فضيلة الشيخ د. محمد ياسر المسدي – في ذمة الله

استيقظت صباح الجمعة على نبأ وفاة الأخ العزيز الشيخ ياسر المسدي – أبا عمار – الذي عرفته قرابة 40 سنة ، حيث وافته المنية مساء يوم الخميس 26 يناير 2017 في مدينة الدوحة في قطر، ثم وري جثمانه الثرى اليوم بعد صلاة الجمعة في مدينة الدوحة.

 

ماذا أكتب بحقك أيها الأخ الغالي أبا عمار ، وبماذا أرثيك؟

فهل يستطيع القلم والعقل والفكر في لحظات معدودة أن يضغط نصف قرن من الزمان ليسطر أعمالك النبيلة خلال حياتك كلها ؟

 

هل يستطيع القلم في أسطر معدودة أن يصف شخصية مثلك حملت لنصف قرن هم الناس البؤساء والضعفاء والفقراء والمحتاجين والطلاب؟

 

ماذا أكتب وماذا أقول ؟

فشوارع حمص وسوريا وعنتاب وأنطاكيا وطرابلس ولبنان وجدة ومساجدها ومنتدياتها وأهلها حزينة على فراقك وتبكي لفقدانك ...

لقد كنت مدرسة وجامعة حوت في مكتباتها وكلياتها قيما ومعان يندر وجودها في كثير من جامعات الكون هذه الأيام ...

عشت حياتك كلها للآخرين ،،، عشت حياتك كلها لتدخل السعادة والبهجة والسرور على المنكسرة قلوبهم من الأرامل والأيتام والطلاب في كل بقاع الأرض ....

فمشوارك لم يبدأ قبل ست سنوات مع الثورة السورية كما يظن البعض ،،،

مشوارك الطويل بدأ منذ خمسين سنة ،،،

سلواعن الشيخ ياسر أكبر المؤسسات الرائدة في العمل الإنساني في جدة : "مؤسسة عبد اللطيف جميل " ( وكلاء شركة تويوتا ) حيث كان مديرا فيها ،،،

سلوا عن الشيخ ياسر أهالي أندونيسيا شرقا وأهالي نيجيريا غربا ،،،

سلوا عن الشيخ ياسر أهالي الصومال والسودان ومالي والسنغال وموريتانيا وقرقيزيا وكازاخستان ولبنان  ،،،

سلوا عن هذا الإنسان العظيم الذي حمل هم أمة بأكملها،  فجاب البلاد شرقا وغربا لأكثر من 35 سنة يقف عند حاجات الناس ويستمع لهمومهم وآلامهم ، ويقدم لهم المدارس والتعليم والصحة والغذاء والكساء والدواء ،،،

 

لم تحده حدود ولم تقيده قيود ،،، فقد قرر أن يكسر القيود التي تكبل الإنسان  ،،، ويصعد بروحه في فيضانات العطاء والبذل والتضحية ،،، لأنه ذاق طعم العطاء ولذته ،،، ذاق طعم التضحية وماذا تعني ،،، فهم معنى الوجود وما هو دور الإنسان في هذه الحياة القصيرة ،،، فحطم السلاسل والأغلال الزائفة ،،، وانطلق كالنسر المحلق في أعالي السماء ينزل في مكان ويهبط في آخر ،، ليستمع و يرى وينقل بأن هناك أقواما في هذا الكون، هم بشر مثلنا ، قد حطمها الحرمان واليأس والجهل والذل والفقر ،،، فهب هبة الصادق الأمين إليهم ،، ووقف بجانبهم وقفة الأب الحاني العطوف الرحيم ،،،

ثم جاءت الآلام الفظيعة على الشعب السوري في محنته الإنسانية الرهيبة ،، فوقف بجانبهم وبذل كل ما يملك في خدمتهم ، وقدم لهم المدارس والتعليم ،، وواسى جرحاهم ،،، وتفقد أراملهم ،،، ومسح على رؤوس أيتامهم ،،، وجبر كسر فقرائهم ،،، فكان كالمطر المنهمر ينزل على لجوئهم ومخيماتهم ،،،،

 

لا يمكنني أن أصف هذا الإنسان وأن أعطيه حقه الذي يستحقه منا ،،، رحمك الله يا شيخ ياسر يا أبا عمار ،، وعزاؤنا الوحيد أن الفراق مؤقت ،  فأنت قد رحلت إلى الرفيق الأعلى ، وقد وفدت على أكرم الأكرمين الذي يكرم عباده أجمعين، وقد قدمت في حياتك ما قدمت من أعمال البر والخير التي يشهدها كل من عرفك فكانت زادك للآخرة.

ولكن يا حسرة علينا نحن ،،، ياحسرة على تقصيرنا ،،، يا حسرة على كسلنا وضعف همتنا ،،، فعسى ونرجو أن يكون موتك حافزا لنا كي ننهض ،،، كي نحطم القيود ،،، كي نفهم معاني العطاء والبذل الحقيقي ،،، وأن نتعلم من حياتك معاني التضحية الحقيقية،،،،

صبرا يا أم عمار ،،،، صبرا يا عمار ،،، صبرا يا أبناء وبنات الشيخ ،،، صبرا آل المسدي ،،، صبرا أهالي حمص ،،، صبرا أهالي سوريا ،،، صبرا ياعلماء سوريا ،،، صبرا ياأخوة أبي عمار وأحبابه وأصدقائه ،،،

هذه هي سنة الكون ،،، فالحياة لن تدوم لأحد ،،، ولكن طوبى لمن ترك بصمات لامعة براقة في مجتمعه الذي يعيش فيه قبل أن يرحل ،،، طوبى لمن ينام هنيئا سعيدا في هذا القبر الصغير الذي يوسعه الله على عباده الذين قاموا بمهمتهم الحقيقية خلال حياتهم التي منحهم إياها،،،

 

تمنيت أن أقف على قبرك أيها الأخ الغالي ،،، فهذا هو أقل الواجب الذي نستشعر فيه تجاهك ،، ولكن حال بيننا الزمن والمسافة ،،،

 

رحمك الله ،،، آنسك الله ،،، وهنيئا لك مثواك الأخير بعد حياة حافلة بالتضحية والعطاء ،،،