(الرَّحمن الرَّحيم) في القرآن الكريم -2-

من آثار الإيمان بهذين الاسمَيْن الكريمَيْن :

أولاً : التعرُّف على اللَّه برحمته والإيمان بها . 

وسنحاول فيما يلي التَّعرض إلى جانبٍ من رحمة اللَّه عزَّ وجلَّ ، عسى أن ترقَّ القلوبُ إلى خالقها وتشتاق النفوس إلى بارئها .

1- ربُّكم ذو رحمة واسعة :

قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] ، وقال تعالى إخباراً عن حملة العرش ومن حوله إنَّهم يقولون : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [ غافر : 7 ] .

2- رحمة اللَّه تغلب غضبه :

قال تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ] . قال ابن كثير في هذه الآية : أوجبها على نفسه الكريمة تفضلاً منه وإحسانًا وامتنانًا.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اللَّه لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه : إنَّ رحمتي سبقتْ غضبي )) . وفي رواية : (( لمَّا خلق اللَّه الخلق كتب في كتابه هو يكتب على نفسه ، وهو وضع عنده على العرش : إنَّ رحمتي تَغْلِبُ غضبي )).

3- إن للَّه مائةَ رحمة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنَّ للَّه مائةَ رحمة أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجنِّ والإنسِ والبهائمِ والهوامِّ ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحشُ على ولدها )) . وفي رواية : (( حتى ترفعَ الدَّابةُ حافرَها عن ولدها خشيةَ أن تصيبَه وأخَّر اللَّه تسعاً وتسعين رحمةً يرحمُ بها عباده يوم القيامة )) . وفي رواية : (( إنَّ اللَّه خلق الرَّحمة يوم خلقها مائةَ رحمة )) . وفي رواية : (( كلُّ رحمةٍ طباقُ ما بين السَّماء والأرض ، فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمةً وأرسل في خلقه كلهم رحمةً واحدةً )).

هذه رحمةُ اللَّه المخلوقة ، فكيف برحمةِ اللَّه التي هي من صفاته، وليست مخلوقةً ولا تنفد أبدًا وليس لها حدٌّ ، ولا نهايةٌ . قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] . ولذلك فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلمُ الكافر ما عند اللَّه من الرَّحمة ما قنط من جنته أحدٌ )).

4- إنَّ اللَّه تبارك وتعالى بيده الرَّحمة وحدَه :

ومن رحمته : أنَّ أحداً من خلقه لا يستطيع أن يحجبَ رحمتَه أو منعَها عن أحبابه ، قال تعالى : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] .

فرحمة اللَّه لا تعزُّ على طالب في أي زمان أو مكان : وجدها إبراهيم وسط ألسنة النار ، ووجدها يوسف في غيابت الجُبِّ وغياهب السجن ، ووجدها إسماعيل وأمُّه هاجر في صحراء جرداء لا زرعَ فيها ولا ماء ، ووجدها يونس في بطن الحوت ، ووجدها موسى في اليمِّ وهو طفل وفي قصر فرعون وهو متربصٌ به ، ووجدها أصحاب الكهف حين افتقدوها في القصور بين أقوامهم ، ووجدها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار وهما مُطاردان.

5- اللَّه سبحانه وتعالى أرحمُ بعباده من الأمِّ بولدها :

وذلك لأنَّ رحمة والدِيْكَ بك مهما بلغت فهي جزءٌ من جزءٍ من المائة جزءٍ التي خلقها اللَّه فكيف برحمته هو الواسعة جل جلاله وتقدست أسماؤه؟. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال : قُدِمَ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأةٌ من السَّبي تبتغي - وفي رواية البخاري -: تسعى إذا وجدت صبيَّاً في السَّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أترَوْنَ هذه المرأة طارحةً وَلَدَها في النار ؟ )) قلنا: لا واللَّه ! وهي تقدر على أن لا تطرَحه . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( اللَّه أرحم بعباده من هذه بولدها )) .

وقال حماد بن سلمة : (( ما يسرني أنَّ أمري يوم القيامة صار إلى والديَّ إنَّ ربي أرحمُ بي من والديَّ )) .

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين