مظاهر ارتباط الأمة بنبيها عليه الصلاة والسلام

 

ارتباط الأمة بنبيِّها عليه الصلاة والسلام مِن أجمل بحوث السيرة النبوية، وهو موضوعٌ لم أجد مَن كتب فيه، رغم كثرة فوائده وعوائده على المسلم في دينه ودنياه، كما أن له أثرًا في تعميق الصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم على الدوام.

 

ووفَّق الله سبحانه، فقمتُ بجمع ما تيسَّر من ذلك في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وبيان ذلك با?تي:

أولًا: في القرآن الكريم:

1- من أساليب الخطاب القرآني تكرار كلمة: { قُلْ } [البقرة: 80]، في عدد غير قليل من آيات الله سبحانه، ولعل الحكمة مِن هذا التَّكرار دوامُ ربط الأمة بنبيها محمد عليه الصلاة والسلام، وما أجمله من ارتباط! فإن قارئ القرآن كلما قرأ كلمة: { قُلْ } [البقرة: 80]، تذكَّر المخاطَب بها، وهو هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

2- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم كثيرًا، تارة باسمه الصريح؛ مثل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ }[الفتح: 29]، وتارة بوصف النبوة؛ مثل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } [الأنفال: 64]، وتارة بوصف الرسالة؛ مثل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ }[المائدة: 41].

 

3- سُمِّيت سورة قرآنية باسمه، وهي سورة محمد، صلى الله عليه وسلم.

 

4- كما أن ربه سبحانه خاطبه كثيرًا بضمير الخطاب؛ مثل قوله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } [الضحى: 1 - 3]؛ ومثل قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، فهذه الأمثلة تُعمِّق صلة الأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم، لا سيما عند تكرارها، وتربطها به على الدوام.

 

ثانيًا: في الحديث النبوي الشريف:

تطبيق السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في جميع المجالات له أثرٌ عظيم في ارتباط الأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم، لكن هناك مواضع قد يكون أثر الارتباط فيه أظهر من غيره، أبيِّنه في الاتي:

ثالثًا: الصلاة:

لاحظتُ أن في الصلاة أقوالًا لها أثر في ارتباط الأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم؛ من ذلك:

1- قولنا في التشهد: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته))، وهو يكرَّر في الفرائض، والسنن المؤكَّدة، والوتر، سبع عشرة مرة في اليوم والليلة.

 

2- التشهُّد: (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، وهو يكرر في الفرائض، والسنن المؤكدة، والوتر، سبع عشرة مرة في اليوم والليلة أيضًا.

 

3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، وهي تكرر في الفرائض، والسنن المؤكدة، والوتر، سبع عشرة مرة في اليوم والليلة أيضًا، مع ملاحظة تكرار اسم محمَّد صلى الله عليه وسلم، أربع مرات.

فإذا أضفنا إلى ذلك: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فيزيد العدد سبع عشرة مرة أيضًا.

 

4- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الفجر عند الشافعية (5) مرات، وقنوت الوتر عند الحنفية (5) مرات.

 

5- ومن ذلك: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.

 

عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، أنه سأل أبا هريرة: كيف تُصلِّي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا، لعَمْر الله أخبرك، أتَّبعها من أهلها، فإذا وُضِعت كبَّرْت، وحمدتُ الله، وصلَّيت على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أقول: اللهم إنه عبدك، وابنُ عبدك، وابن أَمَتِك، كان يشهد أن لا إله إلا أنتَ، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأنت أعلمُ به، اللهم إن كان محسنًا، فزِدْ في إحسانه، وإن كان مسيئًا، فتجاوَزْ عن سيئاته، اللهم لا تحرِمْنا أجرَه، ولا تفتنَّا بعده[1].

 

وحمدت الله؛ أي قرأت: فاتحة الكتاب، ثم تكبر، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الواردة في التشهد، ثم تكبر وتدعو للميت، ثم تكبر وتدعو لنفسك وللمسلمين، ثم تُسلم في سرك.

 

6- في صلاة العيدين:

عن علقمة، أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة، خرج إليهم الوليد بن عقبة قبل العيد، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ فقال عبدالله: تبدأ فتكبِّر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتكبِّر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع، فقال أبو موسى وحذيفة: صدق عبدالله[2].

 

قال البيهقي: هذا من قول ابن مسعود رضي الله عنه موقوف عليه، فتابعه في الذِّكر بين كل تكبيرتين؛ إذ لم يُرْوَ خلافه عن غيره، ونخالفُه في عدد التكبيرات وتقديمهن على القراءة في الركعتين جميعًا؛ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فعلِ أهل الحرمين، وعمل المسلمين إلى يومنا هذا.

 

ثم روى من حديث علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله قال: مضَتِ السُّنة أن يُكبَّر للصلاة في العيدين سبعًا وخمسًا، يُذكَر الله ما بين كل تكبيرتين[3].

 

وعليه؛ فإن المسلم إذا حافظ على هذه الأمور التي ذكرناها، يكون قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (129) مرة في اليوم والليلة، فإذا أضفنا صلاة السنن غير الراتبة، وصلاة الضحى، وصلاة الليل، وصلاة الجنازة، وصلاة العيدين يزيد العدد كثيرًا، وهذا كله له أثر كبير في ارتباط الأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم.

 

رابعًا: في الأذان:

1- لاحظتُ أن قول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله، يتكرر (10) مرات.

2- وتتكرر الشهادة بأن محمدًا رسول الله في ا?قامة (10) مرات عند الحنفية، و(5) مرات عند الشافعية.

3- ويصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل أذان (5) مرات.

4- ودعاء الوسيلة يكرر (5) مرات.

 

خامسًا: من ذلك: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب:

كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها.

قال الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 1 - 4]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: رفع الله ذكره، فلا يُذكَر إلا ذُكِرَ معه.

 

وقال قتادة: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4]: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله).

 

وقال الضحاك: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4] قال: إذا ذُكِرتُ ذُكِرتَ معي، ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذِكرِك.

وقال مجاهد: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }[الشرح: 4] قال: لا أُذكَر إلا ذُكِرتَ معي: الأذان؛ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

 

والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ما جاء عن عون بن أبي جحيفة أنه قال: كان أبي مِن شُرَط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني: أنه صعِد المنبر - يعني عليًّا رضي الله عنه - فحمِد الله وأثنى عليه، وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث شاء.

 

وعن أبي الأحوص، عن عبدالله، أنه كان يقول بعدما يفرغ من خطبة الصلاة ويصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون، اللهم بارِك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وأزواجنا وقلوبنا وذرياتنا.

 

وقد أورد ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام) أدلةً أخرى على ذلك، ثم قال: "فهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب كان أمرًا مشهورًا"[4].

 

سادسًا: في الحج:

لاحظتُ أنه قد شرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من شعائر الحج؛ من ذلك:

1- عند الصفا والمروة:

عن وهب بن الأجدع؛ أنه سمع عمر بن الخطاب، بمكة، وهو يخطب الناس قال: "إذا قدِم الرجل منكم حاجًّا، فليَطُفْ بالبيت سبعًا، وليُصلِّ عند المقام ركعتين، ثم يبدأ بالصفا فيستقبل البيت، فيُكبِّر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمدًا لله وثناءً عليه، وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، وسأل لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك"[5].

 

2- عند الفراغ من التلبية:

فقد جاء عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيتِه، سأل الله تعالى مغفرته ورضوانه، واستعاذ برحمته من النار، قال صالح: سمعتُ القاسم بن محمد يقول: كان يُستحب للرجل إذا فرغ من تلبيتِه أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم.

 

3- عند استلام الحجر:

عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد أن يستلم الحجر، قال: "اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم"، ويستلمه.

 

4- السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول مسجده:

عن عبدالله بن دينار قال: رأيت ابن عمر إذا قدِم من سفر دخل المسجد، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام على أبي بكر، السلام على أبي، ويصلي ركعتين[6].

 

5- عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم:

عن نافع: أن ابن عمر كان إذا قدِم من سفر دخل المسجد، ثم أتى القبر، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه[7].

وللتوسع في هذه المواطن الخمسة ينظر كتاب "جلاء الأفهام"؛ لابن القيم.

 

سابعًا: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الدعاء:

عن فَضالة بن عُبيد الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا صلَّى، لم يحمَدِ الله ولم يُمجِّده، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وانصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجِل هذا))، فدعاه وقال له ولغيره: ((إذا صلَّى أحدكم، فليبدأْ بتمجيد ربه والثناء عليه، وليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء))[8].

 

وعن موسى بن طلحة قال: سألتُ زيد بن خارجة، قال: أنا سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((صلُّوا عليَّ، واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارِكْ على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[9].

 

ثامنًا: عند دخول المسجد والخروج منه:

عن أبي حميد - أو عن أبي أسيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليُسلِّم على النبي، ثم ليقل: اللهم افتَحْ لي أبواب رحمتك، فإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك))[10].

 

وعن عبدالله بن حسن، عن أمِّه فاطمة بنت حسين، عن جدتها فاطمة رضي الله عنهم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((اللهم اغفِرْ لي ذنوبي، وافتَحْ لي أبواب رحمتك))، وإذا خرج صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((اللهم اغفِرْ لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك))[11].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليُسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليُسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم))[12].

 

تاسعًا: يوم الجمعة وليلتها:

عن أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة، فأكثِروا عليَّ مِن الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضةٌ عليَّ))، قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض عليك صلاتُنا وقد أرَمْتَ؟ - يقولون: قد بَلِيتَ - قال: ((إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))[13].

 

وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثِروا عليَّ الصلاة يوم الجمعة؛ فإنها تُعرَض عليَّ))[14].

 

وعن أبي مسعودٍ الأنصاري: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أكثِر الصلاة عليَّ في يوم الجمعة؛ فإنه ليس يصلي عليَّ أحد يوم الجمعة، إلا عُرِضت عليَّ صلاتُه))[15].

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: "استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم في يومِه وليلته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أكثِروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة))[16].

 

ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيِّد الأيام؛ فللصلاة عليه في هذا اليوم مَزِيةٌ ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالَتْه أمتُه في الدنيا والآخرة، فإنها نالته على يده، فجمع الله لأمتِه بين خيرَي الدنيا والآخرة، فأعظم كرامةٍ تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة؛ فإنه فيه بَعْثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو عيدٌ لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرُدُّ سائلهم، وهذا كله إنما عرَفوه وحصل لهم بسببه وعلى يديه صلى الله عليه وسلم، فمِن شُكره وحمدِه وأداءِ القليل من حقِّه صلى الله عليه وسلم، أن نُكثِر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته"[17].

 

عاشرًا: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره في كل وقت وحين:

فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن لله ملائكةً سيَّاحين، يبلغوني من أمتي السلام))[18].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((البخيل مَن ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ))[19].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنف رجلٍ ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان فانسلَخ قبل أن يُغفَر له، ورغم أنف رجل أدرَك عنده أبواه الكِبَرَ فلم يُدخِلاه الجنة))، قال ربعي: ولا أعلمه إلا قد قال: ((أو أحدهما))[20].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن ذُكِرْتُ عنده فليصلِّ عليَّ؛ فإنه مَن صلى عليَّ مرة، صلى الله عليه عشرًا))[21].

 

الحادي عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الهمِّ والشدائد وطلب المغفرة:

عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثُلُثا الليل قام، فقال: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))، قال أُبي: قلت: يا رسول الله، إني أُكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك مِن صلاتي؟ فقال: ((ما شئت))، قال: قلت: الرُّبُعَ؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: النصفَ؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قال: قلت: فالثُّلُثين؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: أجعل لك صلاتي كلَّها؟ قال: ((إذًا تُكفَى همَّك، ويُغفَر لك ذنبُك))[22].

 

الثاني عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مجلس:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا فيه ربَّهم، ولم يُصلُّوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم، إلا كان تِرَةً عليهم يوم القيامة، فإن شاء عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم))[23].

 

قال المناوي في فيض القدير: "فيتأكَّد ذكر الله والصلاةُ والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم عند إرادة القيام من المجلس، وتحصل السُّنة في الذكر والصلاة بأي لفظ كان، لكن الأكمل في الذكر: ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك))، وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما في آخر التشهد".

 

الثالث عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصباح وعند المساء:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صلى عليَّ حين يُصبِح عشرًا، وحين يُمسِي عشرًا، أدركَتْه شفاعتي يوم القيامة))[24].

 

الرابع عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مجالس العلم:

عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن العزيز: "أما بعد، فإن أناسًا من الناس قد التمَسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن الناس مِن القصَّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم، عدل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءك كتابي هذا، فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيِّين، ودعاؤهم للمسلمين عامَّة، ويدَعوا ما سوى ذلك"[25].

 

الخامس عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما يكون المسلم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلُغُني حيثما كنتم))[26].

 

السادس عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو نحوها:

قال ابن القيم في جلاء الأفهام:

"روى ابنُ أبي حاتم عن أبي وائل قال: ما رأيتُ عبدالله جلس في مأدبةٍ ولا جنازة ولا غير ذلك، فيقوم حتى يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بدعوات، وإن كان يخرج إلى السوق، فيأتي أغفلَها مكانًا، فيجلس فيحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات".

 

هذا، وقد تكلم العلماء عن مواطن الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب فضائل الصلاة والسلام عليه، وقد بلغ عددُها حسب إحصاء ابن القيم في جلاء الأفهام (41) موطنًا، وقد ذكرت عددًا منها فيما تقدَّم، وهناك مواطن أخرى لم تذكر.

 

والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المواطن لها فضائل كثيرة، وأجور عظيمة، وهي إضافة إلى ذلك لها أثر في ارتباط الأمة بنبيِّها صلى الله عليه وسلم.

 

[1] أخرجه مالك في الموطأ (533).

[2] رواه البيهقي في الكبرى (6407).

[3] رواه البيهقي في الكبرى (6408).

[4] جلاء الأفهام.

[5] رواه البيهقي في السنن الكبرى (9126).

[6] فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (99).

[7] فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (100)، و(98).

[8] رواه أحمد (23982)، وأبو داود (1481)، والترمذي (3477)، والنسائي (1284)، وابن حبان في صحيحه.

[9] أخرجه أحمد (1714) والنسائي (1292).

[10] رواه مسلم (713)، بدون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (465)، واللفظ له.

[11] رواه أحمد في مسنده (26459، 26460) والترمذي (314).

[12] رواه ابن ماجه (773)، واللفظ له، والحاكم في مستدركه (747) بنحوه.

[13] رواه أبو داود (1047، 1531)، والنسائي (1374)، وابن ماجه (1085، 1636).

[14] فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (29).

[15] رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان (3030).

[16] رواه البيهقي في السنن الكبرى (6207).

[17] زاد المعاد؛ لابن القيم (1 /151).

[18] رواه أحمد، والنسائي، وهو صحيح.

[19] رواه الترمذي، وهو حسن صحيح، وذكر ابن حجر في فتح الباري من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((مَن ذُكِرْتُ عنده ولم يصلِّ عليَّ فمات فدخل النار، فأبعده الله))؛ رواه الترمذي، وصححه الحاكم، وله شواهد.

[20] رواه الترمذي (3545).

[21] رواه النسائي في الكبرى (9889)، وفي عمل اليوم والليلة (61)، والطبراني في الأوسط (4948)، وأبو داود الطيالسي (2122).

[22] أخرجه الترمذي (2457)، وقال: "حديث حسن صحيح".

[23] أخرجه الترمذي (3380)، وقال: "حديث حسن صحيح".

[24] رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما جيد، ورجاله وثقوا؛ كما في مجمع الزوائد (17022).

[25] فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (76).

[26] رواه أبو داود (2042).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين