هذه شهادتي في عدنان الدليمي -رحمه الله-

 

فقد العراق الأسبوع الماضي واحداً من أبرز دعاته المتصدين للشأن العام، والذي ترك بصماته الواضحة والعميقة في مختلف المجالات.

كان اسم الدكتور عدنان يتردد كواحد من الروّاد الأوائل للدعوة الإسلامية، منذ أواسط القرن الماضي، ومن الذين تصدّوا ببسالة للمد الشيوعي في ذلك الوقت.

توطّدت علاقتي بالفقيد بعد زيارات قام بها للفلوجة أواسط الثمانينيات، ثم تردده للصلاة في المسجد الذي كنت أخطب فيه ببغداد، وقد أدركت حينها أنه يؤسس لعمل دعوي جديد، بعيد عن التنظيمات التي أرهقت الدعوة وأضرّت بالدعاة، فكان بيته مثل خلية النحل، يأتي إليه الناس من كل حدب وصوب، يقيلون عنده ويبيتون، كان فيهم السلفي والصوفي والإخواني ومن عامّة الناس، وكان يرفض الحديث في السياسة والجماعات والتنظيمات، مركّزاً جهده في الدعوة العامة، وفي تنشيط الدورات القرآنيّة، بالتعاون مع الجميع، حتى شكلت ظاهرة كبيرة، بحيث بلغ عدد المنتسبين إليها قرابة النصف مليون من بنين وبنات وطلاب ومدرّسين، وكان يوصي بالانفتاح على الجميع وعدم التصادم مع أحد مهما كان، وكان يتعهد هذه الدورات، حتى بعد أن اضطرته الظروف الأمنية للهجرة والاستقرار في الأردن الشقيق.

في الأردن التقينا هناك، واستضافني في بيته لأكثر من شهر، فعرفته عن قرب، كان أباً للجميع، يسأل ويتابع حتى في أدق التفاصيل، وكان الناس يفِدون إليه من داخل الأردن ومن العراق والخليج واليمن وتركيا وماليزيا وغيرها، ولا أذكر يوماً واحداً مرّ عليه من غير ضيوف، ثمّ قدّر الله لي أن أعمل معه في الجامعة، وأن نتجاور في السكن قرابة العامين، وأستطيع أن أجزم أن الصفات التي اجتمعت في هذا الرجل لم أرها مجتمعة في غيره.

بعد الكارثة التي حلّت في العراق على يد الأميركان قرر الرجوع إلى العراق، وهناك زرته أيضاً في بيته عدة مرّات، كان من بينها مرة جمع فيها كل من أعرفهم من رموز أهل السنة على اختلاف مشاربهم، وكان رأيه الصريح والواضح منذ ذلك اليوم أن أهل السنّة إن لم يشاركوا في كل مؤسسات الدولة التي بدأت بالتشكّل فإنهم سينتهون، وأن البلد سيختطف تماماً من قبل إيران، ومن هذا المنطلق قرر استلام الوقف السنّي للحفاظ على مساجد السنّة ومدارسهم الدينية، وممتلكات الوقف التي لا تكاد تحصى، وقرر تشكيل جبهة التوافق التي ضمّت مختلف التوجّهات الدينية والعشائرية وغيرها، وقد حققت نجاحاً سياسياً ملحوظاً وغير متوقع، خاصة مع حالة التشظّي الداخلي لأهل السنّة، وغياب السند العربي والإسلامي، وضغط المشروع الإيراني المتحالف بوضوح مع القوات الأميركية.

خرج الدكتور عدنان مرة أخرى من العراق ليحذّر العرب والمسلمين من الخطر القادم، وكأنّه النذير العريان، وقد دفع الثمن الباهظ في ذلك من نفسه وأهله وماله.

لم يكن يرغب بالخلاف مع أحد، لكن عمق المحنة وبحثه الصادق عن الحل اضطرّه إلى طرح أفكار جريئة، ربما كان مصيباً فيها أو مخطئاً، وربما قصّر مخالفوه أيضاً في دراسة مواقفه دراسة علمية موضوعية، خاصة في مشاركته السياسيّة ودعوته للفيدرالية فظلموه وظلموا أنفسهم، وهناك تجتمع الخصوم، ونسأله تعالى المغفرة لنا وله وللجميع.