موقف لا ينسى في حياة العلامة الشيخ الشهيد أديب الكيلاني رحمه الله تعالى

 

في ربوع حماة الأبية ، وفي حيِّها العامر المسمى بالحاضر، وفي أحد مساجدها الواسعة "مسجد المناخ"، كان الشيخ العلامة الشهيد أديب الكيلاني رحمه الله يقيم فيه درسه يوم الثلاثاء في علم التوحيد بين المغرب والعشاء ، وكان الحضور يفوق حضور صلاة الجمعة، وتشعر كأن الأرض قد اتصلت بالسماء عند إلقاء الدرس بصوته الندي، وهدير العلم والإيمان، وتحقيقه لأدق مسائل العقيدة بأسلوب علمي رصين، وقد استطاع إيصال المعلومة بطريقة مبسطة لتتناسب مع كل الشرائح المثقفة وغير المثقفة.

وفي نهاية الدرس بعد أذان العشاء يبدأ الشيخ مناجاة بدعاء خاشع، وتضرع فيه الخشية والإنكسار، والناس يؤمنون، وترتفع الأصوات بالبكاء، فتظلِّـلهم الرحمات، وتعلوهم السكينة.

وفي أحد الأيام خرج الشيخ من درسه، ومئات الناس من حوله، وإذا برجل من أهل السودان ، نحيف الجسم ، بسيط اللباس، أشار للشيخ يريده بحديث خاص، فترك الشيخ الجموع ، وأقبل على هذا الرجل، وما هي إلا لحظات فعاد الشيخ وقد انتقع لونه، واصفر وجهه، وارتعدت فرائصه، فقيل له : يا شيخ والله لقد عدت إلينا بغير الوجه والحال الذي تركتنا عليه،  فما الذي حصل معك ؟؟!!!.

فأجاب الشيخ : 

لقد قال هذا الرجل كلمةً أثرت فيّ نفسي أيما تأثير ، لقد هَمَسَ في أذني قائلا : ( الناس ينظرون لظاهرك ، والله ينظر لباطنك).

ثم قال الشيخ: 

( أجل يا أحبتي، إن الله سبحانه يرسل لعبده من يذكِّـره، ويضع له كوابح حتى لا تغره نفسه بكثرة اجتماع الناس حوله، فلا يصاب بكبر أو طغيان، وليجدد دائما نيته فلا يريد بعمله إلا وجهه الكريم ) .

وهذا ذكَّـرني بمقولة رائعة أخذها هذا الرجل الصالح السوداني من العالم الرباني الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى حيث قال :

 ( الخلق ينظرون إلى ظاهرك، والخالق ينظر إلى باطنك، فاحذر أن تُزيّن محل نظر الناس، وتُقبّح محلّ نظر الله عزوجل ) .

فما أجمل تلك الذكريات في ربوعك يا حماة الإباء ، وما أروع مساجدك ومجالس العلم فيها .

 

أحنُّ إلى ربوع  حماةَ  شوقاً   *  و أذكرُ  ماضياً  عذباً  جميلا

نواعيرُ    المياه    بلا    فُتورٍ    *    تقلِّبُ  في  حماةَ   السَّلسبِيلا

أحنُّ إلى  أبي  و أخيْ  و أمّيْ  *  و أذكُرُ يومَ أزمعتُ  الرّحِيلا

تقولُ الأمُّ: يا طفليْ  سلاماً    *    و ربُّ الكونِ يَهديكَ السَّبيلا

إذا بَعُدتْ ديارُ الأهلِ  عنّي     *     غدَا  قلبيْ  بساحتِهِمْ   نَزيلا