القمع الصيني، والمسلحون الأويغور في ممرات أوراسيا

 

 نظم جامعة هادسن بواشنطن ندوة تحت عنوان "القمع الصيني، والمسلحون الأويغور في ممرات أوراسيا" تحدث فيها المشاركون عن القمع الذي تمارسه الصين على المسلمين الأويغورفي تركستان الشرقية وتأثيرذلك على انضمام الأويغور للجماعات المسلحة والجهادية.

 منذ أن أعلنت الصين عن خطة "محور واحد وطريق واحد" أخذت الدور الهام الذي تلعبه منطقة تركستان الشرقية تتبلور في هذه الخطة الضخمة. وفي نفس الوقت كشفت الحركات الاحتجاجية التي تندلع فيها من وقت لآخر، كشفت عن عمق الأزمات السياسية والاجتماعية التي تحاول الصين حلها  باستخدام القوة وتحويل تركستان إلى منطقة بوليسية بالكامل .

 شارك في الندوة شان روبرتس من جامعة جورج واشنطن، وقليج قانات(من أصل أويغوري)من جامعة بينسلوانيا، ورئيس جمعية "قوة الشعب" يانج جيان لي(معارض صيني). وتحدثوا عن السياسة القمعية والخاطئة التي تمارسها الصين في تركستان الشرقية والأزمات الناتجة عنها .

من هم الأويغور؟

 ترأس الندوة السيد إريك براون، وتحدث في مقدمة تعريفية قصيرة عن الأويغور. وقال إن المنطقة التي تظهر في الأخبار ب"شينجيانج" في الحقيقة هي وطن الأويغور وتسمى تركستان الشرقية، وكانت في وقت من الأوقات لهم دولة مستقلة تسمى(جمهورية تركستان الشرقية، الأولى سنة 1933 والثانية سنة 1944)

وأضاف أن الصين ضمتها ضمن خططها التوسعية سنة 1949 ومنذ ذلك الحين وضعت الصين سياسة جلب العمال والميليشيات الصينية (تسمى بينج توان) من الداخل الصيني ونتج عن ذلك هضم حقوق المسلمين وأزمات سياسية واجتماعية  واختلال ديموغرافي.

 وأوضح أن الصين بعد أحداث 11 سبتمبر، استغلت الحرب على الإرهاب وحولت تركستان الشرقية إلى سجن مفتوح ومنطقة بوليسية بالكامل . تزامن ذلك مع انضمام بعض اللاجئين الأويغور للجماعات المسلحة وقيام بعض من تعرضوا للظلم بأعمال انتقامية في بعض المدن الصينية. ولكن الصين تتحكم بشدة في الصحافة والإعلام  والمعلومات، فلا يتسنى لنا التأكد من حقيقة هذه الأحداث.

وختم حديثه قائلا : من أجل فهم مسألة الأويغور في تركستان الشرقية يجب أولا فهم الأسباب التي أدت للأزمة هناك وطلب من قليج قانات  الحديث في هذا الأمر .

الصين والأويغور:

 

قليج قانات متخصص في الشؤون الأويغورية بدأ حديثه قائلا: إن الأزمة الأويغورية ليست وليدة لحظة أو حديثة. وبرأيه أن السلطات الصينية تتجاهل عمدا إدراك أو فهم أصل الأزمة . لذلك تفاقمت أزمة الأويغور مع السلطات الصينية.

وأضاف : بعد الحرب الباردة رأينا القلق المتزايد لدى الصين من تفكك الدولة او انفصال بعض مناطقها. ولذلك سنة 1990 ركزت الصين جهودها بشكل تعسفي على قمع ما تراه أعمالا انفصالية  بعنف . نتج عن ذلك ظلم  وقهر وتمييز عرقي ضد الأويغور. وهم بدورهم ردا على الممارسات الصينية القمعية والتمييزية قاموا ببعض الحركات الاحتجاجية. ولكن بعد انهيار وتفكك السوفيت، ونشوء جمهوريات تنتمى للعرقية التركية التي هي نفس عرقية الأويغور زاد قلق الصين أكثر.

ولكن، لو كانت الصين بادرت بوضع سياسات عادلة لحل مسألة الأويغور ورفع الظلم والتعسف الواقع عليهم لحصلت على نتائج إيجابية في هذا الشأن.. ولكنها سلكت سياستين خاطئتين  أدت إلى تفاقم الأزمة أكثر وأكثر.

الأول استغلال خطط التطور الاقتصادي لدمج المنطقة بالداخل الصيني وتسريع عملية التصيين  (عن طريق جلب ملايين الصينين من الداخل الصيني وتوطينهم في تركستان الشرقية وإعطائهم أراضي الأويغور بعد مصادرتها وإعطاء المهاجرين الصينين امتيازات لا تتوفر للأويغور)

وكانت نتيجة ذلك أن تعرضت الأويغور للإجحاف والظلم أكثر. وأما الذين ينتقلون إليها من داخل الصين فيحصلون على امتيازات ورفع ذلك من شعور الأويغور بالدونية . فأحداث مثل ارتفاع نسب الوفيات في الأويغور من أطفال ونساء ، وارتفاع البطالة عند الشباب، وعدم انتفاع الأويغور اقتصاديا من احتياطيات النفط والمعادن الطبيعية الهائلة في تركستان الشرقية وعدم انعكاسها في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، كل ذلك أدى إلى شعور الأويغور أنهم مواطنون من الدرجة الأدنى وأنهم الخاسرون في كل الأحوال.

الأويغور والحركات المسلحة :

 ثم أخذ الدور بروفيسور شان روبيرتس  وهو متخصص في الشؤون الأويغورية منذ سنة 1990. شان تحدث عن مسالة  برزت من عدة سنوات ألا وهي ظاهرة "انضمام الأويغور للحركات المسلحة" . وقال إن الظلم الواقع والقمع الشديد أجبرت بعض الأويغور للانضمام إلى الجماعات الراديكالية. ولكنه أبدى شكوكه حيال كل ما يقال من مبالغات عن هروب الاويغور إلى خارج الصين وانضمامهم إلى الحركات الإرهابية.

 

وقال : حسب ما نعلم، ما يعرضه الصين مما يقال أنها أدلة على انضمام الأويغور للجماعات المسلحة في سوريا او الحركات الجهادية العالمية ترمي إلى إثبات أن الصين تتعرض للتهديد الإرهابي. وتستخدم هذه "الأدلة" كذلك لتسمية ما تقع من أحداث عنف واحتجاج في تركستان الشرقية أنها أحداث إرهابية تقع بتحريض من المهاجرين الأويغور في الخارج .

 

ولكن الحقيقة، أن الصين تحاول ربط الكثير من الأويغور في الخارج، ولا سيما الناشطين السياسيين السلميين منهم بأسامة بن لادن او تنظيم القاعدة. في مثل هذه الاتهامات لا نستطيع ان نتأكد من تلك الأدلة. لأنه لا شيء يربط هؤلاء الناشطين بتلك الجماعات (لأنهم أصلا ضد الحركات المسلحة وفي المقابل تلك الحركات المسلحة أو الجهادية  تعارض أيضا أعمال هؤلاء النشاطين السياسية والسلمية ).

ومن جهة أخرى ما تسميه الدوائر الصينية " بالهجمات الإرهابية" ، لا يمكن وصفها بذلك . فمثلا، تقع مظاهرة احتجاجية ما ثم تتطور لصدام أو عنف وتخرج الأمر عن التحكم . فلا يمكن وصف ذلك بالإرهاب . لا يمكننا التأكد أن الامر حقا كما تقول الصين إنها أعمال إرهابية بالفعل. 

(حدث ذلك أثناء الاحتجاج السلمي في أورومتشي سنة 2009 ، 5 مايو، حيث خرج الآلاف من الطلبة للاحتجاج ضد قتل وسحل العمال الأويغور في المصانع الصينية ثم استخدمت قوات الشرطة العنف ضد المحتجيين وتطورت الأمر إلى صدام راحت ضحيتها المئات)

على كل حال وفي الوقت الذي يعلو فيه صوت "الحرب على الإرهاب" في العالم، ربط الأويغور بالجماعات الإرهابية واتهامهم بالانضمام للحركات الجهادية ، تبدو للكثيرين كأمر حقيقي . ولاسيما لمن لا يملك معلومة واضحة عن تركستان الشرقية.

والخلاصة، أن ربط الأويغور بالإرهاب يخدم الصين من جهتين : الأول وصف كل أعمال احتجاج او تظاهرة تقع في تركستان الشرقية بأنها نتيجة تحريض من القوى الخارجية والحركات المتطرفة. ونتجية لذلك لا يمكننا توضيح وشرح ما يعانيه الأويغور هناك للآخرين. ثانيا  يفتح الطريق واسعا للصين لممارسة المزيد من القمع على الأويغور تحت حجة محاربة الإرهاب.

الناشط السياسي إلهام توختي :

 ثم تحدث ضيف آخر وهو الدكتور يانج جيان لي. فقال : يمكننا رؤية ما يعانيه الأويغور مما وقع على الناشط والمثقف الأويغوري والأستاذ السياسي إلهام توختي. وعرف الحضور علي خلفيات سجن الأستاذ إلهام وقال إن الصين بوضع إلهام في السجن قضت على آمال الأويغور لترجيح الطريق السلمي في نضالهم تماما.

وأضاف : إلهام توختي هو الشخص  الوحيد الذي حكم بالسجن المؤبد بسبب إبداء رأيه وإيديولوجيته الخاص به منذ أن بدأت الصين سياسة "الانفتاح للخارج" ويمكننا مقارنته بصاحب نوبل للسلام ليو شياو بو. فهو من قومية الهان الصينية حكم بالسجن عشرة سنوات بسبب مشروعه للانتقال بالصين إلى الحكم الديموقراطي . ولذلك يمكننا أن نقول إن ما وقع لإلهام ظلم شديد جدا. لأنه من الأويغور، ومن المناديين بالطريق الوسط والحل السلمي .

 

يمكنني أن أشرح ذلك قليلا : لو نظرنا للأحداث منذ 1990 نرى أن العلاقة بين شعب الأيغور وقومية الهان، والعلاقة بين الأيغور والدولة الصينية  استمرت في التفاقم على مدار تلك التاريخ . لقد تحدثنا عن تداعيات ذلك أنا والمتحدثان قبلي . وبالفعل الحكومة الصينية تستغل دعوات محاربة الإرهاب في العالم لممارسة المزيد من القمع والترهيب على الأويغور . لذلك تعيش الأويغور حاليا في خوف لم يسبق له مثيل. لأنهم عرضة للسجن والاختفاء القسري في أية لحظة، وأحكام بالسجن لمدة طويلة ودفع ثمن ثقيل لأمور تافهة جدا. وتتزامن ذلك مع ارتفاع خطاب عدواني ضد الأويغور في كل أنحاء الصين متمثلا في سياسات وقوانين وبيانات مجحفة ضدهم وتحريض في المواقع الإلكترونية الاجتماعية...

وحضر الندوة مستمعا عمر قانات مدير "مشروع حقوق الإنسان للأويغور" وغيره من الشخصيات الأويغورية ومسؤولون من الحكومة الأميريكية وطلاب مهتمون بالشؤون الأويغورية في أمريكا.

ومما يذكر في هذا الصدد ، أعلنت الصين عن بدء تطبيق قانون سمته "قانون مكافحة التطرف" تتكون من 50 مادة، من أهم ما جاء فيه المادة التاسعة بتعريف التطرف الديني من خلال 15 تصنيفًا مختلفًا، وهي كالتالي:

1 – القيام بالدعوة الدينية (الإسلامية) والدعاية له.

2 – الدعوة للأنشطة الدينية، أو الحضور، والمداومة عليها، والمساعدة المادية لرجال الدين.

3 – إدخال الدين في أمور الزواج، والجنازة والأحوال الشخصية.

4 – تجنب الاختلاط والعيش بغير المسلمين أو أصحاب الديانات الأخرى.

5 – تنفير الناس من الأنشطة الثقافية والترفيهية. والامتناع عن متابعة ومشاهدة القنوات الرسمية بما فيها البرامج (الترفيهية وغير الأخلاقية).

6 – توسيع مفهوم الحلال إلى مجالات غير مجالات الأطعمة. والتعرض أو التدخل في حياة الآخرين تحت مسمى الحرام والحلال.

7 – ارتداء ملابس الحجاب أو الستر الشرعي، أو الملابس التي ترمز للدين، أو الحلي أو الزينة التي تحمل معان دينية أو دعوة الآخرين لارتدائها.

8 – إطلاق الشارب واللحية للرجال، والترويج للتطرف من خلال تسمية المواليد بأسماء إسلامية.

9 – عقود الزواج والطلاق حسب الشريعة الإسلامية.

10 – عدم إرسال الأطفال لمدراس الدولة بافتعال أسباب كاذبة من أجل تدريسهم الدين، والتدخل في الشؤون التعليمية للدولة.

11 – الامتناع عن استخدام البطاقاة الشخصية، واستخدام اليوان الصيني.

12 – إطلاق صفة الحرام والحلال على ممتلكات الأشخاص والمجتمع.

13 – إنشاء، تكوين، نشر، توزيع، بيع، شراء، الاحتفاظ، نسخ، استخدام، قراءة ، مشاهدة واستماع وقراءة مقالات وكتب، ومشاهدة أقراص كمبيوتر وفيديوهات تحوي مواد دينية.

14 – التدخل في سياسة تحديد النسل.

15 – التلبس بأقوال، وبيانات، وأعمال، وعمليات، وسلوكيات متطرفة.

 

تفاصيل الندوة https://www.youtube.com/watch?v=xgTM50W8pU4

https://www.eventbrite.com/e/chinese-repression-and-uyghur-militancy-at-eurasias-crossroads-registration-33442989883#

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين