العلَّامة الشيخ: عبد الفتاح أبو غدة -4-

 

* كتبه ومشاركاته العلمية:

صدر لوالدي رحمه الله 67 كتاباً ما بين مؤلَّف ومحقَّق، وما بين صغير وكبير وغلاف ومجلد، ولن أطوِّل المقام بذكرها كلِّها، فهي معروفة لدى طلاب العلم ومحبي الشيخ، وهي مذكورة في آخر كل كتاب من كتبه رحمه الله وغفر له.

وإنما سأذكر أولاً بعض مؤلفاته ومشاركته العلمية المغفول عنها، ثم أذكر منهجه في الكتابة والتأليف بإيجاز، ثم أسلِّط الضوء على مؤلفاته في الحديث وعلومه.

ألَّف رحمه الله خلال تدريسه لمادة الديانة في حلب ابتداءً من عام 1951م وما بعده ستة كتب دراسية للمرحلة الثانوية، بالاشتراك مع خليله الحميم الأستاذ الشيخ أحمد عز الدين البيانوني رحمه الله تعالى.

وكذلك اشتركا رحمهما الله بتأليف كتاب لطيف الحجم، يُعدُّ من أولِّ ما ألَّفه سيدي الوالد رحمه الله تعالى، سمّياه: «قَبَسات من نور النبوة»، كتباه في تلك الآونة رداً على رجل يُدعى أبو شلباية، ذكر في سياق الازدراء بالنبي الكريم (ص) أنه كان راعي غنم!

كما أنه أتم وأنجز كتاب «معجم فقه المحلى لابن حزم الظاهري» في أثناء انتدابه للتدريس في كلية الشريعة بدمشق، وكان قد سبقه إلى العمل فيه أستاذان ولم يتماه، فأتمه ونسّقه وأنهى خدمته على الوجه المطلوب، وطبعته جامعة دمشق ضمن مطبوعاتها في مجلدين كبيرين.

كما أنه شارك في وضع مناهج وخطط دراسية في سورية، ثم مناهج المعهد العالي للقضاء وكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم مناهج الدراسات العليا في كلية التربية قسم الدراسات الإسلامية من جامعة الملك سعود.

وقد توفي رحمه الله عن عدد من الكتب في المطبعة، وكتب أخرى لم تدفع إليها، وكتب كانت في صدره ولم يقم بها كاملة، رحمه الله وأقرّ عينه بخروجها، وهو القائل: يندُر أن يموت العالم دون أن تكون في صدره حسرةٌ على كتب لم يخرجها.

أما منهجه في التأليف والتحقيق فيتمثل في عدة نقاط:

1  الغَيْرَة على الكلمة، والسعيُ وراءها: أي جودةُ ومتانة التحقيق والتأليف، فقلَّ أن تجد في ما يحقّقه أو يؤلّفه إغلاقاً لم يُحَلَّ، أو غامضاً لم يُبَيَّن، أو ضعيفاً في سنده أو في قبول معناه لم يُعَلِّق عليه.

وكم وكم أخذ تحقيق كلمة واحدة منه أوقاتاً وأزماناً، وكان ربما تذاكر فيها مع غيره من أهل العلم والاختصاص، كل ذلك برحابة صدر وسعادة وهناء، ولا عجَب فشأنه ودَيْدَنه: خدمة العلم وأهله.

2  الحرص على تشكيل وضبط الكلمات والألفاظ المُشْكِلة في عموم كتبه: مع توسُّعه في ذلك في الكتب العامة (الثقافية) أكثر من الكتب الخاصة (التخصصية)، ككتاب «صفحات من صبر العلماء» وكتاب «قيمة الزمن عند العلماء» ونحوهما، رغم أن ذلك يتعِبه ويأخذ وقته وجهده!

قال في مقدمته لكتابه اليتيم العظيم «صفحات من صبر العلماء»: «وربما يرى بعضُ الفضلاء أني قد توسَّعتُ بعضَ الشيء في شَكْلِ بعضِ الكلمات، وهذا أمر قصدتُه رعايةً لبعض القراء الذين لا يتقنون العربية، ليكون ذلك عوناً لهم على القراءة الصحيحة والضبطِ السليم للعبارة ومفرداتها، وعوناً على سرعة الفهم أيضاً».

وقال: «وضبطتُ بالشكل: أسماء الأعلام والبلدان والأماكن، وكلَّ لفظٍ قدّرتُ يمكن أن يغلط فيه غالط، أو يتردد في قراءته متردِّد، ليستمرَّ ذهن القارئ في قراءة الخبر دون تلكؤٍ في فهمِه، أو خطأ في لفظِه إن شاء الله تعالى».

3  الزيادة في كل طبعة: فالكتاب دائماً بين يديه يزيد فيه، وينقّح ويوضّح، حتى قيل: إنَّ كل طبعة لكتاب من كتبه تعد بمثابة كتاب جديد.

إلَّا أني أشير إلى أمر، وهو أنه في الآونة الأخيرة لما كثرت عليه الكتبُ مع ضعف الجسم وكِبر السن، صار يُصدِر بعض الكتب النافدة مما سبق خروجه تصويراً لئلا تُفقد من أيدي طلبة العلم، وإن كان الكتاب المصوَّر قد زاد عليه وأضاف ونقّح، لكنه لم يتفرغ لإخراجه مزيداً في طبعة جديدة، لانشغاله بغيره مما لم يخرج سابقاً، فهو وإن طُبع تصويراً إلَّا أنه في حقيقة الأمر مزيد بين يديه، رحمه الله وغفر له، وسأسعى لنشر كلِّ ما تركه وما كان ينوي القيام به بمشيئة الله وعونه.

4  الإفادات النادرة، واللفتات اللطيفة: فربما تجده عَلَّق على كلمة مّا بسطر، لكن هذا السطر كلّفه ثلاث ليال بل أسبوعاً من البحث والتمحيص.

كما أن هذا السطر جاء ثمرةَ مطالعةِ واطلاعِ سنين طوال، وحصيلةَ تنقيبٍ مستمر دائم.

كما يتجلى ذلك أيضاً في إيراده بعضَ النقول من غير مظانها، ومن مصادر لا يُتوقع أنها فيها.

ثم إن له ذوقاً رفيعاً وفهماً ثاقباً في انتقاء النصوص وكيفية إيرادها ومواضع تعليقها، فليس هو من هواة تكبير الكتب ونفخ الحواشي وملء الفراغات.

5  الجمع قطرة قطرة: وهذا يتجلى واضحاً فيما يؤلفه، فمثلاً: كتاب «صفحات من صبر العلماء» جمعه في أكثر من عشرين سنة، كلّما وجد شيئاً يناسب الموضوع كَتَبه في قُصَاصة وجمَعه، حتى غدا كتاباً جميلاً ممتعاً للقارئ والمستمع، وكذا كتاب «قيمة الزمن عند العلماء»، وهكذا سائر مؤلفاته ومحققاته.

6  اهتمامه بالفهارس، وإتقانه لها: وذلك في وقت كانت الفهارس التفصيلية نادرةً وغيرَ مألوفة في المكتبة الإسلامية، فأصبح منهجه هذا حافزاً ومثالاً يُحْتَذى، فأبرَزَ رحمه الله أهمية الفهرسة رافعاً سمت الكتب العلمية.

وشرطه في ذلك أن تزيد صفحات الكتاب عن مئة صفحة، فإن تحقق ذلك جعل للكتاب فهارس عامة تربو على خمسة فهارس وقد تزيد، وذلك ليكون الراجع إليه والباحث عن طَلِبته فيه سريع الوصول إلى مبتغاه منه بأيسر الطرق وأقصر الوقت، مع أن في ذلك جهداً كبيراً ومشقة عسيرة، شكى منهما الوالد رحمه الله في مقدمة فهارس كتاب «الانتقاء»، ومع كون الفهرسة غدت ضَرْباً من التأليف المستقلّ قلَّ من يخلص فيه ويتقنه.

7  الإخراج الفني الجميل في الطباعة والغلاف: ففي كل ذلك له ذوق وبصمة مميزة، وساعده في ذلك إخوة أكارم لمّاحين ذواقين كان يطبع عندهم كتبه.

ويعدُّ الوالد رحمه الله مثالاً فريداً ومدرسة مستقلة في فن الطباعة والفهرسة، وانظر في ذلك كتابَه «تصحيحُ الكتب وصنعُ الفهارس المعجمة».

8  الذوق في كل ما سبق: وله في كل ما ذكرت قصص أعرضت عن ذكرها لضيق المقام.

9  توجهه للتحقيق أكثر منه للتأليف: لتواضعه وهضمه لنفسه، ولأنه يرى أن «إتمام بناء الآباء خيرٌ مئة مرة من إنشاء البناء من الأبناء، فضلاً عن أنه جزء من الحق الذي لهم علينا والوفاء، فهم الأصل الأصيل، والنور الدليل، والفهم المستقيم، والعلْم القويم، وما تركوا في آثارهم من بقايا فجوات طفيفة، لا يقتضي منا تخطِّيهم والإعراض عن آثارهم النفيسة»، كما صرّح به في مقدمة أول كتاب أخرجه، وهو كتاب «الرفع والتكميل في الجرح والتعديل» للإمام اللكنوي، فهذا منهجه من أول أمره.

مع العلم أن تحقيق النصوص كثيراً ما يكون أشقَّ من التأليف المستأنف الجديد، كما ذكر في نفس المقدمة المذكورة.

ويتضح ذلك في أن له واحداً وخمسين كتاباً محقَّقاً مقابل ثلاثة عشر كتاباً مؤلَّفاً.

فلم يكن يرى التأليف استقلالاً، إلَّا لأمر مستجَد لم يجد فيه للسابقين تصنيفاً، وإلَّا فإنه يتجه إليه ويخرجه بدلاً من إخراجه كتاباً من تلقاء نفسه.

10  إفراده التعليقات الطويلة في آخر الكتاب (تتمات): وذلك حتى لا تأخذ من ذهن القارئ وتخرجه عن النص والموضوع، كما في «الموقظة» و «تحفة الأخيار» و «ظفر الأماني» و «الإحكام» و «رسالة المسترشدين» و «الإمام ابن ماجه وكتابه السنن».

وهذا من ذوقه الرفيع وأدبه العالي وعقله الرزين.

وأما كتبه التي عمادها الحديث الشريف وعلومه، أو فَهْرَسَتُه، فهي:

1  كتاب السنن الصغرى للإمام النسائي، وهو أحد الكتب الستة المعتمدة لدى العلماء المحدثين وغيرهم في الرجوع إليها والاعتماد عليها، وقد قام الوالد رحمه الله بفهرسة هذا الكتاب الجليل والمرجع الحفيل، فدرس الكتاب في أجزائه الثمانية، ووضع له فهرساً عاماً شاملاً كاملاً أدخل هذا الكتاب في «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي» الذي صنعه المستشرقون متعاقبين عليه في مدة 55 سنة، وفي كتاب «مفتاح كنوز السنة» لمحمد فؤاد عبد الباقي، وكتاب «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» للحافظ المزيِّ.

فصنع له ترقيماً لأحاديثه وآثاره وكتبه وأبوابه ورواتها...، فجاء من ذلك تسعة أنواع من الفهرسة، كما صنع فهرساً شاملاً لأبواب كُتُب كل جزء بآخره، واستغرق في تدوينه وطبعه قريباً من ثلاث سنين، وبلغت صفحات هذا الفهرس مجلداً في 364 صفحة.

وكان المستشرقون أحجموا عن صُنْعه لصعوبته، فقام الوالد رحمه الله بهذه الخدمة الجُلَّى، وطَبع مجلد الفهارس هذا مع أجزاء الكتاب الثمانية، فصار كشف الحديث أو الأثر أو الراوي أو مروياته على طرف الثُمام. وطُبع هذا الكتاب ثلاث مرات في بيروت، كما سُرق ثلاث مرات، والله حسيب السارقين.

2  كتاب التصريح بما تواتر في نزول المسيح لإمام العصر في الهند الشيخ محمد أنور شاه الكشميري. وكان أصل هذا الكتاب في نحو 20 صفحة فخرج بعد خدمته الوافية وتخريج أحاديثه وآثاره في نحو 373 صفحة، وأدَّى هذا الكتاب خدمة جُلَّى في تجلية حَقِّية هذا الموضوع  وبخاصة زمن طبعته الأولى ، الذي كان ينكره أو يتردد فيه طائفة من كبار العلماء، وخرج الكتاب نافعاً للخواص والعوام ومصحِّحاً لأفكار الواهمين والمنكرين. وطبع بحلب وبيروت وباكستان ومصر خمس مرات.

3  مسألة خلق القرآن وأثرها في صفوف الرواة والمحدثين وكتب الجرح والتعديل، وهو بحث مبتكر جديد في بابه يَهمُّ كلَّ مشتغل بهذا الفن، ويمثل نفَساً من أنفاس الوالد التحقيقية، ذكر فيه الوالد رحمه الله كلمةً عن منشأ هذه الفتنة وأُسِّها وتاريخها، ثم بحث بإسهاب وإطناب عن أثرها وما ترتب عنها في صفوفِ رواة الحديث ونقَّاده والمتكلمين في الرجال وكتبِ الجرح والتعديل.

وقد طبعت في بيروت في جزء لطيف سنة 1391هـ في 26 صفحة، ثم رأى الوالد طيَّب الله ثراه إدراجها في حاشية كتاب «قواعد في علوم الحديث» فأدرجها في موضعها الملائم في أواخر الكتاب فجاءت في 19 صفحة، من ص 361 إلى ص 380.

4  كتاب إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة للإمام اللكنوي. وهذا الكتاب أورد فيه مؤلفه جملة كبيرة من الأحاديث، فخرج بعد تخريج أحاديثه وآثاره والإضافة إليه، مما يشهد لموضوعه في 195 صفحة. وطُبع بحلب والقاهرة وبيروت.

وللوالد قدَّس الله روحه عليه زيادات وتعليقات مهمة تصدر إن شاء الله في طبعة مزيدة.

5  كتاب سباحة الفكر في الجهر بالذكر للإمام اللكنوي، وهو من أفضل الكتب في موضوعه، وتضمَّن من الأحاديث النبوية شطراً كبيراً للاستدلال على موضوعه، فحققه الوالد رحمه الله وخرَّج أحاديثه باختصار. وطُبع في بيروت ولاهور ثلاث مرات في 120 صفحة.

6  كتاب قواعد في علوم الحديث للعلامة الجليل الشيخ ظَفَر أحمد التهانوي الهندي ثم الباكستاني، وهو مقدمة لكتاب حفيل عظيم فريد في بابه للعلامة التهانوي أيضاً، اسمه «إعلاء السنن» في عشرين جزءاً من القطع الكبير، وتكفل هذا الكتاب بجمع أدلة المذهب الحنفي في كافة أبواب الفقه، رداً على بعض المتعصبين الهنود، الرامين المذهب الحنفي بالفقر من أدلة الكتاب والسنة، فقام الكتاب بفرض الكفاية وأربـى على الغاية، وجاء الكتاب بعد طبعه بتحقيق الوالد غفر الله له وتعليقاته النادرة في 553 صفحة. وطُبع ست مرات في بيروت والهند وكراتشي والرياض والقاهرة.

7  كتاب الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة للإمام اللكنوي، تضمن هذا الكتاب النفيس مباحث شائكة ومسائل صعبة، تقدم بالسؤال عنها أحد كبار علماء الهند المعاصرين للكنوي، فأجاب عنها الشيخ اللكنوي بما شفى وكفى وزاد على الغاية، وكان أصل الكتاب صغيراً في نحو 20 صفحة، فغدا بعد تعليق الوالد رحمة الله عليه، وزيادة التحقيق لمسائله وإغناء الدارس له عن التلفت إلى غيره في 302 صفحة، وطبع خمس طبعات في حلب والقاهرة وبيروت، وللوالد عليه زيادات وتنقيحات وتصحيحات تصدر لاحقاً إن شاء الله في طبعة سادسة مزيدة.

8  السنة النبوية وبيان مدلولها الشرعي والتعريف بحال سنن الدارقطني، وهي رسالة نفيسة في نحو 50 صفحة، فريدة في موضوعها، نبَّه الوالد رحمه الله فيها إلى أخطاء سارية في فهم لفظ السنة الوارد في الأحاديث والآثار وقع فيها بعض العلماء، كما عرَّف فيها بحال «سنن الدارقطني» وبيَّن المفارقات بينها وبين السنن الأربعة سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجَهْ. وطبع ببيروت.

9  صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين، درَس الوالد رحمه الله فيها نموذجاً من الأسانيد الحديثية للحافظ ابن الصلاح، واستوعب فيها كلَّ ما يتصل بهذا الموضوع، مع التراجم والفهارس، فلم تقتصر على كونها صفحةً مشرقةً فَحَسْب بل غَدَتْ كتاباً يُعرِّف الخلف بعناية السلف في نقل الكلمة العلمية وحفظها وضبطها وحِيَاطتها من التصحيف والتحريف، وطبع في بيروت في 145 صفحة.

10  تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي، وهو موضوع له أهميته البالغة في تشخيص معالم هذه الكتب العظيمة والمصادر المعتبرة في رواية الحديث، ويكشف هذا الكتاب عن بُنى هذه الكتب وما أُسست عليه في تدوينها وتأليفها ومقاصدها، ويدفع عنها أوهاماً تسربت إلى بعض العلماء بسبب الغَفْلة عن أسمائها الكاملة الدقيقة وما اشتملت عليه، وطبع في بيروت.

ويعد الكتاب مثالاً حيّاً من أمثلة الوالد رحمه الله في التحقيق والتنقيح والتأليف.

11  الإسناد من الدين، بيَّن فيه الوالد رحمه الله فضل الإسناد واهتمام العلماء به في تلقي الحديث الشريف وغيره من العلوم، ونبَّه فيه إلى مباحث هامة تتصل بهذا الموضوع.

وهذا الكتاب فضلاً عن كونه بياناً لعناية المحدثين بالإسناد الحافظ للسنة من الدَّخل والدَّغَل في حقيقته منافحةٌ وذبٌّ عن حياض الإسلام، فإن الدين الإسلامي شُرِّف وامتاز دون سائر الأديان بخصيصة الإسناد. وقد طبع في بيروت في 81 صفحة. وسُرق أكثر من مرة!

وقد كان للوالد غمر الله قبره بالرحمة اهتمام إلى جانب ما تقدم بعلم رجال الحديث وكتب رجال الحديث، فهي المرقاة الأولى التي يرقى بها المحدِّث إلى معرفة الصحيح من السقيم، فأخرج  سوى كتاب «لسان الميزان» :

12  كتاب خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ الخزرجي اليمني، وهذا الكتاب من أفضل الكتب المختصرة في معرفة الرجال، كما شرح ذلك الوالد رحمه الله في مقدمته له التي بلغت 40 صفحة، وبيَّن مزاياه على مزايا «التقريب» للحافظ ابن حجر سوى ذكر الحكم على الراوي بتعيين حاله ضعفاً وقوة.

وكان هذا الكتاب مجهولاً تاريخ مؤلِّفه وتاريخ مُحشِّيه، فاهتدى الوالد نوّر الله قبره بتنقيبه الدائب إلى ترجمة المؤلف بالإجمال، وإلى تعيين بلده، وإلى ترجمة مُحشِّيه والمعلِّق عليه باستيفاء، وترجم لهما في مقدمته للكتاب، وأتحف القراء بتصحيح أغلاط وتحريفات كثيرة خطيرة وقعت في طبعة الكتاب البولاقية، فذكر صفحات طوالاً في بيانها وكشف تحريفها دون قصد استيفائها، وطبع الكتاب أربع مرات في بيروت.

كما قد خدم الوالد طيّب الله ثراه علم مصطلح الحديث خدمة جُلّى، فنشر وحقق جملة واسعة من كتبه الهامة المتميزة، مع تحقيقات وتعليقات وحواشٍ محرِّرة مبصِّرة، ومنها:

13  كتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للإمام عبد الحي اللكنوي الهندي نادرة المحققين المتأخرين، الذي عاش 39 سنة وأربعة أشهر، وترك من المؤلفات أكثر من 115 مؤلَّف في علوم متعددة، وفي دقائق العلم ومباحثه العصيبة، وُلد سنة 1264، وتوفي أول سنة 1304. وكلُّ كتبه ورسائله تتميز بالتحقيق والإفادات الغالية.

وهو أول كتاب أُلِّف في موضوعه الهام، وأدى خدمة عظيمة لدارسي الحديث الشريف ورجاله وبخاصة معرفة قواعد الجرح والتعديل، فكان هذا الكتاب رائداً فريداً في بابه، وكانت حاشيته الضافية الوافية المتنوعة مجمع النفائس والفرائد والتحقيقات، وقد كان أصله في نحو 20 صفحة، فخرج بعد الخدمة له والتعليق عليه في طبعته الأولى في 272 صفحة، وفي طبعته الثانية 394 صفحة، وفي طبعته الثالثة والرابعة 564 صفحة، وسيصدر قريباً إن شاء الله في طبعة مزيدة ومنقحة، وهو المرجع الرائد في موضوعه على كثرة ما تلاحق من التآليف بعده في موضوعه من المعاصرين المجيدين وغير المجيدين.

وقد استفاد واقتبس منه ونقل عنه كثيرون بعزوٍ وبدون عزوٍ!

14  كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث للحافظ الذهبي، وهذا الكتاب فريد للحافظ الذهبي في موضوع المصطلح، حققه الوالد رحمه الله من مخطوطتين، وعلّق عليه وضبطه وأوفاه حقه، وألحق بآخره خمس تتمات تتصل بمباحثه، جاء فيها بالفريد المفيد، وبخاصة ما يتعلق بكتاب «صحيح مسلم» وشَرْط مسلم فيه، وردِّ مسلم على من خالفه في شرطه، وبيان اسمه وأثر هذا الاختلاف، وبيان وجاهة مذهب مسلم، وبخاصة أيضاً مسألة تكفير أهل البدع والأهواء، وخرج الكتاب بأبهى حلة قشيبة مع فهارسه في 220 صفحة. وطبع في بيروت أربع مرات. وسرق مرة.

وللوالد عليه مزيد تعليقات وتحريرات نفيسة يسَّر الله إخراجها.

15  كتاب قفو الأثر في صفو علوم الأثر للإمام العلامة ابن الحنبلي الحلبي الحنفي، في 140 صفحة، وهو كتاب استخلص فيه مؤلفه كتب المصطلح التي دوِّنت قبله، وحرَّرها ونقَّحها، وعرضها صافية شافية باختصار غير مُخِلٍّ، وباستيعاب غير مُمِلٍّ، حققه الوالد غفر الله له وطبعه في أبهى حلة وإخراج، وهو كتاب يصلح للدراسة الجامعية لتوسطه طولاً، واستيفائه بحوثاً، بتحرير وإتقان.

16  كتاب بلغة الأريب في مصطلح آثار الحبيب للإمام الحافظ المرتضى الزَّبيدي شارح «القاموس» و «الإحياء»، ترجم فيه الوالد رحمه الله لمؤلفه ترجمة وافية شافية، وضَبَط نصوص الكتاب وشرح مُغْلَقه، وخدمه بعناية كاملة وإخراج جميل، وطبعه مع كتاب «قفو الأثر» في مجلد واحد. وطبع في بيروت في نحو 100 صفحة.

17  جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل، وهي أسئلة مُشْكِلة، وجَّهها بعض كبار المحدثين من معاصري الحافظ المنذري له، ورغب في إجابته عنها، فأجاب عنها بأوفى بيان وجلَّاها خيرَ تجلية، فجاءت متممة سادة لثغرات كانت أمام المحدثين لا بد من الجواب عنها. وقد اعتنى الوالد رحمه الله بهذه الأجوبة ووشّاها بتعليقات محرِّرة محرَّرة. وطبع في بيروت في 100 صفحة. ومعه:

18  رسالة أمراء المؤمنين في الحديث بقلم الوالد رحمه الله، جمع فيه أسماء من لُقِّبوا بلقب أمير المؤمنين في الحديث، من أول القرن الثاني إلى ما بعد القرن العاشر، فبلغوا 26 عالماً، وذكر فيه أيضاً أمراء المؤمنين في الفقه والعربية، فكان تحفة طريفة فريدة في موضوعها وطرافتها، طبع في بيروت في أكثر من 50 صفحة.

19  كتاب لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، من تأليف الوالد رحمه الله، وهو كتاب متميزٌ من 252 صفحة، حوى مباحث من علوم الحديث في تاريخ بدء وضع الحديث، وأسبابه، ونتائجه، وكيف عالجه العلماء المحدثون ونبه إلى ما بذلوا في مقاومته من جهود عجيبة، فأحاطوا السنة المطهرة بسياج المناعة من أن يدخل عليها دخيل، أو يُعمَل فيها بحديث مختلَق مكذوب، ونَبَّه إلى سقطات وتحريفات بالغة وقعت لبعض العلماء. وطبع الكتاب أربع مرات في بيروت وباكستان.

وأخذ مضمونه كثيرون وعزوه لأنفسهم دون أدنى إشارة.

20  كتاب المصنوع في معرفة الحديث الموضوع للعلامة الشيخ المُلَّا علي القاري الهروي ثم المكي، الذي زادت مؤلفاته النافعة على أكثر من خمسين مؤلفاً، ومنها هذا الكتاب الهام. وقد تولى الوالد أكرمه الله بالرضوان تحقيق أحاديثه وبيان درجتها وذكر ما يغني من الحديث الصحيح عن الحديث الموضوع فيها، وقدّم له بمقدمة واسعة حافلة بلغت 42 صفحة قرر فيها ضوابط وقواعد كانت سائبة عائمة، فجمعها وأسسها على منطلق صحيح ومعنى واضح، ونبَّه في تعليقاته على أغاليط وأوهام وقعت لبعض العلماء من الاعتماد في تصحيح الأحاديث على الكشف الذي يقول به بعض الصوفية، وهو بَهْرجٌ من القول مخالف لما أُسِّس عليه الدين والشرع المبين، وطُبع الكتاب أربع مرات في بيروت والقاهرة، في أكثر من 340 صفحة.

21  المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام ابن القيم، وقد أحسن الوالد رحمه الله جداً في خدمة هذا الكتاب وإخراجه، لأنه كتاب أراد مؤلفه حياطة السنة المطهرة من الحديث الموضوع وأكاذيب القصاص والوعاظ والمرتزقين بنشر الخرافات والبواطيل، وقد تميَّز هذا الكتاب الفريد على الكتب المؤلفة في الموضوعات بذكر قواعد وضوابط ترشد العالم إلى معرفة الحديث الموضوع والخبر المكذوب والأساطير المفتعلة، فإخراج هذا الكتاب وإحياؤه بالخدمة والعناية الجذابة يساعد على تنقية الثقافة الإسلامية من الشوائب والخرافات التي علِقت بأذهان كثير من الناس. وقد طبع أربع مرات في بيروت والرياض والقاهرة في 224 صفحة. كما سُرق مرتين على الأقل.

22  كتاب ظَفَر الأماني في شرح مختصر السيد الشريف الجرجاني للإمام عبد الحي اللكنوي، وهذا الكتاب تميّز في علم مصطلح الحديث بالنقاش والمراجحة بين الأقوال في المسائل المعضِلة كمسألة «العمل بالحديث الضعيف» و «الحديث الحسن» و «الحديث المرسل» و «الحديث المنكر» وسواها من أبحاث المصطلح التي جرى للعلماء خلاف فيها بين المحدثين والفقهاء، كما أن فيه تعقبات دقيقة للحفاظ الجهابذة الكبار، كالعراقي وابن حجر والسخاوي وغيرهم.

وقد تميزت كتب اللكنوي بعامة، وهذا الكتاب بخاصة، بآثار إمامته وتحقيقه وحسن اختياره لما يرجحه ويختاره، ولِمَا تحلّى به هذا الكتاب الكبير من مزايا وفرائد، اعتنى الوالد رحمه الله بخدمته وتحقيقه وضبط نصوصه وتقويم تحريفاته الواقعة في الأصل، وعلّق عليه بإيجاز حيناً، وبإطناب حيناً، حسبما يقتضيه المقام، وبلغ هذا الكتاب بفهارسه العامة 620 صفحة. وطبع في بيروت.

وقد طَبَعت دار الكتب العلمية ببيروت هذا الكتاب، بعد أن جرّدته من اسم الوالد رحمه الله وتعليقاته، وأخذت الكتاب بما هو بفقراته وضبطه وشكله، بدون أدنى إشارة إلى عمل الوالد وجهده فيه، مخالفة في ذلك أصول التحقيق والأمانة العلمية، والله الموعد.

23  كتاب توجيه النظر إلى أصول الأثر للعلامة الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي، وهذا الكتابُ أوسعُ كتابٍ أُلِّف في مصطلح علوم الحديث في القرن الماضي، ويتميز هذا الكتاب بتمحيص المسائل التي وقع فيها الخلاف للعلماء واضطربت فيها الأنظار، فحرَّرها المؤلف وأطال النفس في استيفاء أطرافها وترجيح الراجح منها، وطبع بهذه العناية من التحقيق والتعليق والتخريج لنصوصه ومصادره لأول مرة، وكانت طبعة المؤلف له من نحو 80 سنة في 416 صفحة، ثم صُوِّر عن طبعته مرات نظراً لشديد الحاجة إليه، حتى نهض الوالد طيّب الله ثراه بخدمته واعتنى به، ففصَّل مقاطعَه وجُمَله، وضبط ألفاظه وعباراته وعلّق عليه، وربط بين نصوصه وإحالاته، ووضع له الفهارس العامة ليسهل الرجوع إليه والاستفادة منه، ثم ألحق به رسالة الحافظ ابن الصلاح في وصل البلاغات الأربعة في موطأ الإمام مالك ، فخرج في مجلدين كبيرين بأبهى حلة وأنضر إخراج، بأكثر من ألف صفحة بفهارسه العامة. وطبع في بيروت.

24  رسالة الحافظ الذهبي: ذكرُ من يُعتمد قوله في الجرح والتعديل وهي من تآليف الحافظ الذهبي التي تميزت بالجِدَّة والمتانة والاستيفاء، ذكر فيها ما يزيد على 715 عالم تكلموا في جرح الرواة وتعديلهم، من صدر الإسلام إلى عصر الذهبي، وقد اعتنى بها الوالد برّد الله مضجعه من مخطوطتها الوحيدة، وضبط الأسماء والألقاب والكنى فيها حتى استكملت كمالَها وإفاداتِها بسهولة ويُسر لكل حديثِيٍّ وعالم. وطبعت في بيروت ولاهور خمس مرات في 150 صفحة.

25  المتكلمون في الرجال للحافظ السخاوي، وهو في موضوع رسالة الحافظ الذهبي ومنتخب منه، اقتصر فيه السخاوي على أشهر علماء الجرح والتعديل من صدر الإسلام إلى عصره فبلغوا نحو 210 عالم. فترجم الوالد رحمه الله لهؤلاء العلماء جميعاً بتراجم متوسطة عرَّفت بهم وبآثارهم الحديثية. وطبع في بيروت ولاهور والقاهرة في 70 صفحة خمس مرات.

26  قاعدة في الجرح والتعديل وقاعدة في المؤرخين للحافظ تاج الدين السبكي، شرح فيهما شروط الجرح والتعديل وما يُقبل منهما وما لا يُقبل، مع التمحيص لكل شرط وأساس في هذين العلمين: التاريخ، والجرح والتعديل، حققها الوالد غفر الله له وعلق عليها بإفاضة وإيفاء. وطبعت في بيروت والقاهرة ولاهور ست مرات في 80 صفحة.

27  شروط الأئمة الخمسة للحازمي، وموقع هذا الكتاب عند المحدثين مرموق جداً، لما عُرف به الحافظ الحازمي من الدقة والإتقان العالي، والإفادات النفيسة. وهو من المراجع الهامة لمعرفة شروط البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وهذا الكتاب ولاحقه يبلغان نحو 150 صفحة.

28  شروط الأئمة الستة للحافظ ابن طاهر المقدسي، وهو من بابة الكتاب السابق، وعلى منواله، وكلاهما خدمهما الوالد رحمه الله بالتحقيق والتعليق والمقابلة بأصول موثقة.

29  رسالة الإمام أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه، وهي ذات موقع عظيم في بابها، ولا يستغني عنها قارئ السنن، مقابلة بأكثر من أصل مخطوط، بعد التعليق عليها وخدمتها على الوجه الأمثل.

وقد صدرت هذه الرسائل الثلاثة الأخيرة بعد وفاة الوالد رحمه الله، في مجلد واحد بعنوان: ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث. كما صدر بعد وفاته رحمه الله:

30  كتاب الإمام ابن ماجَهْ وكتابه السنن للشيخ العلامة المحدِّث محمد عبد الرشيد النعماني حفظه الله، وهو أوّلُ كتاب جامع في موضوعه، وقد جعل له مؤلفه مقدمة هامة حول تدوين الحديث وتاريخه في القرون الثلاثة الأول، مع تعرضه لشروط الأئمة الأربعة المجتهدين والأئمة الحفاظ أصحاب الكتب الستة، وإبرازه عناية العلماء بسنن ابن ماجه، ومؤلفاتهم فيه، كما أضاف عليه الوالد رحمه الله تحقيقات وتعليقات نافعة جداً، وقد طبع ببيروت في 290 صفحة.

وقد خدم الوالد رحمه الله عدداً من الكتب الحديثية، وتوفي عنها، مثل:

31  مبادئ علم الحديث وأصوله للعلامة المحقق شَبِّير أحمد العثماني الهندي ثم الباكستاني، مؤلف الكتاب الممتع الغني بالتحقيق «فتح المُلْهِم بشرح صحيح مسلم» وهذا الكتاب مقدمة هذا الشرح الجليل، اعتنى به الوالد رحمه الله عناية بالغة في تخريج نصوصه وضَبْطها واستكمال ما يتصل بمباحثها، وهو في أكثر من 500 صفحة.

32  مقدمة كتاب التمهيد للحافظ ابن عبد البر الأندلسي، بخدمةٍ وتعليق وافٍ على موضوعاته ومسائله، وهو من أقدم ما كُتِبَ في علم مصطلح الحديث، ويخرج في 120 صفحة. ويطبع مستقلاً عن التمهيد لأول مرة.

وغيرها مما أسأل الله العون في تيسير إخراجه، فهو أكرم الأكرمين وخير معين.

الحلقة السابقة هــــنا