حكم السفر للحج بغرض التجارة

نص الاستشارة :

من يذهب إلى بيت الله الحرام للحج ويؤدِّي الأركان والواجبات، هل يجوز له أن يشتري أمولاً من المملكة السعودية أو غيرها وعند عودته يبيعها للناس للربح؟ وهناك جماعة يذهبون إلى الحج كل عام وغرضهم الأصلي هو التجارة، فما قولكم في مثل هؤلاء؟

الاجابة

أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كانت عكاظ ومجنَّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا (أي: تحرَّج المسلمون ) أن يتَّجروا في المواسم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنزلت: [لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ] {البقرة:198}. وهذا دليل على أنه تباح في الحج التجارة والإجارة وسائر المكاسب المباحة.

ومن فعل ذلك فحجُّه صحيح، ولكن ثوابه دون ثواب من تفرَّغ للحج، والذي اختاره الإمام الغزالي: أنَّ من أشرك في العبادة غيرها إن كان الباعث الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني هو الأغلب كان له من الأجر بقدره.

وقال الله تعالى:[وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ] {البيِّنة:5} .وفي الحديث المتفق عليه: (إنما الأعمال بالنيات).

وقال العيني في (عمدة القاري): الحكم نوعان: نوع يتعلَّق بالآخرة، و هو الثواب في الأعمال المفتقرة إلى النية، والإثم في الأعمال المحرَّمة، و نوع يتعلق بالدنيا وهو الجواز والفساد ونحوهما، والنوعان مختلفان بدليل أن مبني الأول على صدق العزيمة وخلوص النية، فإن وجدت وُجد الثواب وإلا فلا، ومبنى الثاني على وجود الأركان والشرائط  المعتبرة في الشرع فإن و جدت صحَّ وإلا فلا اهـ. باختصار وتصرُّف يسير.

أما ما نراه ونسمعه في السنوات الأخيرة من أن بعض الناس من الرجال والنساء يذهبون إلى الحج والعمرة كل عام وغرضهم الأصلي هو الربح المادي وتهريب البضائع، وبعضهم لا يتقيَّد بالواجبات الدينيَّة، وقد يدفع الرشوة وقد يتحايل، وقد يكذب إذا ما سئل في الحدود هناك أو هنا، ويحاول بمختلف الطرق إخفاء ما عنده عن المراقبين، وفي ذلك مجازفة ومخاطرة إذا كانت تلك الحكومة قد منعت تصدير بعض البضائع، أو منعت هذه الحكومة توريدها لأسباب سياسية أو اقتصادية وفي مثل هذه الحالة قد تصادر تلك البضائع، وقد يُغرَّم صاحبها، وقد يسجن.ولا شك أنَّ الإقدام على ما فيه مخاطرة بالنفس أو المال أمر ممنوع شرعاً، والنصوص الشرعيَّة متضافرة على منع ذلك، كما أنها متضافرةٌ على أنَّ الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصاً، والله أعلم.

ومما يراجع في هذه المسألة:

1 ـ تفسير ابن كثير 1/239.

2 ـ روح المعاني 2/86.

3 ـ إحياء علوم الدين 4/329.

4 ـ عمدة القاري 1/31و33 ـ 10/104

الشيخ عبد الكريم الدبان، مجلة التربية الإسلامية بغداد، العدد الثالث من السنة الخامسة والعشرين: (1404-1983)

 


التعليقات