الألوان يا سلام

رغم التطور الذي حصل في العقود الثلاثة الأخيرة على مستوى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والإنسانية في العالمين العربي والإسلامي، كماً ونوعا ، إلا أن الملاحظ هو وجود قصور واضح لجهة وجود الهيئات التي من شأنها أن تقدم الدعم الفني والخدمات الأساسية لتطوير الأهداف الاستراتيجية وأدائها وخدماتها بصفة عامة من جهة ، أو تسهم في مجالات غرس قيم العمل التطوعي ونشر ثقافته بصفة عامة في المجتمع، وتأصيل أدبياته، من جهة أخرى ، حيث ثمة تقصيرا من قبل هذه المنظمات والهيئات للقيام بأعباء هذه المهمة الأصيلة، رغم انعكاساتها الكبيرة في تحقيق الخيرّية لدى الأفراد والمجتمعات. 

ما نقصده هو غياب أو ندرة وجود مراكز للبحوث والدراسات ، ومراكز التدريب والتطوير والاستشارات ، ووكالات الأنباء.. المتخصصة في هذا الشأن ، وجهات للإنتاج الإعلامي والابداعي، فيما يخص القطاع الثالث ( المنظمات غير الحكومية )،  والجهات التنسيقية للعمل الميداني والجهود المتصلة بذلك ، وبخاصة في المجال الإغاثي .


فرغم وفرة العدد الذي بلغته منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في مجتمعاتنا العربية والأوزان النوعية وصلت إليها بعضها.. إلا أننا لا نكاد نجد سوى مراكز معدودة متخصصة في البحوث والدراسات والتدريب الذي يتصل بهذا الجانب، والموجود منها ما يزال يمشي على استحياء، وبالتالي فإن بنيته ونطاق حركته وتأثيره ما يزال محدودا ، تبعاً لأمرين أولهما اعتبار أن مثل هذه المراكز ما تزال ترفاً لدى الكثيرين من قيادات المنظمات الأهلية ، ومن ثمّ الزهد بها وبدورها المناط بها ، وضعف الدعم المالي المخصص لها. والأصل أن تسهم هذه المراكز في دراسة وتأصيل المفاهيم الخاصة بالعمل الخيري، والتخطيط الإستراتيجي للجمعيات الخيرية ، والتعرف على الأساليب العلمية في إعداد البحوث والدراسات في  مجال عمل المؤسسات الخيرية، ودراسة نظم الإدارة المالية ، والقوانين والتشريعات الخاصة بالعمل التطوعي، وتقديم الاستشارات الفنية لها، وتدريب الكوادر وتطوير قدراتها النظرية والعملية.


فيما يخصّ وجود وكالة أنباء متخصصة، فلا يكاد يوجد سوى شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين" التي تتبع  مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فيما لا نعثر على وكالة مستقلة أو خاصة تعنى بمثل ما تعنى "إيرين"، أو يكون تأسيسها نتيجة دعم من جمعيات خيرية تشعر بحاجتها لمثل خدمات هذه الوكالة، وتتمثل أهمية مثل هذه الوكالة بالنسبة للمنظمات الأهلية برصدها للقضايا الإنسانية حتى قبل انتباه وسائل الإعلام العامة إليها، حيث يعتبر الإنذار المبكر أحد أهم ركائزها، كما تقوم بمواصلة التركيز على القضايا الإنسانية التي لا تحظى باهتمام وسائل الإعلام الأخرى دائماً، حتى لا تتحول تبعاً لذلك إلى قضايا مهمشة، ومراعاة معايير العمل الإنساني عند نقلها للأحداث، وإلقاء الضوء على الثغرات في الاستجابة الإنسانية والمشاكل التي قد تترتب عليها.


وتتمثل أهمية إنشاء مؤسسة للإنتاج الإعلامي والإبداعي متخصصة في العمل الإنساني،  في عدم حصر نفسها في دائرة دعم تسويق المشاريع والخدمات الخاصة لمؤسسة معينة،  بل في التركيز على التسويق القيمي والمجتمعي للعمل الإنساني بصفة عامة في مجتمعاتنا، وإنتاج مواد توعوية مطبوعة ومسموعة ومرئية، من شأنها غرس قيم العمل الإنساني منذ الصغر ، وإشاعة ونشر  ثقافة العمل الخيري لدى الناشئة والشباب وبقية الشرائح على نطاق واسع ، وذلك من أجل جذب أكبر شريحة ممكنة من المتطوعين بأوقاتهم وخبراتهم ومالهم، وكسب طاقاتهم وقدراتهم لصالح العمل التطوعي، نظرا لأهميتها للإغاثة والتنمية .


وبقدر ما يكون الإبداع في هذا الانتاج فكرة وصياغة وتصميما وإخراجا ، تكون قدرته أكبر على التأثير في المتلقين، وكسب أكبر أعداد  منهم كمتطوعين جددا، أو زيادة الأوقات والأموال التي يخصصونها لهذا الشأن ..وبوسع هذه المؤسسة القيام بأعمال كثيرة على صعيد البرامج والأفلام الوثائقية والفلاشات التوعوية والأناشيد والفيديو كليبات، والقصص والألعاب والمسرحيات والمجلات والمواقع على الانترنت والتطبيقات الالكترونية على الهواتف المحمولة وغيرها.


وأخيراً  فإن وجود جهة فاعلة للتنسيق بين المنظمات غير الحكومية، وخصوصا العاملة منها في مجال العمل الإنساني، على المستويات المختلفة ، المحلية ، العربية ، الإسلامية ، وربما الدولية مهم للغاية، لأكثر من سبب لعل أهمها التنسيق بين هذه الجهات في الميدان أثناء عمليات الإغاثة إبان الكوراث والنكبات والحروب، والسعي للتكامل فيما بينها على صعيد  برامجها ومشاريعها وخدماتها ، توفيرا للجهود والمال والأوقات، وضمانا لجودة في الخدمة أكبر، ووصولا إلى أكبر شريحة ممكنة من المستفيدين ، وبالتالي تحقيق أكبر أثر ممكن.  


توجد مثل هذه الجهات على ندرتها، ولكنها إمّا حكومية ، أو أهلية ولكن نطاقها الجغرافي محدود ، أي غالبا ما تكون على مستوى الدولة الواحدة، أو تكون فاعليتها محدودة عمليا .
ما نتمناه أن تلتفت مؤسسات العمل الإنساني والمنظمات الأهلية لهذه الأمور ، وتسعى لتكوينها أو دعم القائم منها ماديا ومعنويا ، وإيلائها الاهتمام الكافي ، لأنها بكل المقاييس ليست ترفا بل حاجة ملحة .  

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين