معاني الرَّأفة في القرآن الكريم

 

المعنى اللُّغوي:

جاء في الصِّحاح: ( الرأفة: أشدُّ الرحمة ..).

قال في اللِّسان : ( الرأفة: الرَّحمة، وقيل : أشدُّ الرحمة)

المعنى في حقِّ الله تعالى:

قال الخطَّابي: ( الرَّؤوف) هو: الرَّحيم العاطف برأفته على عباده ..

قال ابن جرير : الرَّأفة أعلى معاني الرَّحمة، و هي عامَّة لجميع الخلق في الدُّنيا و لبعضهم في الآخرة. (تفسير الطبري).

الدَّليل على اسم الله الرَّؤوف:

ورد اسم الله الرَّؤوف في القرآن الكريم عشْرَ مراتٍ منها:

(لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ? إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 117)،

(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(النور: 20)، و{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(الحشر: 10)،

و{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(البقرة: 143)، (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى? بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ? إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(النحل: 7)،

و{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}(النحل: 45 - 47)، و{أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}(الحج: 65)،

و{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى? عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ? وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }(الحديد: 9).

ويُلاحظ أنَّ منها ثماني آيات جاء فيها هذا الاسم مقترناً باسمه سبحانه: ( الرَّحيم) . 

ولو عرفنا الله باسمه الرؤوف حقَّ المعرفة لفاضت قلوبنا حبَّاً و شوقاً إليه، و لتعلقت الأفئدة به ، و لشُغِفنا بمعرفتة شغفاً لا مثيل له، والرَّأفة أشدُّ من الرَّحمة، والرَّأفة هي الحنان و العطف التي لا مثيل له. 

وهناك مظاهر كثيرة في الكون تدلُّ على رأفة الله عزَّ وجلَّ بعباده، و من رزقه الله البصيرة و التَّفكر و التَّأمل يفهم هذه المظاهر. 

من رأفته سبحانه بعباده: 

?- أنَّه لا يبطل عمل عباده، وكما قال تعالى: 

(.. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)

[سورة البقرة 143].

يقول الشيخ عبد الرزاق البدر: أي  "لا ينبغي له، و لا يليق به أن يُضيع إيمانكم، وهذا من كمال رأفته ورحمته به وفي هذا بشارة عظيمة لمن مَنَّ الله عليهم بالإسلام و الإيمان بأنَّ الله سيحفظ عليهم إيمانهم ، فلا يضيعه بل يحفظه من الضَياع و البُطلان، و يتمِّمه لهم، و يوفقه لما يزداد به إيمانهم، و يتم به يقينهم، فكما ابتدأهم بالهداية للايمان فسيحفظه لهم، و يتمِّمه عليهم رأفةً منه بهم ورحمةً ، ومنَّاً عليهم و تفضلاً" . 

?-من رأفة الله بعباده أنَّه أخبر عباده بما سيلاقونه في يوم القيامة .

فما تركنا الله عزَّ وجلَّ سدىً ،فقد وضَّح لنا الطريق الموصل إليه، و أخبرنا في كتابه و سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم عن الآخرة التي هي دار القرار. 

(وَمَا هَ?ذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ? وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ? لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

[سورة العنكبوت:64]. 

?-من رأفة الرؤوف سبحانه بنا إنزالُ الكتاب على رسوله صلى الله عليه وسلم ليخرجنا من الظُّلمات إلى النُّور.

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ? وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا).

[سورة ا?حزاب 43].

ومَنْ ذاق طعم الحياة مع القرآن الكريم; فهو يعرف أنَّ القرآن هو الرَّأفة و الرَّحمة بالعباد، فلا طمأنينة ولاهناءة في حياتك إلا به. 

?- من رأفة الرؤوف سبحانه بعباده توبته عليهم.

حينما تعصي الله عزَّوجلَّ، و تقترف السَّيئات التي لا ترضيه; يرأف بك و يوفقك للتَّوبة إليه،

فهذا التَّوفيق للتِّوبة من رأفة الله الرؤوف سبحانه.

فهو يدعونا للتَّوبة رحمةً و شفقةً بنا،

والمخجل فرحُه بتوبتنا، فمن نحن ليفرح الله بتوبتنا؟

عن أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "للَّهُ أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضِ فلاةٍ، فانفلتتْ منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلِّها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخُطامها ثم قال من شدَّة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدة الفرح" رواه مسلم. 

?-من رأفته سبحانه تسخيره لنا وسائل النَّقل التي تُخفِّف علينا أعباء السّّفر. 

(وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى? بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ? إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ? وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

[سورة النحل 7 - 8].

كلَّما كنت من الله أقرب كلَّما كانت رأفته منك أقرب، فالله عزَّ وجلَّ رؤوف بالجميع لكن رأفته بعباده الأقربين تزداد في الدنيا و الآخرة. 

واعلم بأنَّ الرأفة التي ترجوها من البشر، وقدتذلُّ نفسك للحصول عليها ، فلن تحصل عليها إلَّا إذا ألقى الرَّؤوف الرَّأفة في قلوبهم لك..

قد تتألَّم من قَسْوة مَنْ حولك، ولاملجأ لك إلَّا الرؤوف سبحانه; فاطلبِ الرَّأفة منه، فإنَّ البشر لن يرأفوا بك إلَّا إذا أذِنَ الرَّؤوف أن يرأفوا بك.

أمرنا الرَّؤوف سبحانه بالرَّأفة بالضُّعفاء من مرضى أو خدم. 

وأمرنا كذلك بالرَّأفة باليتامى لإنكسارهم بسبب اليتم. 

فلا تبخل على الضُّعفاء و الأيتام برأفتك و حنانك عليهم. 

كيف نتعايش مع اسم الله الرؤوف؟

?- تعلَّم من اسم الله الرؤوف، و تأمَّل كلام العلماء عن رأفة الله عزَّوجلَّ بعباده، و ضعْ هذا العلم منهاجاً في حياتك و اعملْ به .

?- كن شغوفاً برأفة الله الرؤوف و اطلبها منه .

?- تعامل مع البشر برأفة ليرأف بك الله الرؤوف.

بعد هذه الكلمات في الرَّأفة أظنُّك عرفت أنَّ رأفة الله تحيطك

وعنايته تغطيك،

فاجعلْ معرفتك برأفته و عنايته تدفعك لشكره و حمده و اللُّجوء الدائم إليه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين