حول بيع المرابحة أو المساومة للآمر بالشراء

نص الاستشارة :

أعمل في التجارة لكن ليس لدي محل تجاري ولا بضائع وإنما من يريد التعامل معي يتصل بي هاتفيا أو يأتيني إلى البيت أو يلتقي بي في مكان ما. والزبائن الذين يتعاملون معي يكونون ممن يحتاجون بضاعة محددة المواصفات كدواليب سيارات شحن مثلا ولكنهم لا يمتلكون المال ليشتروها نقدا وإنما يستطيعون شراءها تقسيطا على عدة أشهر. وعندما يطلبون مني بضاعة يحددون لي مواصفاتها فآخذ منهم المواصفات وأقوم بالسؤال عن سعرها في السوق. وبعد السؤال عن سعرها نقدا أضيف عليها نسبة من الربح ثم أخبر الزبائن بثمنها اﻵجل على أقساط معلومة القيمة والزمن بحيث تدفع على عدة أشهر متفق عليها. فإذا اتفقت مع الزبائن على السعر، أقوم بشراء البضاعة بناء على ما تم الاتفاق عليه مسبقا بأنهم سيشترونها مني، ثم أسلمها لهم. وبعدها يقوم الزبائن بدفع ثمنها لي أقساطا شهرية إما أول الشهر أو نهايته بحسب الاتفاق. وبهذا أنتفع من الربح الزائد عن سعر البضاعة النقدي وينتفع الزبون من امتلاك بضاعة مقسطة الثمن بحسب استطاعته.

فما حكم الشرع في هذه المعاملة؟ بارك الله بكم، وجزاكم خيرا. 

الاجابة

بداية أنصحك بأن تمارس التجارة بطريقة مباشرة، وذلك بأن تفتتح محلا تجاريا وتعرض فيه البضائع التي تطلب منك، وتبيع نقدا وتقسيطا كما تشاء، وذلك تجنبا للشبهات والتي ربما تقع بها، نظرا لعدم تملكك البضاعة مسبقا، فإن لم تتمكن من ذلك لسبب ما، فلا حرج إلى أن يهيئ لك الله عز وجل.

وهذه العملية التجارية التي تقوم بها تسمى ( بيع المرابحة للآمر بالشراء) أو ( المساومة للآمر بالشراء).

والفرق بينهما أنه في المرابحة يتم إعلام الزبون عن كلفة البضاعة وربحها أما في المساومة فيتم إعلام الزبون بالثمن الكلي للبضاعة فقط(1).

ويجوز للزبائن أن يشتروا بالثمن اﻵجل تقسيطا(2).

ويجوز السؤال عن سعر البضاعة المطلوبة للحصول على عروض أسعار إرشادية(3).

ويجوز إضافة نسبة من الربح تزيد على سعر البضاعة مقابل بيعها باﻷجل تقسيط(4).

ويجوز لك أن تتفق مع الزبائن أنك ستشتري البضاعة المطلوبة- لنفسك، لحسابك- بناء على رغبتهم وأنك ستبيعهم إياها بعد تملكك لها بسعر كذا ويكون هذا الاتفاق وعد منك بالبيع ووعد من الزبائن بالشراء وليس بيعا وشراء(5).

يحرم أن تبيع السلعة للزبائن قبل تملكك لها(6).

ويجوز لك بعد الاتفاق مع الزبائن على السعر وعلى البيع لهم، أن تقوم بشراء البضاعة ويكون اتفاقك السابق مع الزبائن مجرد وعد منك بقبول اﻷمر بالشراء والبيع لهم وكذلك وعد منهم بشراء البضاعة منك وفق الاتفاق السابق بعد تملكك لها(7).

ويجوز لك بعد شرائك للبضاعة المطلوبة وتملكك لها واستلامها أن تقوم ببيعها للزبائن، بعقد مستقل حينئذ، وتسليمها لهم وفق الاتفاق السابق، وههنا يجري اﻹيجاب والقبول في عقد البيع وما سبقه من إجراءات تكون عبارة عن وعود متبادلة(8).

ويجوز أن يقوم الزبائن بدفع ثمن البضاعة أقساطا شهرية إما أول الشهر أو نهايته بحسب الاتفاق(9).

ويجوز لك الحصول على التعويض عن الضرر الفعلي الناشئ عن نكول العميل في حال الوعد الملزم،  أي: عدم شراء الزبون للبضاعة بعد شرائك لها لتبيعه إياها في حال كان هناك وعد ملزم له بذلك مسبقا، ولم يشترها منك بعد شرائك لها بناء على طلبه، وبهذه الحالة يتحمل الخسارة الفعلية إن وقعت في حال أعدت بيع البضاعة بخسارة(10).

ويجوز لك أن تشتري البضاعة وتشترط على البائع حق الخيار لك خلال مدة معلومة، فإذا لم يشتر الزبون البضاعة يمكنك إرجاعها للبائع دون خسارة ضمن المدة المتفق عليها(11).

المصادر والمراجع:

(1) - قحف، منذر، 2011، أساسيات التمويل اﻹسلامي، كوالالمبور: اﻷكاديمية العالمية للبحوث الشرعية، ص85.

(2 )- المصدر نفسه. ص42.

(3) - هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية، 1435ه- 2014م، المعايير الشرعية، المعيار الشرعي رقم (8)، المرابحة للآمر بالشراء، البحرين: المنامة، ص108.

(4)- قحف، أساسيات التمويل اﻹسلامي، ص77.

(5)- المصدر نفسه. ص78.

(6)- هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية، المعايير الشرعية، ص112.

(7)- قحف، أساسيات التمويل اﻹسلامي، ص78.

(8 )- المصدر نفسه. ص79 -78.

(9)- هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية، المعايير الشرعية، ص115.

(10 )- المصدر نفسه. ص114.

(11)- المصدر نفسه. ص110.

تعقيبات السادة العلماء على الفتوى 

أولا: التعقيبات في مجموعة مجالس العلم

مجموعة مجالس العلم: مجموعة على الواتساب، تضم نخبة من العلماء وطلاب العلم، أنشأها وأشرف عليها فضيلة الأستاذ الشيخ مجد مكي، وينسق البحوث والفتاوى فيها فضيلة الأستاذ عبد الكريم خلف، ثم يعرضها على فضيلة الأستاذ الشيخ مجد مكي للمراجعة والتدقيق والعرض على العلماء وطلاب العلم. 

تعقيب فضيلة الشيخ أحمد زاهر سالم

 27/ 9/ 2015م 

(الفقرة العاشرة مخالفة لقول الجمهور الذي لا يرى الوعد ملزما قضاء).

ثانيا: التعقيبات بالبريد الإلكتروني

عرض فضيلة الأستاذ الشيخ مجد مكي، الفتوى عبر البريد الإلكتروني، على السادة العلماء، وتم التعقيب عليها من قبلهم، بما يلي:

1. تعقيب فضيلة الأستاذ الدكتور عبد العظيم أبو زيد

خبير في الاقتصاد الإسلامي

28/ 2/ 2016م

(نعم، أتفق مع الدكتور خالد في كل ما فصل من أحكام، جزاه الله تعالى خيراً).

2. تعقيب فضيلة الأستاذ الدكتور أنس الزرقا

خبير في الاقتصاد الإسلامي

 28/ 2/ 2016م

(الفتوى صحيحة وممتازة في وضوحها وتفصيلها، لكن أدخلت بعض التحسينات والإيضاحات).

وعقب فضيلته على صدر الفتوى بأنه لا يرى:

(أن المرابحة المبحوثة هي من المشتبهات، إذا التزمت ضوابطها المصرح بها في المعيار الشرعي رقم 8، بعد أن أقرها مجمع الفقه الدولي والمجلس الشرعي لأيوفي).  

كما عقب فضيلته على ما أثير حول الفقرة العاشرة موضحا: 

(ليس هذا إلزاما بتنفيذ الوعد، ولكن بالتعويض عن الضرر المتحقق من نكول العميل، وقد أقره مجمع الفقه الدولي بقراره 40- 41، وبه أخذ المجلس الشرعي لأيوفي- البحرين- المعايير الشرعية (المعيار 8 للمرابحة..، البند 4/2). 

وقد تم تمييز التحسينات والإيضاحات التي أدخلها فضيلته، على نص السؤال والفتوى، بوضع خط تحتها. 

3. تعقيب فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي

خبير في الموسوعة الفقهية الكويتية

28/ 2/ 2016م

(جواب جيد، ولكنني أرى أن الوعد يجب أن ينص عليه بأنه غير ملزم، ولا ينتج عن امتناع المشتري عن الشراء بعد الوعد تحمل أي ضر، ويغني عن ذلك أن يشترط المشتري الذي يريد أن يبيع السلعة لنفسه الخيار مدة مناسبة، فإن اشترى المشتري منه البضاعة تم ما يريد، وإلا رد البضاعة إلى بائعها بالخيار في مدته ولا يصيبه أي ضرر بذلك، ولا يتحمل المشتري الجديد أي ضرر أيضا، ولا يجوز أن يعد الوعد ملزما).

الجواب على تعقيبات السادة العلماء

أجاب الباحث خالد محمد عبد الله، على تعقيبات السادة العلماء بما يلي: 

بداية أشكر أساتذتي الأكارم السادة العلماء الخبراء الفضلاء على تعقيباتهم الطيبة القيمة البنَّاءة، وأستميحهم عذرا بتبيان؛ أن مستند الفتوى في ما يتعلق بالوعد الملزم، والتعويض عن الخسارة الفعلية، هو البند 2/3 والبند 4/2 من المعيار الشرعي رقم (8)، في المرابحة للآمر بالشراء، الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية من المعيار السابق نفسه، والذي استند أيضا لقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 40- 41، وفتوى بيت التمويل الكويتي، ومصرف قطر الإسلامي(1). وكنت قد أشرت إلى ذلك من خلال الإحالة إلى المصدر في قائمة المصادر والمراجع.

وهذا نص القرار رقم 40- 41، لمجمع الفقه الإسلامي الدولي: (إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1- 6  جمادى الأولى 1409 الموافق 10 – 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء، واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما، قرر ما يلي:

أولاً: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.

ثانياً: الوعد – وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد – يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.

ثالثاً: المواعدة – وهي التي تصدر من الطرفين – تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين، كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده). (2).

الخلاصة:

1. يرى الباحث أنه لا يوجد مانع شرعي من الوعد الملزم من طرف واحد، أو المواعدة المتضمنة للخيار للطرفين أو أحدهما، وفق الضوابط المنصوص عليها في البند 2/3 من المعيار الشرعي رقم (8)، في المرابحة للآمر بالشراء، الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية. والقرار رقم 40- 41، لمجمع الفقه الإسلامي الدولي.

2. كما أنه لا يوجد مانع شرعي من التعويض عن الضرر الفعلي في حال النكول مع الوعد الملزم، وفق الضوابط المنصوص عليها في البند 4/2 من المعيار الشرعي رقم (8)، في المرابحة للآمر بالشراء، الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية. والقرار رقم 40- 41، لمجمع الفقه الإسلامي الدولي. 

3. ويوصي الباحث بالاستغناء عن الوعد الملزم وما ينتج عنه من تعويض عن ضرر فعلي في حال النكول، وذلك بالشراء مع حق الخيار، إن أمكن ذلك، وفق الضوابط المنصوص عليها في البند  2/3/5 من المعيار الشرعي رقم (8)، في المرابحة للآمر بالشراء، الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية.

والله أعلم.

وختاما جزاكم الله خير الجزاء في الدارين، على هذه التعقيبات النافعة، وتلك الجهود المثمرة.

المصادر والمراجع:

(1)- هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية، 1435ه- 2014م، المعايير الشرعية، المعيار الشرعي رقم (8)، المرابحة للآمر بالشراء، البحرين: المنامة، ص109، ص114، ص122.

(2)- http://www.fiqhacademy.org.sa/qrarat/5-2.htm . الزُّحَيْلِيّ، وَهْبَة بن مصطفى. الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ. سوريَّة؛ دمشق: دار الفكر، ط4، (د.ت)، ج7، ص5157- 5158.


التعليقات