مع نادرة الرجال الشيخ محمد سعيد الطنطاوي

 

نابغة المربين، وأديب الفيزيائيين

ولد بدمشق سنة (1343هـ/ 1924م): من كبار المربِّين، وألمع مدرسي الفيزياء والكيمياء، عالم فقيه، وداعية خطيب، وأديب شاعر، وجَدِل قوي الحجَّة، ومثقف واسع الاطلاع وافر المحفوظ، مع ذاكرة واعية مسعفة، وبديهة حاضرة متقدة، اشتَهر بالجرأة والصرامة، والنبل والشهامة. 

 

أحد أذكياء الدنيا وأفراد الدهر في الزهد والورع والعبادة، والأخذ بالعزائم، واجتناب الرخص. 

 

من رواة الشعر وحفاظ عيونه وروائعه، وصاحب أسلوب فذ مطرب في إلقائه، وقدرة فائقة على ارتجاله ونظمه. 

وبلغ منزلة عالية رفيعة في معرفة التاريخ الإسلامي وكأن أحداثه ماثلة بين عينيه، لا يغيب عنه شاردة منها ولا واردة.

 

للشيخ مواقف جريئة مشهودة تدل على قوة إيمانه ويقينه، وعلو همته، وصلابته في الحق، فكان إذا استدعاه مدير التعليم -أو أي جهة أخرى- معترضًا على بعض تصرفاته؛ كرفضه الاختلاط ونحو هذا، ملزمًا إياه بقرارات وزارة التربية، كان يُخرج مصحفًا من جيبه ويقول بشموخ واعتزاز: هذا هو القانون الوحيد الذي أسمع له وأطيع، وما عدا ذلك فتحتَ قدمي.

 

وصفه الأستاذ عصام العطار بقوله: 

(كان محمد سعيد، الأخُ الأصغر لعلي الطنطاوي، أخًا لي وصديقًا أثيرًا، ووالله ما رأيت على طول ما عشت، وكثرة من قابلت على هذه الأرض، أزهدَ منه ولا أكرمَ ولا أعبدَ، فألف سلام وسلام على أخي الحبيب، وصديقي الصدوق محمد سعيد الطنطاوي في شيخوخته ومرضه ووحدته في مكة المكرَّمة).

 

وأسهب الشيخ علي الطنطاوي في الحديث عن عنايته بأخيه سعيد والأخذ به في عالم الثقافة، وميدان المطالعة، وتشجيعه على طلب العلم، يقول: 

(وأما سعيد فكنت أنا العاملَ الوحيد في تربيته الدينية، والسلوكية، والثقافية، صنعتُ له - والفضل لله لا لي- أكثرَ مما صنع لي أبي رحمه الله، كان أبي مشغولاً أحيانًا عني، وكنت أنا دائمًا معه، وسيَّرني أبي في طريق العلم فقط، وسيرته في طريق العلم وطريق الأدب معًا، حتى صار في يوم من الأيام كأنه صورة مني، ونسخة عني، حتى الشواهد التي يستشهد بها من الأشعار والأخبار، والنكت التي يرويها. 

ثم إن اللهجة التي يلقي بها لهجتي أنا كما كنت أدرِّب تلاميذي عليها، وقد مرضتُ مرة، ولم يكن هذا الشريط المسجَّل، فنزل إلى الإذاعة فقرأ حديثي عني، فما شكَّ أكثر السامعين أنه أنا، وإن أنكروا منه بعض الرقة في الصوت، وبعض الرِّخاوة في الإلقاء...

اشتريتُ له قصة عنترة في ثماني مجلدات، وهي موضوعة وأشعارها مصنوعة، ولكن فيها أخبار الجاهلية كلها، وفيها أسماء أبطالها، وأنباء رجالها، وكان ذكيًّا من أذكى الناس، فحفظ أخبارها وأشعارها، ثم جئته بفتوح الشام المنسوب إلى الواقدي، ثم خلَّيت بينه وبين المكتبة فقرأ وقرأ..).

 

حفظ الله الشيخ، وبارك في عمره، وأسبغ عليه أثواب العافية.