حوار / شيخ القراء لبلاد الشام دعا النظام إلى عدم إجبار المتظاهرين على اللجوء للسلاح

حاوره - موسى دياب وعبد السلام السلات  

دعا شيخ القراء لبلاد الشام محمد كريّم راجح الحكومة السورية إلى عدم إجبار المتظاهرين على اللجوء إلى السلاح حتى لا تقع حرب أهلية «تأكل الأخضر واليابس».
وأشار راجح في حوار مع «الراي» على هامش زيارته للكويت لتسلّم جائزة أفضل شخصية قرآنية لعام 2012 - إذ أن «هناك انقساماً في سورية بين النظام الذي يرى أنه يقاتل جماعات تريد أن تحتل البلد، وبين متظاهرين يخرجون في مظاهرات سلمية يطالبون بإصلاحات».
وأكد أن «سورية دولة وسطية ولا وجود للطائفية فيها»، متسائلاً «لو كانت لدينا طائفية هل كان حكم حافظ الاسد سورية، أو حكم بشار الاسد أيضاً»، مضيفاً أن «الطائفية خلقت الآن، ولم نكن نعرفها من قبل».
ورأى شيخ القراء أنه «مهما شاءت الدولة أن تكون قوية فإن الشعب أقوى منها، وسورية باقية»، لافتاً إلى أنه لم يتواصل مع رجال الدين المؤيدين للنظام باعتبار أن الكلام الذي لا يجدي.. ثرثرة»... وفي مايلي تفاصيل الحوار:
 
• كانت لك انتقادات قوية لطريقة تعامل النظام مع المتظاهرين، كيف كان رد فعله على تلك التصريحات؟
- أولاً كنت أود ألا أسأل وألا أجيب، وكم مرة قلت إنني لا أتكلم عن سورية إلا في سورية، لكنني أتحدث اليوم وأرجو أن يكون في كلامي نصيحة للسوريين حاكمين ومحكومين، وعسكريين وغير عسكريين، فالحقيقة أنني رغم ما تكلمت به وقلته لم أتعرض إلى أي إساءة، بل أرى أنني أزداد احتراماً.
•التقيت بالرئيس بشار الأسد أكثر من مرة، فما الذي طلبه منك؟
- اجتمعت بالرئيس ثلاث مرات، مرة مع بعض من أهل العلم، ومرتين بيني وبينه، ولم يطلب مني أي موقف.
•وكيف كانت نظرته إلى أوضاع البلاد؟
- لم يحدثني بهذه الأمور، لكن كان يُفهم منه بأن «أعطني رأيك بما يحصل الآن»، وكانت تلك اللقاءات في بداية الأحداث أما عند اشتدادها فلم ألتقِ به.
• هل نصحت مَن التقيتَ مِن أركان النظام بتغيير أسلوب تعاطيهم مع الأحداث؟
- أنا أنصح لهم ولغيرهم، وما جاء أي نظام إلى سورية إلا كنت أقول كلمة الحق، في سورية وخارجها، ونصيحتي هي قال الله وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن أعجبه ما أقول فجزاه الله خيراً، فنحن نعيش في مرحلة تقلبات، لكننا اليوم نتقلب وللأسف إلى ما هو أقل، ولانتقلب إلى ما هو أعلى.
• هل تقيم حاليا خارج سورية أم أنك غادرتها بشكل طبيعي؟
- لا بل غادرتها بملء إرادتي، ولم يسئ إلي أحد، كما أنني مرتبط بوزارة الأوقاف، ولم تقف الوزارة في وجهي. ولم أمنع من الخروج، لذلك سأعود وأخرج عند الحاجة.
• قارنت بين قصف الجيش السوري للمدنيين والمساجد وبين ابتعاد جيش الانتداب الفرنسي عن التعرض لأماكن العبادة في بعض خطبك، فما الذي تريد أن تصل إليه من خلال تلك المقارنة؟
- قلت هذا الكلام شفقة على الجيش وعلى الشعب، وكل ما أريده ألا يكون هناك شرخ بين الشعب والدولة، بل أن تكون الدولة خادماً للشعب، وأن يكون الشعب قائماً بطاعة الدولة، وحيث يكون شرخ مهما كان ضئيلاً فإنه يولد شروخاً كبيرة جداً، وأتمنى أن نبقى كتلة واحدة.
وحين قلتُ ذلك كنت أحذر من أن ينحدروا إلى درك ليس له آخر، أنا ما أزال أكره الاستعمار، ولكن أكره أكثر من الاستعمار أن نعيش عيشاً يكون الاستعمار خيراً منه، أنا أربأ بهم أن تصل الحال إلى هذا الحد، وقلتها أكثر من مرة مهما شاءت الدولة أن تكون قوية فإن الشعب أقوى منها، وسورية باقية. فلنعمل جميعاً لسورية.
كل ما أقوله إنما هو خوف من أن ينحرف البعض عن طريق الحق، وأرى أن البعد عن الله هو الذي أوصلنا إلى هذا الأمر. فالذين يقتلون غيرهم اليوم هم يقتلون أنفسهم أولاً.. الظلم يقضي على الظالم قبل أن يقضي الظالم على المظلوم.
• هل أنت مع من يرى أن سورية تعيش اليوم انقساماً سياسياً حاداً؟
- المشكلة أن النظام يرى أنه يقاتل جماعات تريد أن تحتل سورية، بينما يقول المتظاهرون إنه لا يوجد مندسون ولا عصابات مسلحة، وأن الناس تطالب بحقوقها وبإصلاحات وقد خرجت بمظاهرات سلمية لا يحملون شيئا، وهم يريدون أن تكون لهم كلمة وأن يعيشوا أحراراً، وإذا كان غيري قد عرف الإنسان بأنه حيوان ناطق، فأنا أقول إن تعريف كلمة الإنسان هي انه «حيوان عزيز».
• ما رأيك بمواقف رجال الدين في سورية من الأحداث؟
- هناك انقسام بين علماء مشوا مع الدولة ويحتجّون بما تقول، وبين الذين يمشون مع المتظاهرين ويحتجون بالرأي الآخر الذي يقول «طالبنا بحقوقنا فقمعنا».
•هل نصحت العلماء الذين يتبنون وجهة نظر الحكومة؟
- بعض هؤلاء العلماء أعرفهم جيداً، إلا أنني لم أجد من المناسب في هذه الظروف أن أتصل بهم، لم أتكلم مع أحد لأني أعتقد أن «الكلام الذي لا يجدي ثرثرة»، فعندما أتحدث مع أحد وأشعر أنه لا يستجيب فلا قيمة لهذا الحديث.
• رغم تمسك الشعب السوري بسلمية مظاهراته إلا أن النظام صعَّد من مواجهته، هل ترى أن عسكرة الاحتجاجات قد تصبح خياراً لا بد منه؟
- أود ألا يحمل أحد سلاحاً كما أود من السلطة ألا تلجئهم إلى حمل السلاح، وألا تلجئ الدول الأخرى إلى تسليح الناس، أرجو ألا تحمل الدولة الناس على أن يتسلحوا لأن هذا قد يؤدي الى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، وقد لا تنتهي، وأن وراءنا أعداء يريدونها ألا تنتهي.
• ألا تخشى من ظهور تيارات متطرفة في حال استمر انسداد أفق الحل السلمي مع استمرار القتل والاعتقالات بحق الشعب السوري؟
- نحن جماعة وسطية، لكنني أخشى في الوقت ذاته على سورية من المتطرفين من جميع الاتجاهات. نحن في سورية لم نعرف الطائفية، عشنا مع العلويين كما عشنا مع الدروز والنصارى والشيعة، ولم نشهد في حياتنا أن هناك مشكلة بين سني ومسيحي، أو بين سني وعلوي.
الطائفية خلقت الآن وافتعلت افتعالاً، ولو كانت لدينا طائفية هل كان يحكم حافظ الاسد سورية، أو يحكم بشار الاسد. أرضنا لا تنبت طائفية أبداً.
• تشهد غالبية المناطق السورية مظاهرات يومية، لكن لماذا لم تتحرك دمشق وحلب إلى الآن بثقلهما السياسي والاقتصادي وحتى الشعبي؟
- أظن أن هذه الأمور التي حصلت في البلاد ما كانت لتخطر على بال أحد، وإنما قامت بقدر إلهي ولا نعرف كيف قامت، كما أن الذين تحركوا في البداية كانوا من الفئات القليلة لأن أفكارهم متقاربة، وتواصلهم بعضهم مع بعض أقوى، أما في المحافظات الكبيرة فإن التلاقي قد يكون فيه صعوبة. ثم لحكمة أرادها الله فعندما صار النزوح من هذه البلدان القليلة العدد كما هو الحال في حمص وحماة، استوعبت دمشق هؤلاء الناس الذين جاؤوا اليها ولو أن الأمور كانت بالعكس لما استوعبت تلك البلدان الصغيرة هذا النزوح الكبير، فلا تستطيع حمص أن تستوعب دمشق ولا أن تستوعب حلب، ولكن حلب ودمشق تستطيع أن تستوعب حمص وحماة، حتى يبقى الشعب السوري عزيزاً ولا يلجأ إلى مخيمات.
أريد أن أؤكد أن أصعب شيء في تاريخ الأمم هو أن يكون هناك شرخ بين الدولة والشعب، فالدولة هي التي تعمل على أن يكون الشعب مقرباً منها، ولو أن الدنيا كانت في كفة والدولة في كفة لما آثر هذا الشعب على دولته أحداً، ويوم يكون هذا الشرخ لاتكون دولة ولا يكون شعبا، ويوم يكون التلاحم تكون الدولة ويكون الشعب ولايكونان إلا أن يكونا كتلة معاً، فإذا كانت الأفكار التي تدور في رأس الدولة غير الأفكار التي تدور في رأس الشعب أو العكس فتقع المصيبة والطامة، وهذا الذي يحصل - للأسف - في بلادنا. الدولة ينبغي أن تعمل دائماً على أن تستوعب شعبها، والشعب إنما يُستوعب بالإحسان والتوسيع عليه بالحرية، وأن يشعر المواطن بأنه يستطيع أن يقول كلمة الحق.
من الأمور التي تجعل الشعب يحب الدولة ويفديها بوجوده وبماله وبروحه، أن يرى أن الدولة لا تثري على حسابه، بل يراها تعيش كما كان يعيش أفرادها أولاً، لا بد أن يشعر الشعب بأن دولته تحترمه وتنصفه ولا تأكله، فمتى أكلته أبغضها، ومتى ساسته أحبها.
• بماذا تفسر شراسة الحملة التي تمت على حمص والتي شهدت تدمير أحياء بكاملها؟
- لا جواب.
• ما الذي تراه في ما بعد الربيع العربي؟
- لعل الله أراد أن يكون لبلادنا العربية والاسلامية مستقبل جديد يعيد لنا أمجادنا، فلدى شبابنا وشعبنا إمكانات قلما يكون لها نظير في العالم، ولكن القوى الغاشمة هي التي تقضي على هذه الإمكانات.
• هل تحب أن توجّه رسالة للسوريين؟
- رسالتي لهم أن يبقوا كما كانوا، سورية كانت قائدة الأمة العربية كلها وموطن الخلافة التي كان العالم كله يدور في فلكها، لن تستطيع أن تصل إلى هذا إلا بالحب وبالتضامن، ولن يكون الحبا وهناك الأثرة ولا يكون الحب إلا مع الإيثار، كما لا يكون الحب بضياع المسؤولية، ولا يكون حب إلا ويشعر كل فرد أنه مسؤول عن بلده وعن كل ذرة تراب في وطنه.
ينبغي أن يكون السوريون قوة واحدة لكن القوة لا تأتي إلا بأسبابها، وأقول بصراحة للسوريين نحن لسنا طلاب دم ولانحب أن تسفك الدماء لاعندنا ولا عند غيرنا ونحن لانحب أن توجه أسلحتنا إلا لأعدائنا، وذلك عدونا إلى جانبنا تماماً يرقبنا في كل شيء، لكن لا يمكن أن نبلغ هذا إلا بالتضامن. رسالتي للسوريين أن يتقوا الله وأن يخافوا الله وأن يؤدوا الحقوق لأصحابها، وألا يكون في سورية من عليه حقوق ويستطيع أن يؤديها.
وأخيراً أدعو الله أن يحقن دماء السوريين، وأن يصلح كل سوري وعربي ومسلم، وأن يلطف بسورية وبلاد المسلمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين