الحلقة الثانية من الحوار مع فضيلة الأستاذ الشيخ : محمد فاروق البطل

 

 
الحلقة الثانية من الحوار مع فضيلة الأستاذ الشيخ
محمد فاروق البطل
 
كما وعدناكم قراءنا الكرام للحوار شائقة ماتعة مع فضيلة الأستاذ محمد فاروق بطل، وقد وصل بنا الحديث إلى:
المجموعة الثانية: من أساتذته الكرام في العلوم العربية والكونية والفنية.
بعد جولة الذكريات الماتعة مع أساتذة أحباء، وعلماء أبرار، كان لهم الأثر الكبير في التربية والتكوين،وكان لهم الفضل بعد الله في النشأة الإسلامية، وخدمة دين الله القويم، نذكر الآن الأساتذة في الاختصاصات الأخرى غير الشرعية، إذ كان لهم فضلهم كذلك في التكوين الثقافي، والتنويع المعرفي، ومعايشة العصر، والنَّهل من مختلف العلوم والمعارف.
-       بمن ستبدأون الحديث عنه من أساتذتكم الكرام؟
ـ نعم، يطيب لي أن أبدأ بالشيخ عبد الرحمن زين العابدين ـ رحمه الله تعالى
والشيخ لم يدرِّسني، ولكني كنت أزوره في منزله ـ رحمه الله تعالى ـ مُعْجَباً به، لِما أسمع عنه، فقد كان يملك مواهب عجيبة، وقدرات فائقة.
كان موسوعة في النحو العربي، عِلماً أنه كان يتكلم العربية بلهجة ممزوجة باللغة التركية، وكان في صناعة الساعات وتصليحها لا يتفوق عليه أحد، كما هو كذلك في صناعة الآلات عامة.
-       ماذا عن براعة الشيخ في صناعة الآلات وإصلاحها؟!
قد حدثنا الأستاذ الشيخ محمد الحكيم مفتي حلب ومدير الثانوية الشرعية ـ رحمه الله تعالى ـ والذي سبق له أن كان رئيساً لشركة الغزل والنسيج بحلب: أن إحدى آلات المصنع قد تعطلت في فترة الحرب العالمية الثانية، ولم يكن من الممكن إرسالها إلى أوروبا لتصليحها لدى الشركة المصنِّعة، بسبب ظروف الحرب، فبحثوا عن المَهَرة من الصناعيين في حلب، وجرَّبوا فلم يفلحوا، وعندما يئسوا، ـ والمصنع قد أضحى مشلولاً بسبب عطالة هذه الآلة ـ قال الشيخ محمد الحكيم لأعضاء مجلس إدارة الشركة: فلنعرض هذه الآلة على الشيخ عبد الرحمن زين العابدين، أجابوه ساخرين: وماذا عسى هذا الشيخ أن يفهم في تصليح مثل هذه الآلة المعقَّدة؟! لقد جئنا بكبار الصناعيين والميكانيكيين فلم يتمكَّنوا من تصليحها. ردَّ عليهم الشيخ الحكيم: فلْنجرب. هل ثَمَّة خسارة لو عَرَضناها عليه؟ قالوا يائسين: جرِّب... قال الشيخ الحكيم: أرسلنا إليه، وقدم، ونظر في الآلة وتفحَّصها، ثم قال: إن شاء الله أُصلحها، لكني أحتاج إلى ثلاثة أيام. قالوا: لك ما تريد... ولم تمض الأيام الثلاثة حتى صلَّح الآلة... وكان لابد من دفع الأجر، وقدَّروا أنه لا بدَّ مِن دفع أجر كبير ـ  وهم مستعدون لدفع أيِّ مبلغ مهما كبُر ـ، لأنه بتصليح هذه الآلة تمت عملية إنقاذ هذا المصنع، ولَشَدَّ ما كانت دهشتهم واستغرابهم أن الشيخ عبد الرحمن زين العابدين يطلب خمس عشرة ليرة سورية فقط.
سألوه مستغرِبين مدهوشين: فقط خمس عشرة ليرة سورية؟!. قال: نعم. اشتغلتُ بتصليحها ثلاثة أيام. وأجري في اليوم خمس ليرات. سبحان الله ما هذا الزهد؟ وما هذه القناعة؟
-       هل لكم أن تحدثونا عن زهد الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ ؟:
لا تعجب إن قلت: أن الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ مات، ولا يملك من حطام الدنيا شيئاً، وأخبرُ الناس به الأخ الكريم الأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي ـ حفظه الله تعالى ـ فقد كان حفيَّاًَ بالشيخ، ملازِماً له، مهتماً به في السفر والحضر، كما يهتمُّ الولد البار بأبيه ـ جزاه الله خيراً ـ.
-       ماذا عن إتقانه الرماية؟
كان ماهراً إلى درجة العبقرية في إتقان الرمي بالمسدس والبندقية وغيرهما، يصيب الهدف، ولو وُضع في أخطر مكان. ولو سَمَحَ هذا العبقري لنفسه أن يشارك في المسابقات الدولية في مثل هذه الميادين لكان أحد المتفوقين القلائل، هذا إن لم يظفر بالمرتبة الأولى عالمياً، ليكون بطل العالم في هذا الميدان.
-       هل تتكرموا بذكر بعض  قصصه العجيبة في الرماية؟.
يحكي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ـ رحمه الله تعالى ـ عن براعة الشيخ عبد الرحمن في إصابة الهدف وحذق الرماية أنه كان يوقف أخاه أبا الخير الصغير السن بعيداً عنه نحو أربعة أمتار، ويضع على رأسه قطعة النقد السورية المسماة (الفرنك) على رأسه، وهو في غاية الطمأنينة، فيطلق الشيخ الرحمن (الخردقة) من بندقيته فيطير الفرنك من فوق رأس أخيه، ولا يمس شعره بأي أثر من آثار الخردقة.
-       هل استفادت الأمة من هذا العالم ووفته حقه؟:
أقول وبكل المرارة: إن أمتنا لم تستفد من أمثال هذه العبقريات، ولم تشجِّعها، ولم تعمل على استثمارها وإبرازها.
وأقول للإنصاف أيضاً: إن تواضع الرجل وزهده وعزلته كانت سبباً في عدم الاستفادة من هذه العبقرية، وباعتقادي أنه لو كان لديه الطموح الكافي، وكان قادراً على تجاوز هذه السلبية، ولو تهيأ له رجال دولة أو رجال أعمال، لكان الشيخ عبد الرحمن زين العابدين من كبار الصناعيين والميكانيكيين والحرفيين يداً وفكراً واختراعاً وإبداعا ـ رحمه الله تعالى ـ.
-       مقولة الشيخ أحمد تيسير كعيد في الشيخ عبد الرحمن زين العابدين:
قال عنه: لم يعرف أهل حلب قدره ومكانته، ولم ينزلوه منزلته، لأنه كان يحب الخلوة والانزواء ولا يركض وراء الشهرة والأضواء، كان قوياً صريحاً لم يمالئ ولم يداهن، ولم يتملق أحداً، ما وقف في يوم من الأيام على باب حاكم أو مسؤول، لأنه كان يعرف حقيقته ويدرك رسالته في الحياة.
-       مقولة الدكتور عبد الجبار زيدي في الشيخ:
بل حقاً ما قاله الأخ الكريم الدكتور عبد الجبار زيدي :" لا أنسى أستاذنا العلامة الصانع البارع المتفنِّن الشيخ عبد الرحمن زين العابدين الاسكندروني الحلبي... وما كان يتمتع به من التبحر في علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة وعلم الفقه، وعلم المنطق والفلسفة، إلى جانب مهاراته المبدعة الأخرى في الرمي والصيد وتصليح الساعات، وصناعة الإبر والمدافئ، وإتقان الصناعات الجلدية بأنواعها، والكتابة على الفولاذ، وغير ذلك... مما يحمل على الجزم بأن عينيَّ لم تقعا على مثله، فلا يُعلَم له نظير في عصره، حسبما أعلم ويعلم الكثيرون من طلابه ومعارفه ومعاصريه غيري. والله سبحانه أعلم".
-       ومن أيضاً من أساتذتكم؟
أذكر منهم الشيخ طاهر خير الله ـ رحمه الله تعالى ـ 1341ـ1409هـ =1922ـ1989م
لم يدرسني الشيخ، لكنه كان مديراً للثانوية الشرعية فترة من الوقت.
-       هل تتفضلوا بذكر شيء من جهوده الإصلاحيَّة؟
حاول أن يطوِّر الثانوية، وأن يُدخل بعض الإصلاحات، لكن عناصر الشَّغَب في داخل الثانوية وخارجها، حالوا بينه وبين ذلك،كان مربياً جذاباً ، كما كان إدارياً حازماً.
-       رئاسته لدار الأيتام:
وأذكر أنني زرته في دار الأيتام التي كان يرأسها، ويرأس الجمعية الخيرية التابعة لها. وفي مدخل الدار رأيت لوحة جدارية كُتِب عليها قوله تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا] {النساء:10}.وقد تأثرتُ بها أيما تأثر وكأنني أقرؤها لأول مرة، والسر في هذا التأثر أنها تُلِيَتْ في مكانها، والدار دار أيتام... والمال المرصود لهم تبرعاً، هو أمانة في أعناق الذين يرعَوْن هؤلاء الأيتام...
-       أرجو أن تذكروا لنا شيئاً من صفات الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ ::
كان الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ منور الوجه بهي الطلعة، حلو البسمة، طويل القامة، شديد التواضع، أنيق اللباس بعمة وجبة، ينتمي لأسرة ذات حسب ونسب وعلم. وكان وفياً لهذه الأسرة الحلبية العريقة.
-       وكيف كانت حياته العائليَّة، والاجتماعيَّة؟:
وأقدِّر أن حياة الشيخ كانت سعيدة وهانئة، سواء أكانت في بيته، فقد رُزق زوجة صالحة وأولاداً بررة... أو في مسجده فقد كان له تلاميذه المحُّبون، ومريدوه المقرَّبون، وقصَّاد خطبته المُعْجبون، وعشَّاق تلاوته الذين يَفِدُون إليه من كلِّ حَدب وصوْب على سعة مدينة حلب خاصة أيام رمضان وصلاة التراويح والتهجد... أو في وسطه العلمي، فقد كانت له مكانته وتقديره واحترامه... أو في وسطه الاجتماعي فقد كان له جمهوره وأنصاره، أوفي وسطه الشخصي فقد كان له أصحاب أوِدَّاء من تجار وأغنياء خُلَّص يأنس بهم ويأنسون به، يصحبهم في سهراته وجلساته ورحلاته، ويمضون ساعات وأياماً لطيفة ضاحكة بهيجة، تجمع بين النزهة والعلم والنشيد والسمر... ـ كما كان يحدثني ـ رحمه الله تعالى ـ.
-       ومن أيضاً من هؤلاء المدرسين؟
العالم المربي الداعية الشيخ أحمد عزالدين البيانوني ـ رحمه الله تعالى ـ
إنه العالم الداعية الرباني ابن العالم الرباني المشهور بحبه لسيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الشيخ عيسى البيانوني، لم أعاصر الأخير.
-       كيف كانت مكانته بين الناس؟::
كانت حلب مجمعة على حبه، والثناء عليه.
وأذكر أيضاً مِن هؤلاء الربانيين الأجلاء الشيخ سعيد إدلبي، الذي كان منور الوجه، جميل السمت، باسم الثغر ـ رحمه الله تعالى ـ.
-       وماذا درَّسكم الشيخ أحمد عزالدين؟
الشيخ أحمد البيانوني لم يدرسني، وإنما كان معلماً لدى مديرية التربية في حلب، فانتُدِب للثانوية الشرعية، وكان يشغل منصب مدير مساعد لمدير الثانوية الشرعية الشيخ الجيل عبد الله سلطان ـ رحمه الله تعالى ـ.
-       ما أبرز صفات الشيخ - رحمه الله - ؟
كان ـ رحمه الله تعالى ـ إدارياً حازماً، متحركاً، متابعاً، منظماً، وإلى جانب ذلك كان مربياً داعية بالحال والقال، يتابع الطلبة في أداء الصلوات في أوقاتها، يطوف عليهم في غرفهم ومهاجعهم وملاعبهم.
-       اهتمام الشيخ المميَّز بالتربية الرياضيَّة؟
ورغم ما عُرف عنه من جدية، فقد كان يشارك الطلاب في رياضتهم، خاصَّة في رياضة كرة السلة يساعده على ذلك: طوله ومتانة جسمه ونشاط حركته...، لقد حبَّب إلينا الرياضة، وأعطانا نموذجاًَ جديداً للشخصية الإسلامية النشيطة الفاعلة، القوية المنضبطة، الجادة، المنظمة... لم يكن شيخاً تقليدياً... بل كان عالماً مربياً داعية.
-       كيف كان التزام الشيخ بالدين، وهل تطبيق ذلك على أهله؟
وإني لأشهد أن الشيخ كان قمة في التطبيق في نفسه، وفي بيته، ربى أولاده خير تربية، وكلهم بحمد الله ساروا في طريق الدعوة إلى الله، حملوا مسؤولياتها، ونهضوا بأعبائها.
-       ما الذي اجتذبكم في سيرته؟
أمور كثيرة، أذكر منها أمرين:
-       الأمر الأول؟
طريقته في المشي، فقد وَصَف سيدنا علي رضي الله عنه مشية سيدنا رسول الله e  أنه كان إذا مشى كأنه يتحدَّر من صَبَب، أي كأنه ينزل مِن عَلٍ جسداً مشدوداً،ً وصدراً ممدوداً، وخطوات قوية، ورجلين متسارعتين، نعم هكذا كان يمشي الشيخ البيانوني، يتأسَّى برسول الله e.
-       والأمر الثاني؟
صلاته الخاشعة، ذلك أنني حين كنت أصلي بجانبه في المسجد أو وراءه، كنت أحس بتفاعله مع أذكار الصلاة وأدعيتها وتلاوتها، وحركاتها، قد لا أسمع صوته، ولكني كنت ألحظ حركة رأسه وجسمه.
-       ومنْ أيضاً من المدرسين الكرام؟
الأستاذ عبد الرحمن عطبة ـ حفظه الله تعالى ـ
كان الأستاذ أبو محمود عطبة مدرساً محبوباً درَّسنا مادة الأدب العربي في المرحلة الثانوية الشرعية.
-       أهم صفاته ومميزاته؟
سبب محبَّتِنا له وتعلقنا به مجموعة صفات هي:
1 ـ كان مدرساً ناجحاً في عطائه وأدائه.
2 ـ كان رجلاً شعبياً يألف ويُؤْلَف، خاصّة وأنه نشأ في حيِّ باب النيرب ، وهو حي عشائري.
3 ـ كان متواضعاً أزال الحواجز بينه وبين الطلاب.
4 ـ وأهم من ذلك كله كان داعية ملتزماً، متحمساً للعمل الإسلامي خطيباً مفوَّهاً، قائداً جماهيرياً.
-       ومَن أيضاً من المدرسين الكرام؟
الأستاذ محمد نجيب جبل ـ رحمه الله تعالى ـ
-       وماذا درَّسكم؟
درَّسنا الجغرافيا والجبر في المرحلة المتوسطة من الثانوية الشرعية، وقد كان متميزاً بطريقة أدائه، وروعة أسلوبه، وكان بحق أحد الروَّاد الأوائل في الحركة التعليمية على مستوى مدينة حلب الشهباء.
-       ومَن أيضاً من المدرسين الكرام؟
الأستاذ محمود شعبان ـ رحمه الله تعالى ـ
درَّسنا الرياضيات في المرحلة الثانوية، وقد كان لطيفاً ودوداً رقيقاً، يتفنَّن في أساليب شرحه، ويُغيِّر طرائق عرضه، حتى يفهم الطالب عنه، كان أنموذجاً في الأخلاق، مربياً ناجحاً.
-       هل تذكرون لنا شيئاً من براعته في تدريس الرياضيات؟:
أستاذنا محمود شعبان من أنجح مدرسي الرياضيات على مستوى مدينة حلب، كان يدرس في ثانوية المأمون، وحين باشر تدريسنا في الثانوية الشرعية، كان قد قدِم من فرنسا للتو، مُبْتَعثاً من وزارة التربية للدراسة العليا.
-       ومن أيضاً من المدرسين الكرام؟
أذكر منهم: الأستاذ الدكتور محمد ريحاوي( طبيب أسنان) ـ رحمه الله تعالى ـ
درَّسنا مادتي الفيزياء والكيمياء في المرحلتين المتوسطة والثانوية، كان حَيياً، يحمرُّ وجهه مع أيِّ نكتة أو غضبة.
-       ومن أيضاً من المدرسين الكرام؟
منهم الأستاذ: محمد عجنجي ـ رحمه الله تعالى ـ
كان يُدرَّسنا اللغة الانجليزية على النحو الذي تعلَّمه، عنيتُ أن الأستاذ كان في الاصل مدرساً للغة الفرنسية في الثانوية الشرعية، فلما تقرَّر إلغاء الفرنسية كمادة دراسية وإبدالها بالإنجليزية، ورغبة منه بالاستمرار في التدريس، ذهب يتعلم الانجليزية في معهد من معاهد حلب، وما يتعلمه هناك يعلمنا إياه.
-       هل لكم مواقف طريفة في تعلم اللغة؟
نعم، أذكر أنني كنت أقرأ نصاً باللغة الانجليزية في كلية الشريعة على مسمع من أستاذنا د: فؤاد حمودة ـ رحمه الله تعالى ـ، لم تعجبه قراءتي ولا لفظي، فقال بلهجة مصرية محببة( إيه ده يا بْني يا فاروق ) فقلت له: معذرة... أنا أقرأ بلهجة أمريكية، وأنت لهجتك انجليزية، والفرق بينهما كبير ـ كما تعلم!! ـ، فضحك الأستاذ طويلاً ـ رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ـ
-       مِن صفات الأستاذ محمد عجنجي؟
والأستاذ عجنجي كان يغلبه الجد أو التعب، فلا يكاد يضحك، ولا يسمح لنفسه أو لطلابه أن يستطردوا في أي موضوع، أو أن يخرجوا عن موضوع الدرس، وكان ـ رحمه الله تعالى ـ خلوقاً هادئاً واسع الصدر شديد الصبر.
-       ومن أيضاً من المدرسين ؟
الأستاذ فاتح المدرس: (الفنان والرَّسام المعروف).
تمَّ التعاقد معه أيام الأستاذ مصطفى طلس المدير المنتدب للثانوية الشرعية. رغبة منه في تدريس مادة الرسم.
-       وهلل كنتم ترسمون رسوماً ذات أرواح؟ وهل فوجئ بامتناعكم من ذلك؟:
نعم، فوجئ أنه قد كان لدى الأساتذة والطلاب اعتقاد بحرمة الرسم والتصوير، وثار نقاش شديد، مما اقتضانا أن نفصل الرأس عن الجسد في رسم أي حيوان ذي روح، فاضطر الأستاذ المدرس أن يحوّل تعليمنا إلى رسم المعالم الجميلة، التي تُزيِّن مسجد الخسروية الأثري حيث مقر الثانوية الشرعية.
-       هل استمر مدرساً لكم في الثانوية الشرعية؟:
لكنه لم يطل به الأمر، وسرعان ما استقال وغادرنا، وأظنه سافر إلى إيطاليا ليتخصص في الرسم والنحت، وعاد أستاذاً جامعياً في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وذاع صيته كواحد من كبار الفنانين السوريين، لكنه قبل ذلك قدَّر الله أن نلتقي كزملاء في ثانوية المتنبي بإدلب عام 1960 .
-       هل تذكرون موقفاً طريفاً مع أستاذكم فاتح المدرس؟:
أذكر أن سهرة ضمتنا، وطلب إليه الزملاء أن يحلل تواقيعهم، فاستجاب، حتى إذا جاء دور تحليل توقيعي، وقف طويلاً أمامه، يدرس أبعاده، ويحلل شكله، وأذكر أنه قال: إنه توقيع مميز يحكي التنسيق والتوازن والجمال.
*****
إلى هنا انتهت الحلقة الثانية من الحوار، مع فضيلة الأستاذ الشيخ محمد فاروق بطل، ولنا حلقة ثالثة نستكملها من الحوار إن شاء الله.
أما عن ماذا تتكلم الحلقة القادمة فستكون مفاجأة للقراء الكرام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين