الرَّحمن - الرَّحيم  في القرآن الكريم -1-

 

اسمان من أسماء الله الحسنى

جلَّ جلالُه وتقدستْ أسماؤه

 

أولاً : المعنى اللُّغوي:

الرَّحمة : هي الرِّقة والتَّعَطُّف ، والاسمان مشتقَّان من الرَّحمة على وجه المبالغة ، و(( رحمن )) أشدُّ مبالغةً من (( رحيم )) ؛ لأنَّ بناء (( فَعلان )) أشدُّ مبالغةً من (( فَعيل )) ونظيرهما: نديم، وندمان . وفي كلام ابن جرير ما يُفهم منه حكايةُ الاتِّفاق على هذا. 

ثانياً: ورودُ الاسمين في القرآن الكريم :

ذُكر (( الرَّحمن )) في القرآن سبعاً وخمسين مرة ؛ منها قوله تعالى : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 163 ] ، وقوله : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه : 5 ] ، وقوله : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [ الفرقان : 26 ] .

وأمَّا اسمه (( الرَّحيم )) ، فقد ذُكر أكثرَ من مائة مرة ؛ منها : قوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 54 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ البقرة : 143 ] ، وقوله سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ، وهو كثير في القرآن ، انظر سورة (( البقرة )) ( 173 ، 182 ، 189 ) .

معنى الاسمين في حق اللَّه تعالى :

الاسمان مشتقَّان من الرَّحمة ، و(( الرَّحمن )) أشدُّ مبالغة من (( الرَّحيم )) ، ولكن ما الفرق بينهما ؟

 هناك ثلاثة أقوال في الفرق بين هذين الاسمين الكريمين:

الأول : أنَّ اسم (( الرَّحمن )) : هو ذو الرَّحمة الشَّاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة. و(( الرَّحيم )) : هو ذو الرَّحمة للمؤمنين يوم القيامة، واستدلُّوا بقوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ } [ الفرقان : 59 ] ، وقوله : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه : 5 ] ، فذكر الاستواء باسمه (( الرَّحمن )) ليعمَّ جميع خلقه برحمته ، وقال : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } [ الأحزاب : 43 ] ، فخصَّ المؤمنين باسمه (( الرَّحيم )) .

ولكن قد يُرَدُّ على هذا القول بقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ البقرة : 143 ] .

القول الثاني : هو أنَّ (( الرَّحمن )) دالٌّ على صفة ذاتية ، و(( الرَّحيم )) دالٌّ على صفة فعلية .

قال ابن القيِّم رحمه اللَّه: إنَّ (( الرَّحمن )) دالٌّ على الصفةِ القائمة به سبحانه، و(( الرَّحيم )) دالٌّ على تعلقها بالمرحوم (( أي: بمَنْ يرحمهم اللَّه )) ، فكان الأول للوصف والثاني للفعل .

فالأول دالٌّ على أنَّ الرَّحمةَ صفتُه ، والثاني دالٌّ على أنَّه يرحمُ خلقَه برحمته .

وإذا أردتَ فهم هذا فتأمَّل قوله : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } [ الأحزاب : 43 ] ، وقوله تبارك وتعالى : { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 117 ] ، ولم يجئ قط (( رحمنٌ بهم )) فعُلِمَ أنَّ (( رحمنَ )) هو الموصوفُ بالرَّحمة و(( رحيم )) هو الراحمُ برحمته.

القول الثالث : أنَّ (( الرَّحمن )) خاصُّ الاسم عامُّ المعنى ، و(( الرَّحيم )) عامُّ الاسم خاصُّ المعنى .

إذ أنَّ (( الرَّحمن )) من الأسماء التي نُهِيَ عن التَّسمية بها لغير الله تبارك وتعالى ، كما قال عز وجل : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الإسراء : 11 ] ، فعادل به الاسم الذي لا يشاركه فيه غيره ، وهو (( اللَّه )) .

ولذلك قال ابن القيِّم رحمه اللَّه عن اسم (( الرَّحمن )) : ولما كان هذا الاسم مختصَّاً به تعالى حَسُنَ مجيئُه مفردًا غيرَ تابعٍ كمجيء اسم الله كذلك . ولم يجِئْ قط تابعاً لغيره بل متبوعاً وهذا بخلاف العليم ، والقدير ، والسَّميع والبصير ، ونحوها ، ولهذا لا تجيء هذه مفردةً بل تابعةً ، فتأمل هذه النكتة البديعة .

وعن الحسن أنَّه قال : (( الرَّحمنُ )) اسمٌ لا يستطيع الناسُ أن ينتحلوه ، تسَمَّى به تبارك وتعالى ، ولذا لا يجوز أن يُصْرَف للخلق.

وأما (( الرَّحيم )) فإنه تعالى وصف به نبيَّه عليه الصلاة والسلام ، حيث قال: { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] ، فيُقال : رجلٌ رحيمٌ ، ولا يقال : رحمن .

قال ابن كثير : والحاصل أنَّ من أسمائه تعالى ما يُسمى به غيرُه ، ومنها ما لا يُسمى به غيره ، كاسم (( اللَّه )) ، و(( الرَّحمن )) ، و(( الخالق )) ، و(( الرزاق )) ، ونحو ذلك ، فلهذا بدأ باسم اللَّه ووصفه بالرَّحمن ؛ لأنَّه أخصُّ، وأعرف من الرَّحيم ؛ لأن التَّسمية أولاً تكون بأشرف الأسماء ، فلهذا ابتدأ بالأخصِّ فالأخصِّ. اهـ .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين