ظاهرة «الشرعيين» في الجماعات الدينية المسلحة (2-3)

 

ظاهرة «الشرعيين» في الجماعات الدينية المسلحة (2-3)ظاهرة «الشرعيين» في الجماعات الدينية المسلحة (2-3)

إن أخطر ما أفرزته هذه الظاهرة هو ما يمكن تعريفه بحرف مسار الثورات الشعبية بوجه الاحتلال أو بوجه الاستبداد، التي كان من الممكن أن تكون مفتاحا لمرحلة جديدة تبشّر بالانعتاق والنهوض وبناء المستقبل الأفضل بعد عقود طويلة ومرهقة من الظلم والتخلف والتيه والشتات.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن تلك الثورات كانت ثورات شعبية وعفوية ليس لها أيديولوجيا معينة وهي بالفعل تعبّر عن إرادة شعبية عامّة للانعتاق والتحرر، غير أن دخول الجماعات الدينية مع ما تحمله من تناقضات وأيديولوجيّات مشوّشة وغير منظمة أدخل هذه الثورات في نفق يصعب التكهّن بنهاياته.

في الحالة العراقية كانت ردة الفعل على الغزو الأميركي ذات طبيعة شعبية وعفوية وفورية، وإن كانت مقتصرة على المحافظات السنّية، لكن سرعان ما جنح بها «الشرعيون» إلى عناوين دينية مقفلة، وتحت كل عنوان «منهج» يبحث عن النقاء والصفاء في العقيدة والسلوك، كلّ بحسب مذهبه وثقافته الخاصّة، وقد كان هناك فصيل واحد يحمل في عنوانه اسم «الوطنية» مع «الإسلاميّة» لكن سرعان ما تم حذف الوطنية من قبل «الشرعيين» تحت ضغط المزاج الديني العام للمسلحين والذي كان يبحث عن «وضوح الراية» و «نقاء الصف»، حتى الفصيل المقرّب جدّا من عزة الدوري وقيادة البعث جاء ليحمل اسم طريقة صوفية معروفة ولها حضورها في الوسط الديني العراقي.

في الحالة السورية ربما تكون الصورة متطابقة تماما مع الحالة العراقية، فمع البدايات المبشّرة للثورة والتي انخرط فيها الشعب السوري على اختلاف توجهاته ومشاربه مما شجّع عددا كبيرا من الضباط والمراتب العسكرية للانشقاق والالتحاق بصفوف الثورة، وبرزاسم الجيش الحر كبديل مقبول شعبيا وعربيا وعالميا، لكن سرعان ما ظهرت العناوين الدينية وربما بذات الأسماء التي تشكلت في الحالة العراقية، وظهرت تباعا أيضا الرايات الجديدة والمناهج التي تناسب النخب المتدينة بتوجهاتها ومرجعياتها الخاصّة. 

لقد أخذ الجدل حول «المناهج» و»الرايات» مساحة من الاهتمام ربما تفوق مساحة الاهتمام بمقاومة النظام والإجهاز عليه، بعد أن وصلت الثورة إلى مشارف مطار دمشق، وضاق الخناق بالفعل على بشار وحاشيته.

بل راح كل فصيل يرسم ملامح الدولة السورية الجديدة على وفق ما ارتضاه الشرعيون عنده، وهناك منافسات وربما مزايدات لإثبات التمسّك الشديد إلى حد الورع بكل حكم شرعي مع ذكر دليله التفصيلي، وقد ظهر هذا حتى في البيانات، بحيث يجب أن يراعي البيان العمق المنهجي للفصيل بغض النظر عن آثاره في واقع السوريين أنفسهم فضلا عن العلاقات الإقليمية والدولية.

كنت أتابع بشيء من الألم ما قام به أحد الفصائل من نبش القبور داخل أحد المساجد في مدينة حلب، ويصوّر العظام عظما عظما، علما أن هذا الرفات كان لشيخ طريقة صوفية معروفة ولها حضورها خاصة بين طلبة العلم، ومعنى هذا أن هذا الفصيل لا يبالي أن يصنع لنفسه الأعداء ويخسر جزءا من الحاضنة الشعبية للثورة من أجل تطبيق حكم الله الذي يراه الشرعيون عنده في أية مسألة، وهذا يعني أنه بدأ بالفعل بممارسة دور السلطة القضائية والتنفيذية على كل شبر يقع تحت سيطرته.

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين