز به من شخصية فولاذية قل مثيلها، وكان يستحضر الأحاديث بمخرجيها، ونصوص العلماء، والآيات القرآنية، فيسوق في كل مناسبة ما يناسبها من ذلك كأنه يقرأ من كتاب، مما جعل الجميع ينبهر به ويعجب به.

 

وقد انخرط أخيرا في إحدى جامعات لبنان لإكمال درجة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، غير أن المنية سبقته دون إتمام ذلك، مع ما مر به من محن وأهوال في الفتن الأخيرة التي ابتليت بها بلاد الشام فرج الله عنها.

 

ومما تركه من المؤلفات: كتاب حول التدخين بين الطب والشريعة، زاوج فيه بين تخصصيه، وكان بصدد جمع محاضراته ودروسه، وإعدادها في مؤلفات وكتب حسبما أخبرني رحمه الله تعالى.

 

وقد كان الدكتور عبد الرحمن الكتاني – رحمه الله تعالى – كتانيا للنخاع، متشبعا بأفكار أجداده وغيرتهم على الدين وتعلقهم بآل البيت الكريم والتصوف وأهله، والغيرة على الإسلام وجميع قضاياه، غاية في التحمس لذلك، وكانت له معرفة كبرى بأخبار جده الشيخ محمد المكي الكتاني رحمه الله، وعلاقاته بعلماء الشام والوافدين عليها، وجهوده الجهادية والإصلاحية في الداخل والخارج. كما كان له أتباع يحبونه ويعتقدون فيه الولاية والصلاح، وينقلون عنه مآثر رحمه الله تعالى.

 

وكانت له أذكار وأوراد يداوم عليها، شديد التعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسلف الأمة، محبا لله تعالى متعلقا به، صالح الاعتقاد، داعيا إلى الله تعالى، محببا فيه وفي رسوله عليه الصلاة والسلام، ذا عاطفة جياشة، وروح قوية.

 

وفي آخر حياته؛ ابتلي بمرض القلب، الذي اشتد عليه في الشهر الأخير، ليلقى أجله في المدينة المنورة وهو مستعد للعودة لدمشق الشام، في السابع والعشرين من شعبان الأبرك لعام 1438هـ، الموافق 24 مايو 2017م، وقد كانت الخسارة فيه كبيرة، والرزؤ فيه جلل، بحيث فقدت فيه العائلة الكتانية أملا من آمالها، وفقدت فيه دمشق رجلا من رجالاتها الأفذاذ، وصلي عليه في الحرم النبوي الشريف، ليوارى جثمانه في بقيع الغرقد، ضجيعا للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، وقريبا من قبر سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليهما وسلم، وقبور ساداتنا الصحابة وأئمة الإسلام العظام..فرحمه الله تعالى رحمة الأبرار وإنا لله وإنا إليه راجعون...

 

(هذه الترجمة من كتابي: "النجم الثاقب، بتراجم علماء الكتانيين وصلحائهم وذوي المناقب)، وقد نشرتها نظرا لكثرة ما طلب مني نشرها، وهي قابلة للتعديل والإصلاح)