الشيخ العلامة الدكتور أبو السادات محمد  أبو شهبة رحمه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

 

 

الشيخ محمد أبو شهبة عالم موسوعي علم من أعلام الحديث في هذا العصر، مفسر جليل صاحب غيرة على الكتاب والسنة، وقضى حياته على خدمتهما، وله مؤلفات قيمة نافعة. ولم يأخذ الشيخ حظه من الشهرة، ولا يعرفه إلا  طلاب العلم الجادون، فالشيخ ممن عمل بصمت، ولم يكن ساعياً لشهرة أو مكانة، وكان يكنى بأبي السادات، وقال في مقدمة السيرة النبوية: لقد منّ الله علي بثلاثة ذكور: محمد رضا، أبو بكر، وعمر فلم يكن أحب إلى نفسي من هذه الكنية.

النشأة والتعليم

ولد الشيخ رحمه الله في قرية: منية جناح الواقعة على ضفاف النيل، والتي تتبع لمحافظة كفر الشيخ في 25-شوال 1332ه الموافق: 15-9-1914م، وأسرة أبو شهبة إحدى الأسر العربية التي اشتهرت بالفروسية وحب الجهاد في سبيل الله.  

دفع به والده رحمه الله إلى كتّاب القرية وهو في سن الرابعة لتعلم القرآن الكريم والقراءة والكتابة وأصول الدين، وقد منّ الله عز وجل عليه بحفظ نصف القرآن الكريم وهو في سن التاسعة، وكان والده قد نذره من أول يوم من ولادته للقرآن الكريم وحضور حلقات العلم في الأزهر.

انتقل الشيخ من الكتّاب إلى المدارس الأولية، وحصل على  الشهادة الأولية وهو في سن الثانية عشرة، وقد حفظ في المدارس الأولية النصف الباقي من كتاب الله عز وجل. 

التحق الشيخ بمعهد دسوق الديني سنة 1344ه-1925م، ثم التحق بمعهد طنطا الثانوي سنة 348ه-1930م.

وفي سنة 1335ه – 1935م التحق الشيخ بكلية أصول الدين، وأخذ الشهادة العالية سنة 1357ه-1939م وكان من الطلاب الأوائل، ثم التحق بالدراسات العليا: شعبة التفسير والحديث، ونجح في الامتحان التمهيدي للعالمية عام 1363ه-1944م، وناقش رسالة الدكتوراه أمام لجنة خماسية من كبار العلماء فنالها بامتياز في شهر ذي الحجة سنة 1365ه نوفمبر 1946م.

تدريسه وعطاؤه

أعير الشيخ في وقت مبكر إلى المملكة العربية السعودية للتدريس في المعهد العالي الذي صار فيما بعد كلية للشريعة، ووضع المناهج الدينية والعلمية في السعودية، وقضى أربع سنوات بجوار بيت الله الحرام. 

أعير الشيخ إلى كلية الشريعة في جامعة بغداد سنة 1342ه 1963م وأقام بها عاماً وكان له درس في جامع الإمام أبي حنيفة النعمان في بغداد.

عين مدرساً في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر في شهر رجب 1384ه ديسمبر 1964م

ثم رقي إلى أستاذ مساعد، ثم أستاذ إلى أن وصل إلى رتبة العمادة.

وفي عام 1345ه 1966م أعير للجامعة الإسلامية بأم درمان في السودان، فمكث فيها ثلاث سنوات، وكانت الجامعة توفده في كل رمضان إلى غرب السودان للدعوة هناك.

كلية أصول الدين بأسيوط

 في شهر رجب سنة 1389ه أكتوبر 1969م: أسس الشيخ كلية أصول الدين التابعة لجامعة الأزهر في أسيوط، وهي أول فرع لجامعة الأزهر في مصر، وكان هو عميدها، وما زال يسير بالكلية حتى اكتملت سنواتها الأربع في عام 1393ه 1973م حيث تخرجت أول دفعة في هذا العام، وما زال الشيخ يسعى بالنهوض في هذه الكلية حتى أنشأ في هذا الفرع كلية الشريعة والقانون، وكلية اللغة العربية.

أعير الشيخ في أخريات حياته بعد عام 1974م إلى جامعة أم القرى ودرّس فيها التفسير والحديث وجاور ببيت الله الحرام.

آثاره العلمية والدعوية

كان الشيخ رحمه الله من العلماء البارزين في العطاء والنشاط، وكان الأنموذج الأمثل والقدوة المثالية لأهل العلم والفضل، يسعى لخدمة دينه وأمته وتراثها. 

وكان الشيخ ينصح بالقراءة للمتقدمين كما نقل عنه تلميذه أحمد معبد عبد الكريم-حفظه الله- فكان يقول: إذا قرأت للمتقدمين صرت سابقاً للمتأخرين، وإذا قرأت للمتأخرين جعلوك وراءهم.

دعوته ونشاطه عبر وسائل الإعلام

وكان للشيخ رحمه الله دروس إذاعية في إذاعة القرآن الكريم (قراءات من صحيح البخاري)، وله دروس أذيعت على الإذاعات المرئية والمسموعة على إذاعة القرآن الكريم في السعودية وفي مصر والعراق والسودان، وكتب الشيخ في كبرى المجلات الدينية والعلمية والأدبية في مصر وغيرها من بلاد الإسلام، وألقى الكثير من المحاضرات وحضر الكثير من الندوات.

تلاميذ الشيخ

من الطبيعي أن يكون  قد تتلمذ على عالم كبير من أمثال الشيخ أبي شهبة المئات من طلاب العلم والأساتذة وهو الأستاذ الجامعي الكبير، وقد ناقش وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، ومن أسماء طلابه وتلاميذه التي وقفت عليها:

1-الشيخ العلامة الأصولي الفقيه أحمد بن منصور بن حسين سبالك، فقد قرأ عليه الحديث وعلومه والسيرة والنبوية.

2-الشيخ الدكتور محمود عبيدات من الأردن، أستاذ علم الحديث في كلية الشريعة بجامعة اليرموك في إربد.

3-الشيخ المحدث المحقق الأستاذ الدكتور أحمد معبد الكريم

4-الشيخ أحمد مصطفى فضيلة

5- عبد الوهاب بن لطف بن زيد الديلمي في جامعة أم القرى.

6-الشيخ أسامة خياط إمام وخطيب المسجد الحرام.

7-ربيع بن هادي عمير المدخلي، وأشرف على رسالته في الماجستير في تحقيق كتاب: النكت على ابن الصلاح للحافظ أحمد بن حجر في جامعة الملك عبد العزيز.

8- الشيح المفسر والمسند: مجد بن أحمد مكي الحلبي وحضر مجالسه في المسجد الحرام في مكة المكرمة، وحضر العديد من مناقشاته لرسائل الدكتوراه.

9- الشيخ عبيد الحازمي وقد ناقش له رسالته في الماجستير بعنوان: الزهري المحدث في جامعة أم القرى سنة 1400ه.

10- زاهد شاه محمد إسماعيل، وناقش له الشيخ رسالته في الماجستير في جامعة أم القرى، وهي بعنوان: الرواية في الإسلام عند المحدثين سنة 1398ه

 

مؤلفاته 

كوّن الشيخ مدرسة علمية من طلابه ومريديه تعنى بالقرآن وعلومه والسنة وعلومها في مصر وفي غيرها من البلاد العربية والإسلامية، وترك الشيخ آثاراً نافعة ومؤلفات قيمة في القرآن وعلومه والحديث وعلومه ورجاله ونافح فيها عن الإسلام، ورد فيها على شبه الأباطيل، ولا يزال طلاب العلم ينتفعون بكتبه ومؤلفاته إلى هذا اليوم وهي:

1-المدخل لدراسة القرآن الكريم، وقد طبعته دار اللواء في السعودية في مجلد واحد 1407ه-1987م. وكتابه هذا من أمتع الكتب التي ألفها وهو من المراجع المهمة في علوم القرآن، وهو  في الأصل مذكرات كتبها لطلاب الدراسات العليا في جامعة الأزهر، ثم قام بجمعها وتنقيحها، وأخرجها في كتاب مستقل في مجلدين، وبلغت صفحاته نحو الخمسمائة صفحة، ومما يمتاز به هذا الكتاب أنه يورد الشبهة ويرد عليها بأسلوب علمي رصين بالدليل، وقد توسع الشيخ فيه فيما يتعلق بالأحرف السبعة والمصاحف العثمانية.

 2-الإسرائليليات والموضوعات في كتب التفسير، طبع في مكتبة السنة في القاهرة الطبعة الرابعة 1408ه.، وطبع في دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1413ه، ذكر فيه الروايات الباطلة التي  أكثر من ذكرها الكثير من المفسرين في كتبهم، وبين فسادها وبطلانها، وهو من أحسن الكتب التي توضح الإسرائيليات في كتب التفسير, وقد ناقش الشيخ رسالة رمزي نعناعة في هذا المجال أيضاً، وبحضور الشيخ محمد حسين الذهبي، وقيل أن نعناعة أخذ بحثه من كتاب الإسرائيليات في التفسير والحديث للشيخ الذهبي.

3-الدفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين: طبع في مكتبة السنة.

 وهو في الأصل مقالات في مجلة الأزهر ثم تحول إلى كتاب، عرّف الشيخ فيه بالسنة ومعالمها، ومكانتها وحجيتها، وعناية السلف بها، ومراحل تدوينها والرواية بالمعنى، ورد فيه على كتاب أضواء على السنة للمغرور بالمستشرقين أبو رية، وقد ردّ على استشهاده بالأحاديث الموضوعة وكذبه وافتراءه على سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، وسيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وتجنيه على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفضح نقولاته الكاذبة وخيانته العلمية. 

4- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، مجلدان، طبعت في دار البشير في جدة، نشرته دار العلم للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق وبيروت الطبعة الثانية سنة (1412هـ) في مجلدين، وطبعت في دار القلم بدمشق الطبعة السابعة 1424ه-2003م، واعتمد على الترتيب التاريخي لأحداث السيرة النبوية،  ولم يكتف بسرد الأحداث التاريخية بل إن الشيخ –رحمه- الله كان يعلق على أحداث السيرة وينتزع بعض الدروس والعبر ويعلق تعليقات مفيدة، كان الشيخ قد أخرج هذا الكتاب لأول مرة من الهجرة إلى الوفاة، ثم أكمله الشيخ وبيض القسم الأول منه في الروضة الشريفة المباركة، ومما يمتاز به هذا الكتاب: أن الشيخ قد عني فيه بذكر الآيات القرآنية التي تتعلق بالحدث وكذلك يذكر الأحاديث النبوية فيما يتعلق بالحدث متجنباً الأحاديث المكذوبة والإسرائيليات، والأحاديث الشديدة الضعف، وردّ في كتابه هذا على المبشرين والمستشرقين المتحاملين على الإسلام ونبيه معتمدين على قصص وأخبار باطلة وشبه أوهى من بيت العنكبوت، ولم يجار ما ابتدعه بعض المعاصرين مثل هيكل وسليمان الجزائري الذين جردوا حياة النبي صلى الله عليه وسلم من المعجزات الحسية بزعمهم أنه يكتفى بالقرآن وأثبت في الكتاب أخبار المعجزات الحسية التي لا تخالف ضوابط الرواية المعتبرة عند أهلها بل إن الشيخ قد ردّ عليهم أيضاً، وقد عني أيضاً في هذا الكتاب: أنه يذكر التشريعات الإسلامية ولا سيما في القسم المدني الذي حفل بها، ولهذا السبب التزم التسلسل الزمني في السيرة والسنة وأحداثها، وقد منّ الله علي بالإفادة من هذا الكتاب  واستعنت به في إلقاء  دروس في السيرة النبوية في المسجد الذي كنت أؤم فيه  بعد صلاة العصر على مدى سنتين، وذلك عقب قضية الرسوم المسيئة عام 2005 عملاً بقوله تعالى (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) وقد اخترت هذا الكتاب بناءً على نصيحة الدكتور نور الدين العتر -حفظه الله -فقد أثنى الشيخ على كتابه، والشيخ أبو شهبة هو كذلك قرّظ كتاب منهج النقد للدكتور العتر.

 

5- أعلام المحدثين، طبع دار الكتاب العربي 1963، وفي مركز الشرق الأوسط في مصر وهو مختصر يتضمّن الكلام عن مشاهير علماء الحديث ومؤلفاتهم وشروحها.  .

5-  رسالة في الإسراء والمعراج: مكتبة السنة، مكتبة العلم بالقاهرة، 1411هـ-1990.

6-في رحاب السنة الكتب الصحاح الستة: طبعة مجمع البحوث الإسلامية 1389ه-1969م.

7- الوسيط في علوم مصطلح الحديث، تناول فيه شرح مصطلحات علم الحديث وألقاب المحدثين: مكتبة السنة، ط1 ـ 1403هـ/1983م ـ عالم المعرفة للنشر والتوزيع ـ جدّة.

8-شرح المختار من صحيح مسلم في ثلاثة أجزاء، مطبوع.

9-العلمانية: صدر عن المركز الإسلامي للدراسات والأبحاث ودار التوجيه الإسلامي بيروت الطبعة الأولى 1400ه-1980م

10-توفيق الباري في شرح صحيح البخاري في خمسة عشر مجلداً: غير مطبوع.

11- علوم الحديث ثلاثة أجزاء.

12- في أصول الحديث

12- الحدود في الإسلام مقارنة مع القانون الوضعي: مجمع البحوث.

13- الربا في نظر الإسلام وحلول المشكلة: مكتبة السنة.

14- تفسير سورة الواقعة.

 

وفاته

وبقي الشيخ طوال حياته يجاهد في سبيل العلم ونشره، ويقوم بحقه قولاً وعملاً إلى أن توفاه الله عز وجل في أيام عيد الفطر المباركة في صبيحة يوم الجمعة 5شوال 1403ه 15-7-1983م، عن عمر يناهز تسعة وسبعين عاماً، وصلى عليه جمع غفير من علماء الأزهر وطلابه،  وحشد كبير من المؤمنين في جامع الأزهر مؤتمين بالشيخ جاد الحق علي جاد الحق  -رحمه الله- ودفن الشيخ في مدافن الأسرة في مدينة نصر عليه رحمة الله، وبذلك فقدت الأمة علماً من أجلّ أعلامها، وفجع به طلاب العلم والمعرفة، عليه رحمات الله ورضوانه.

الذين كتبوا عنه

ممن اعتنى بالشيخ وكتب عنه: الباحث محمود رحمة وهي رسالة ماجستير في كلية أصول الدين غير مطبوعة، وهي بعنوان: الدكتور محمد ـأبو شهبة وجهوده في السنة النبوية.

وكتب عنه الشيخ أحمد مصطفى فضيلة كتاباً بعنوان: الدكتور محمد أبو شهبة حياته وآثاره.

وله ترجمة  يسيرة في ذيل الأعلام.

وهذا ما تيسر لي جمعه عن هذا الفاضل رحمه الله، وأسكنه الله بحبوحة الجنان مع سيد ولد عدنان وآله الطيبين الأخيار، ومن تبعهم بإحسان.

ورقمه الغريب في وطنه البعيد عن كتبه ومكتبته، وطلاب العلم، الفقير إلى رحمة الله سبحانه، والراجي مغفرته ورضوانه، ضياء الدين البرهاني الشافعي، غفر الله ذنبه، وستر عيبه و قبل عمله، وأكرمه وأهله وبلغه من أمر الدنيا والآخرة أمله.

والحمد لله رب العالمين.

في يوم الخميس 5ذي الحجة 1434ه 10-تشرين أول 2013

وفي هذا المقطع بعض من تفسيره للقرآن الكريم رحمه الله تعالى