أقزام تتطاول على شمس الأعلام البخاري الأشم

 

 

1

نعيش اليوم في زمن عجيب غريب

انفجار إعلامي في أشكال متعددة: صحافة، فضائيات، الشبكة العنكبوتية، وسائل الاتصال...

وتدفق معلوماتي يشبه التسونامي: كتب، مجلات، مدارس، جامعات، مراكز بحث....

وجموح نفساني: فالكثيرون يريدون الشهرة بأي ثمن، وأن يشار إليهم بالبنان، ولو مزقوا جميع الأديان...

وتقدم علمي، وترف علمي، وكذلك فجور علمي: لكي يقال عن صاحبه أنه متحرر مجدد مبدع وحيد عصره، جاء على موعد مع القدر...

2

وأمتنا الإسلامية في وضع يرثى له

فهي في مؤخرة الركب الحضاري

تخلف يضرب أطنابه على شتى الأصعدة

وفتن داخلية وخارجية تكاد تعصف بها

وجوع وفقر وحروب ودماء ودموع

لقد أصبحت قصعة الأمم

وماهي إلا  كما قال الشاعر

ويُقضى الأمر وتيم غائبة

ولا يُستأمرون وهم شهود

3

وفي هذه الأزمات التي تشبه نزع الروح من الجسد

يبزغ لدينا نجوم في الفن والرقص والموسيقى

وبلعامات (جمع بلعام) تريد أن تهدم الأسس الفكرية والقواعد الدينية

وأفضل طريقة للشهرة والعنترة الكاذبة

أن تحرك الأهرام من مكانه

أو تطوي الشمس بيمينك وتركل القمر برجلك

وأن تلعن السلف من هذه الأمة ورجالها الأخيار الأطهار

وأن تشكك في  وجود الليل والنهار

وأن تهجم على أهل الحديث فتدمرهم  تدميرا

و(تطهر) البلاد من طهرههم تطهيرا

وعلى رأس هؤلاء سيدي الإمام البخاري 

4

ماذا فعل البخاري؟

جمع لهذه الأمة صفوة مختارة من حديث نبيها المعلم صلى الله عليه وسلم

واتخذ منهجا علميا سديدا وموضوعيا

ولم يرد أن يخفي شيء من حقائق هذا  الدين

فساق ما صح لديه واضحا كالشمس

ولم يكن يريد من العلم  درجة دكتوراة ولا ترقيات علمية 

ولم يكن يبيع علمه لعلية القوم

فقد بث ما وهبه الله من العلم في الناس سواسية

وكان يطبق ما يرويه على نفسه أولا، فهو عالم عمل وليس عاملا متعالما

فهل يستحق هذا الرجل إلا الرحمة والغفران، وأن يرش تحت أقدامه الزعفران

وأن  يدخل جنة الرضوان بإذن المولى الرحمن، وبشفاعة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم

5

حفظ البخاري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

فحفظ الله مسجده حتى اليوم

وبالرغم من قساوة الشيوعية وحقارتها وظلمها وفجورها

وبالرغم من استخفافها بالأديان واحتقارها لها 

فهي لم تدمر مسجد البخاري

ولا يزال قبره وبيته هناك 

(احفظ الله يحفظك)

6

أطلعني أحد الزملاء على مقطع فيديو لرجل مثقف بزي العلماء يتهجم على صحيح البخاري

عجبت لجرأته على البخاري

وكأن البخاري هو من عطل مشروعنا الحضاري!

وهو من زرع اليهود في فلسطين!

وهو من أضل العباد وضيع البلاد!

وادعى الرجل أن في البخاري ما يناقض العقل!

وضرب لذلك ما رواه ابن عباس عن رجم القردة لقرد زنى!

وكأن جمهور العلماء من عصر البخاري حتى اليوم شلة بُله ومغفلين حتى مرت عليهم هذه الخرافة ولم يدروا بها!

أما صاحبنا فهو صاحب العقل السليم الذي سيستخرج الخرافات بالمنكاش!

ألم يقل ربنا عن سائر المخلوقات بأنهم (أمم أمثالكم)

أليس هنالك قوانين تحكم عالم الحيوان كما الإنسان!

ما الغرابة فيما رواه البخاري!

ولا يشترط أن يكون كل من زنى من القردة يُرجم

فكما أن من البشر من يستبيحون الفواحش وهنالك من يُعاقبون عليها

فقد يكون هذا موجودا في عالم الحيوان

وهل أجرى (صاحب العقل) تجارب على كل القردة ووجدها جميعا غارقة بالزنى

وقد يكون الأمر في الحديث كرامة أو شبه معجزة لمن أطلعه الله على مثل هذا

ألم تكلم النملة سيدنا سليمان (فتبسم ضاحكاً من قولها) !

وهل يُسمع صوت النمل يا صاحب العقل!

لماذا تنكر على البخاري أمرا ممكنا

تذكر قوله تعالى: (أتعجبين من أمر الله) 

واعلم أن الله على كل شيء قدير!

7

وأنكر صاحبنا حديث رضاعة الكبير

قامت الدنيا ولم تقعد حول هذا الحديث

وهوى له أحد وانهد ثهلان

أذهان فارغة تلهث وراء الجدل!

وخلاصة القول فيه أنه علاج خاص لحالة خاصة

ولا ينبغي التعميم والبناء على هذا الحديث

والإسلام دين يسر ورحمة

(ولو شاء الله لأعنتكم)

فلم كل هذا الإنكار والاستنكار لحديث صحيح!

حقا لا تنثر الدر بين سارحة النعم

حقا خاطبوا الناس على قدر عقولهم

هذا عندما كانت لهم عقول، وهم في خير القرون...

وأما في عصر يلعن فيه بعض الناس أسلافهم فواحسرتاه  من ضياع العلم!

وصدق الشاعر:

ما كان في عقلاء الناس لي أمل

فكيف أملت خيرا في المجانين!

8

وأنكر صاحب العقل حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم!

وقال إنه يناقض القرآن ويتفق مع قول المشركين الذين قالوا: (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا)

ولا تناقض ولا ما يحزنون!

كل ما في الأمر (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي)

فيعتريه ما يعتري البشر من ضعف ومرض وأسقام ثم يشفيه الله منها!

والمشركون الذين قالوا عنه صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور قالوا عنه ساحر أيضا، فكلامهم متناقض لا قيمة له، حتى نقول بأن البخاري أقام حجتهم بحديثه!

إذ كيف يكون ساحرا ومسحورا في آن واحد!

وهو في مكة لم يكن مسحورا حين نزلت الآية: (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا)

فالمشركون كاذبون!

وأن يعتريه السحر لمدة زمنية محددة أيام أو أسابيع ثم يشفيه ربه لا يعني هذا أنه مسحور طيلة عمره، ولا يقدح في رسالته وعصمته لا قبل سحره ولا بعده.

فهو لم يرتكب ما حرم الله في هذا الوقت ولا قبله ولا بعده، ولم يترك التبليغ عن ربه

بل كان سحره عليه السلام سببا لنزول المعوذتين وقام بتبليغهما، وفك الله عن السحر بهما.

أما أن يُخيل إليه أنه فعل الشيء وهو لم يفعله، فهذا نوع من التوهم قد يقع فيه أي إنسان حتى ومن دون السحر أحيانا، وذلك لأن الجملة العصبية بسبب تأثير الإرهاق أو الأحداث والأحزان قد تختل بعض وظائفها وتحتاج إلى راحة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحدث لأعصابه أي خلل، ولم يأخذ راحة، مما يعني أنه كان في حالة نفسية سليمة، ولكنه بشر، ولم يؤثر فيه السحر أكثر من التخييل، والتخييل بسبب السحر قد يصيب الأنبياء، ألا ترى إلى موسى عليه السلام (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) وحبالهم وعصيهم هي ثابتة لا تتحرك، ولم يقدح هذا التخييل الناتج عن تأثير السحر في عصمة موسى ولا عصمة سيدنا محمد عليهما السلام!

9

وهنالك باحث آخر أنكر سجود الشمس تحت العرش، وقال إنه سافر لأمريكا وتبع الشمس فلم يجدها تغرب!

ونحن نريحه من هذا (والنجم والشجر يسجدان) ونحن لا نرى سجودهما وإن كنا نؤمن به، فلماذا تبع الشمس يراقبها إلى أمريكا.

وأما سجود الشمس فثابت في القرآن، إذ يسجد لله ما في السماوات والأرض، ومعنى السجود هو الانقياد والطاعة كما فسره ابن عباس، وليس كسجود ابن آدم، وأما استئذانها فقد يكون بلسان الحال لا المقال، أو أن الله ينطقها فهو الذي أنطق كل شيء، وأما أنها تسجد تحت العرش فالكون كله تحت العرش بما فيه الشمس!

10

أيها العقلاء

يا سادتنا من العلماء والفقهاء وكذلك من أدعياء العلم والفقه

لا تحاكموا النصوص الدينية جميعها محاكمة عقلية نقدية

لأن منها ما يتعلق بالغيب الذي لا يعرفه العقل

ومنها ما يتعلق بالمعجزات

ومنها ما لا يعلم تأويله إلا الله

فلنتأدب مع ديننا

ولنتواضع أمام علمائنا

ولا تجرفنَّ شهوة الشهرة رجلاً لكي يبصق في وجه الشمس

فالشمس هي الشمس، أسمى من أن يدنسها شيء

وقديما قال العباس بن الأحنف:

هي الشمس مسكنها في السما

ء فعزًّ الفؤاد عزاء جميـــــــلا

فلن تستطيع إليها الصعـــــــو

دَ ولن تســـــتطيع إليك النزولا

فمن يبصق على الشمس إنما يبصق على نفسه! 

11

رحمة الله على البخاري

فقد تزول الأهرام من مكانها

وينهد جبل هيملايا

وتبدل الأرض غير الأرض

ولكن اسم البخاري سيبقى خالدا ما بقي الجديدان

12

وهذه بعض الأبيات أحيي فيها الإمام الجليل، وكل أئمة الحديث هم أئمة فضلاء أجلاء رحمهم الله تعالى:

لله درك أيها البخـــــــــاري

يا سيد العلماء في الأمصار

يا من حفظت لديننا أركانه

في حفظ سنة سيد الأبرار

فجزيت خيرا إذ حفظت محمداً

ووقيت من شر العدا والنار

يا رب بلغه العلا في جنة

الفردوس رغم مكيدة الفجار

ولتكرمنْ أهل الحديث جميعهم

فهم الحماة لشرعة المختار

واحشرني يا رباه تحت لوائهم

فهم الأحبة للإله البـــــــاري

إني أحب بأن أكون رديفهم 

ونبذت عيش اللهو والسمار

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين