المرأة وبيت الزوجية - إعداد المرأة لبيت الزوجية :

المرأة وبيت الزوجية

إعداد المرأة لبيت الزوجية :

       هذه الحقائق التي تؤكد الفروق الجسدية والنفسية والفطرية بين الذكر والأنثى، واختلاف وظائفهما وطبيعتهما تستدعي إعادة النظر في إعداد المرأة للحياة، ابتداء من ولادتها وتدرجها في الأسرة، واكتسابها للأفكار والسلوكيات والعادات في مرحلة الطفولة، وتدربها العملي في حياة اجتماعية متكاملة في أسرتها ومجتمعها. ثم في المدرسة، وما يحيط بها من أجواء تناسب فطرتها، ولدى اختيار المناهج ووضع المقررات الدراسية المناسبة لها، وتحديد الأهداف الخاصة بترتيبها وإعدادها، وكذلك اختيار الأساليب والوسائل، والفروع والتخصصات، وافتتاح المدارس والكليات، وطرق تزويدها بما يناسب الفتاة، ويؤدي إلى إعدادها بشكل سليم، حتى لا تصطدم فيما بعد في الواقع الاجتماعي المناقض لطبيعتها، ولا تعاني من الكلم والقهر والإحباط، ولكي تتكامل وظائفها ومسؤولياتها مع وظائف الرجل ومسؤولياته، ولا تتعارضا أو تتنافسا كما يريد المعتدون على الفطرة الإنسانية، والمجتمع.

       وهذا الإعداد يشمل كل الأمور، وفي جميع الأحوال والمراحل التي تمر بها المرأة وهو يتطلب برامج علمية وعملية واجتماعية وثقافية تستند إلى حقائق الحياة والعلم، ووقائع التاريخ ومتطلبات المجتمع، وضرورة الأمن والسلامة الاجتماعية، وحاجات الطفولة والأمومة، وحماية الأسرة وتقويتها والتنمية المتوازنة الإيجابية للمرأة وأن يكون ذلك من منطلق أساسي وهو علم الشريعة.

ومن أهم الجوانب التي يشملها الإعداد ما يلي :

1- إعداد المرأة للحياة الزوجية والأسرية : الزواج سنة الحياة، وطريق البقاء البشري على وجه الأرض لعمارتها واستثمارها والقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض، والمرأة ركن مهم وأساس في الزواج. لقد غرس الله – عز وجل – هذه الحاجة في فطرة الإنسان (الرجل والمرأة) وجعل في نفسيهما الميل الفطري للتزاوج لكي تستمر الحياة، وتبنى الأسرة، ويقوم المجتمع من هذه النواة الأساس.

       ولكي يكون الزواج مثمراً شرع الله للإنسانية نظاماً واقعياً وإيجابياً في اختيار الزوجين، وعقد الزوجية، وإشهار الزواج، وحقوق الطرفين وواجباتهما وهذا كله يستند إلى النصوص الشرعية التي جاء بها دين الله الإسلام.

       وما دام الزواج يضم الطرفين (الزوج والزوجة) فإنه من شروط نجاحه أن تتعلم منذ صغرها أمور تهيئتها لهذه المسؤولية، وتربى على أنها أنثى سوف تتحمل مسؤولية البنية الأساس في المجتمع، وتتحمل أمانة كبيرة من خلال الزواج.

       ولابد من تربيتها وإعدادها على الاقتناع بأن إقدامها على الزواج، وقيامها بمتطلباته، وتحقيقها لما يجب عليها نحو الزوج، وأهله، ونحو الأسرة والأولاد وكل ما يحيط بها في الحياة الجديدة هو الأهم في حياتهم وهو النجاح الحقيقي لها وهو الطريق لإثبات ذاتها وكفاءتها، وممارسة وظيفتها في الحياة، لحفظ المجتمع كله، وإمداده بسبل الحياة الهانئة المطمئنة.

       كما إنه من المهم التعرف على طبيعة العلاقات الجديدة المترتبة على الزواج والقائمة على الحب والود والتراحم بين الزوجين، والطاعة وقبول قوامه الرجل، وبذل الجهد المخلص الجاد لتكون معه الأنيس، والمصاحب والناصح، والمساند، وصانع الفرح، ومشيع التفاؤل، والصبر على تحمل المشاق، والجد في القيام بالواجب. وإن تحوّل العلاقة الزوجية ، هذا العقد المقدس الذي أوصى رسول الله r كثيراً بحفظه، وأمر الرجال بذلك، إن تحول هذه العلاقة إلى ما يسمونه الشراكة فقط فسح لهذه العلاقة، وقضاء على الجوانب الروحية والنفسية والأهم، وإهمال الجوانب الوجدانية، والسلوكية التي تقوم على المودة، والحب، والتراحم لكي تكون أساس الوفاق الأسري، وبناء الأسرة المتماسكة، وتربية الأبناء تربية صالحة مستقيمة وواعية، فالحياة الزوجية هي النواة الحياة للمجتمع، ونجاح الأسرة وأجواؤها التي تخيم عليها نجاح للمجتمع، وصورة للأجواء التي تسود فيه، والقيم والسلوكيات والأخلاق التي تتمسك بها الأسرة، وتجعلها أساساً لعلاقاتها ونشاطها هي القيم والسلوكيات والأخلاق التي تسود فيما بعد المجتمع. ومن هنا كانت الأسرة مهمة جداً، وكانت علاقة الزواج الذي شرعه الإسلام مهمة أيضاً، وحين تدرك المرأة ذلك، بل يتحول هذا الإدراك إلى اعتقاد ومطلب ومسؤولية وواجب وأمانة، عندما تتحول الحياة إلى مجتمع ناجح، يسوده الوئام والتعاون، وتتحقق له الآمال والطموحات الصعبة، ويغدو كما أراده رسول الله r جسداً واحداً، في سرائه ضرائه، متكاملاً متضامناً متعاوناً، ينهض جميعاً، ويسعد جميعاً.

       والمرأة بحاجة إلى تفهم هذا الجانب من الزواج والاهتمام به، بل والاستعداد له نفسياً وفكرياً وسلوكياً، داخل أسرتها التي تنشأ بها، ثم في مدرستها أو معهدها، وفي كل المراحل والأجهزة المؤثرة في تربيتها وإعدادها. كما إنها بحاجة إلى أن يستقرَّ في أعماقها بأن الحياة الزوجية تعني قيامها بالمسؤولية في الحياة، وأداء وظيفتها كقطب يجمع حوله بجاذبية الحب والود والحنان والإخلاص، والزوج والأولاد بل والمجتمع، وكذا أداء وظيفتها الاجتماعية والتربوية والعلمية في هذه البنية الأساس، وفي المجتمع ككل.

       وينبغي أن تكون سعادتها الحقيقية في نجاحها في وظيفتها، واستقطابها للأسرة، وأدائها للواجب، بعيداً عن المظاهر والأضواء التي لا تلمس غير البشرة الخارجية للإنسانية، وقد تكون عاملاً مخادعاً ومناقضاً للحقائق الاجتماعية والنفسية.

       وينبغي أن تفرح بنجاحها في بث الحنان والمسؤولية، والمودة والطمأنينة والمتعة والواجب، فرحها بنجاحها الأكبر في الحياة.

       وإن واجب الأسرة أن تهيئ الفتاة لهذه المعاني في الزواج، والاطمئنان والسعادة في قيامها بالمسؤولية هذه، والفوز برضوان الله عز وجل وتحقيق الطمأنينة والسلام الاجتماعي.

       كما إن واجبها أن تربي الفتاة على الرضى والسعيد، والقبول الحناني لطاعة الزوج، وأن تعرف بأن زواجها يعني أنها أصبحت برعاية رجل جديد، له عليها الطاعة، ورضاها برضاه فيما لا يغضب الله – عز وجل – وسعادتها الحقيقية لا تتحقق إلا من هذا الباب المهم، وأن وصولها للجنة وفوزها برضوان الله – عز وجل – يتحقق عندما تحرص على هذا الأمر المبدئي. ويزداد نجاح الأسرة في ذلك، بل إن الرجل يحبها كلما ازدادت نجاحاً في تحقيق هذه القيم، وفي إرساء أسس البيت الناجح والأسرة السعيدة. وفي تمثل مسؤولية الزوجة المطيعة، الحانية والودودة، الناصحة المخلصة، وغرس الثقة مع المحبة، والجد مع المودة، والواجب مع عاطفة الصلة الزوجية. والبيت المسلم مسؤول عن غرس هذه المعاني والقيم، وإشاعة هذه الأجواء في نفوس البنات، تهيئة لحياة المستقبل، مع كنس الآثار المدمرة لما تبثه المسرحيات والمسلسلات، والندوات والدعوات المضللة الظالمة، التي تريد أن تهدم هذه الأسس، وتثير المنازعات الاجتماعية، وتدفع المرأة للتمرد على فطرتها أولاً، وعلى عقيدتها وقيمها وأسرتها، وتدفعها للخوض في غمار الاختلاط، لإرضاء طلاب الشهوة، ودعاة الجنس، وأصحاب الأهواء.

       والبيت المسلم مسؤول عن إيضاح الأحكام الشرعية التي شرعها لنا رب العالمين لتحقق الاستقرار والسلام والصلاح في المجتمع، ولتقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض، وأداء الأمانة، لنفوز بالسعادة ي الدنيا والآخرة.

       والبيت المسلم مسؤول عن إيضاح الأحكام الشرعية التي شرعها لنا رب العالمين لتحقق الاستقرار والسلام والصلاح في المجتمع، ولتقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض، وأداء الأمانة، لنفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة.

       وهي مسؤولة عن تفنيد كل الآراء والأحكام والدعوات التي تثير الغرائز، وتهدد الأسرة، وتفكك المجتمعات، وتجر المرأة إلى فوضى الأخلاق.

       ثم يأتي دور المدرسة، ومسؤوليتها في ذلك لا تقل عن مسؤولية البيت لتعزيز هذه المفاهيم، وتعميق التربية والإعداد المطلوب للمرأة لكي تحقق النجاح في حياتها، وتزيل الخلط واللبس والمغالطات عن معنى الحياة الزوجية، وعن واجبات الأسرة، وعن سبل النجاح والسعادة للمرأة الرجل.

       والمدرسة التي تتكامل مسؤوليتها مع مسؤولية البيت، لا تستطيع أن تحقق هذا الأمر إلا إذا كانت تستمد أهدافها وقيمها من أهداف الأمة وقيمها. أي من عقيدة هذه الأمة، التي لا حياة لها ولا نجاح ولا سعادة إلا بها. كما إن المدرسة التي تتولى تربية المرأة بحاجة إلى مناهج وبرامج تتلاءم مع فطرة المرأة وطبيعتها وخصائصها، ومسؤوليتها في الحياة، كما تحقق المحافظة على كيان الأسرة، وتماسكها، وتعذيبها بالوسائل التي تعينها على مهمتها. ومن الخطر كل الخطر، أن تتحول المدرسة إلى نقيض الأسرة، تهدم ما تبنيه، وتعارض ما تغرسه في نفوس الأبناء، وتزرع قيماً وسلوكاً بعيداً عن سلوك المجتمع وقيمه النابعة من الإسلام.

       وهذا ينقلنا إلى المناهج والمقررات، وطرق التدريس، وأساليب التعليم، وتقنياته، ونشاطاته التي تترك آثارها العميقة في شخصية الفتاة، وتكوّن لديها الاتجاهات السلوكية، بل والقيم والمبادئ، وترسم لها طريق المستقبل.

       وإن الملاحظ أن المناهج والمقررات في أكثر البلدان الإسلامية تتجاهل هذه الخصوصية، ولا تراعي حقائق الفطرة البشرية للمرأة، ولهذا ترسم لها المناهج، وتضع المقررات، وتستخدم الأساليب والطرق ذاتها التي تقررها وتستخدمها مع الذكور، بحجة أن العلم لا يفرق بين الرجل والمرأة، وبحجة أن المرأة نصف المجتمع .. إلى آخر هذه المقولات التي نراها ونسمعها.

       وإن النتيجة الطبيعية لمثل هذه المناهج والمقررات، ولهذه التربية التي تستمر كثر من أثني عشر عاماً، أن تخرج المرأة نموذجاً آخر من الرجال، لا هي بالأنثى، ولا هي بالرجل، ترى نفسها مؤهلة لأن تقوم بوظيفة الرجال، وتطالب بالإسهام في تطوير المجتمع ومسيرته، وتشعر بالظلم لأنها لا تحل المسؤوليات والقيادات والمهمات المختلفة التي يتولاها الرجل.

       ويأتي المعرضون لينفخوا في هذا البوق المحرق، ويزيدوا في إشعال النار التي تحرق كيان الأسرة، وتقضي على خصوصية المرأة، وتحرمها من مميزاتها، وتأخذها من مواقعها الحقيقية في بناء المجتمع وإعداده، والإمساك بقيادة التربية وتحقيق الأمن الأسري والاجتماعي، والمحافظة على شرايين الحياة الحقيقية للمجتمع، ثم تغري المرأة بالأضواء، والأزياء، والمظاهر الخادعة حتى يضيع الحق، وينتفي الرشد والصواب.

       إن المنطلقات التي تعتمد عليها المناهج، والمقررات الدراسية التي تنتج عنها بحاجة إلى إعادة نظر، والعودة بها إلى أصل الفطرة، والتسليم بأن الإنسان ذكر وأنثى، وأن طبيعة المرأة وإمكاناتها تختلف عن طبيعة الرجل وامكاناته، وأن الاعتماد هذه الحقائق لا يقلل من شأن المرأة، ولا ينقصها حقوقها، ولا يمس آدميتها وكرامتها، بل العكس هو الصحيح، إذ يجعلها في مكانها المناسب، ويحفظ لها مكانتها ومسؤوليتها، ويحقق لها الانسجام والتوافق والنجاح في حياتها، ويحفظ كرامتها وحشمتها، ويصون المجتمع ويحميه من الفوضى والاضطراب وحدوث الأزمات، وانهيار الأخلاق، وتفشي الفساد، بل يحميه من الزيف والخداع والبطالة المقنعة، ويحفظ الأسرة، ويوفر على الأمة هدر الأموال التي تنتج عن هذا المنهج ال?

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين