الموعظة الحسنة (قصة واقعية)

 

لبى محمود دعوة جاره محمد الذي تعرف عليه في المسجد ، وما إن دخل منزل جاره حتى أحس أنه دخل ساحة الكعبة قبل ظهور الإسلام يوم كان حولها ثلاثمائة وستين صنماً ، ففي كل ركن من أركان البيت تمثال ، أما السقف فكان استنساخا لسقف كنيسة سيستين حيث الأجساد العارية التي مثل بها مايكل أنجلو قصة بدء الخلق .

كانا شابين حديثي الزواج انتقلا إلى هذه العمارة المكونة من أربعة طوابق في حي جديد غرب الإسكندرية ، وكان محمد يسكن الدور الأرضي .

جلس محمود وتصادفت جلسته بحيث كان أكبر التماثيل خلفه ، فسأله محمد : هل تعمدت أن يكون التمثال خلفك .؟ ولم ينتظر جواباً وأردف قائلاً : صراحة كثير من المعارف قالوا لي إن التماثيل حرام ، ولكنني لم أقتنع .

وعلى فكرة كل هذه التماثيل من صنعي فأنا نحات ، ورسام أيضاً رسمت هذا السقف في شهرين متواصلين ، بالإضافة إلى أني شاعر وزجال .

استقبل محمود كلام جاره بغاية الاهتمام ولم يعلق على موضوع التماثيل والرسم وطلب من جاره عرض بعض نماذج من شعره وزجله ، وأثنى عليها وشكره على حسن الضيافة وانصرف وهو يفكر في هذا الشخص متعدد المواهب والمحافظ على الصلاة وكيف يمكن توجيهه للخير .

ذهب واشترى مجموعة صغيرة من الكتب التي تتحدث عن الموقف الشرعي من التماثيل ووَضَعَ علامات عند الفقرات المهمة وأهدى الكتب إلى جاره .

مر يومان ، وفي اليوم الثالث حال عودة محمود من عمله ، هاله وجود كومة من الحجارة في زاوية من مدخل العمارة ، دقق فيها النظر فإذا هي بقايا السقف المعلق والتماثيل بعد تكسيرها .

طرق الباب على جاره فخرج ووجهه يتهلل بِشراً واحتضن محمود قائلا : لقد اقتنعت واخترت مرضاة الله وقمت بالتخلص حتى من أدوات الرسم .

وفي اليوم التالي أهداه محمود أدوات جديدة للرسم ومعها كتب عن الفن الإسلامي ، فكانت ميلاداً جديداً لموهبة محمد أثمرت فنوناً راقية زانت ساحات صلوات العيد ولوحات المساجد ، وزجلاً وشعراً يحمل أسمى المعاني .

غاية ما في الأمر أن محمد شعر أنه هو المدعو لهداية نفسه والبحث والتدقيق دون وصاية من أحد .

قفزت هذه الذكريات في مخيلة "محمود" فهرول إلي دفتر الذكريات حيث رسائل الأحبة والأصدقاء واستخرج رسالة من "محمد" في بداية تفرق جسديهما في البلاد ، ووجد فيها زجلا بعنوان :(ولسة بتهزوا الهلال) ، جاء فيها:

لسة بتهزوا الهلال  وبتشتكوا للمصطفى

يا بلاد نور الفضيلة  بين دروبها بينطفى

اليميني حزبه قايم    وللشيوعية الوفا

واللي قال "ناصر" قائدنا  رايته عالية مرفرفة

أما للإسلام خناجر  تنغرس جهر وخفا

يا جماعة إن ضاع كتابكم  قول على الارض العفا

وفي القيامة مش حينفع    تشتكوا للمصطفى

ولسة بتهزوا الهلال    وبتشتكوا للمصطفى.!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين