مدرسة الصيام - أخلاقيات الصائمين

هذه خطبة جمعة ألقيتها في جامع السلام بحلب في رمضان 1398، وجدت أصولها بين أوراقي ،وقد قام الأخ الفاضل طارق قباوة بصفها  فجزاه الله خيراً، وأحببت أن أحيي هذا الأثر ، وأن أنشر هذاالخير ، ليكون من العلم النافع المدخر ، وتركتها على صورتها التي أعددتها وارتجلتها ، وأرجو أن يرى القراء فيها نفعاً وفائدة وذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين.

مدرسة الصيام

 

خلق الله تعالى الإنسان وسطاً بين عالمين : عالم الروح ويمثله الملائكة ، الذين لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤْمرون ، وعالمِ المادة ، ويمثله الحيوان الأعجم، الذي لا همَّ له إلا الأكل والشرابُ وتحصيلُ اللذة، والإنسان كان وسطاً لأنَّ الله سبحانه وتعالى خلقه من طبقتين ، وركبه من صفات العالمَين ـ عالم المادة وعالم الروح ـ  ففي الإنسان العقلُ والروح ، وبهما يرتفع إلى مستوى الملائكة الأبرار، وفيه الجسمُ والشهوة وبهما ينحطُّ إلى مستوى البهائم... والإنسان بخير كلما استطاع حفظَ توازنه، وعاش يلائم بين الروحانية والمادية، فلا يجعل إحداهما تطغى على الأخرى فيختل التوازن، وتفشل المهمة التي أُمر بها الإنسان، وهي تحقيقه لعبادة الله عزَّ وجل .

وكان الصوم من وسائل الإسلام العظيمة ، ومن عباداته الهادفة لبلوغِ الإنسان عالمَ الروحانيات، وهو على الأرض ، وذلك لأن الصوم حدٌّ من شَرَه المادية واعتصامٌ عن نداء الفتنة، ودواعي الشهوة. ولذلك كان الصوم وقايةً يحفظ الإنسان نقياً طاهراً من الذنوب.

 وفي الصوم يذكر الإنسان أنه إنسان يحتاج إلى طعام وشراب، فحين يمتنع الإنسان عن حاجاته البشرية من طعام أو شراب وما إلى ذلك فإنه يشعر برغبة تثير انتباهَهُ إلى تلك الحاجات: فكأن الصيام تذكير للإنسان بضعفه وحاجته ، فلا يستعلي ولا يستبد ولا يتجاوز حدود بشريته في أيِّ تصرف من تصرفاته.

ما أعظم رمضان من شهر واحد في العام، أنشأه الحكيم العظيم في معهد الإسلام ، وأدخل فيه عباده المؤمنين ليصوموا نهاره، ويقوموا ليله، ويعمروا موسمه بالعمل المستمر الصالح.. ليتخرجوا فيه رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ويكونوا أشبه بملائكة يمشون على الأرض مطمئنين.

وما أكثر ما في مدرسة الصوم من مراب4ع الخير ودروب الهدى ومسالك النور، وذلك كائن من رمضان في كل عام، فالشرعة هي الشرعة ،والسمات هي السمات والخصائص هي الخصائص .. ولكنَّ القضية قضيةُ هذه الأمة بالتفاعل الصادق الذي يحملُ إلى ساحة العمل ومعالم الطريق.

إنَّ رمضان مدرسة الثلاثين يوماً يقوم طلابها بتلقِّي علوم الأخلاق المثالية على يد أساتذة مثاليين، ليتخرج الإنسان فيها فاضلاً وصالحاً لتحقيق كمال العبودية والترقي في مراتب التقوى ، ويتهيأ للكمال المقدر له في الآخرة...

ويتعلم المسلم في مدرسة الصوم على الصدق وذلك لأن الصوم عبادةٌ مستورةٌ منحصرةٌ بين العبد وربه لا يعلم حقيقتها وصدق العبد في أدائها إلا الله، ولذلك أضاف الله سبحانه وتعالى الصوم إلى نفسه فقال سبحانه في الحديث القدسي:« كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». وإذا صدق المؤمن مع الله حيث لا يراه أحد من الناس ، وامتنع عن الشهوات والمفطرات، دون رقيب إلا الله ،إذا تعوَّد الصدق مع الله تعوَّد الصدق مع الناس، وبذلك ينال رضاء الله ومحبة الناس ، والصدقُ يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.

ويتعلم المسلم في مدرسة الصوم على الأمانة.. واقتضت إرادة الله عزَّ وجل أن يفرضَ الصومَ على الأمة التي حملت أمانة إقامِة شريعةِ الله في الأرض ، وشريعةُ الله لن يطبقها خوَّار، ولن يقوم بحقها صاحب هوى ، ولن يرتفع بها من أخلد إلى الأرض ، ولن يؤتمن عليها خوان، وكانت الضمان لتحقيق ذلك مدرسة الصوم، لأنَّ الصوم أمانةٌ في عنق المكلف استأمنه الله عليها، واستودعه إياها. فأمره أن يحفظ نفسه وجوارحه من الآثام، وإذا استطاع الإنسان أن يكون أميناً في كبح جماح نفسه وشهواته، وفي حفظ حواسه من الوقوع في الحرام فإنه يصبح أهلاً لتحمُّل المسؤولية والأمانة التي شرَّفه الله بحملها، بما منحه من مسخَّرات وأعطاه من إرادة حرة، ليدفع عن نفسه إن حمل الأمانة بصدق الظلم والجهل، محقِّقاً قول الله تعالى :[إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] {الأحزاب:72} .

ويتعلم المسلم في مدرسة الصوم: الثبات على المبدأ فالصائم يجوع وأمامه الطعام الشهي ، ويعطش وأمامه الماء العّذْب ، ويعف وإلى جانبه زوجته لا رقيب عليه في ذلك إلا ربه، ولا يعينه على ذلك إلا إرداته وثباته، فأيُّ مدرسة تعلم الثبات على المبدأ كهذه المدرسة التي فتحها الله إجبارياً في رمضان وتطوعاً في غير رمضان، يقف المؤمن فيها على أرض صُلبة، من الحق واليقين، ويعتبر كل ساعة تمر من نهاره وهو ثابت في صومه: انتصاراً في معركة جهاد النفس. قال تعالى :[وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] {العنكبوت:69} .

ويترَّبى المسلم في مدرسة الصوم على الشجاعة، فالصائم قويُّ الإرادة يقهر نفسه ، وينتصر على شهواته، فهو شجاعٌ ثبت في مواطن الشدة والمصاعب ، وانتصر على ماديَّة جسمه وارتباطاته الأرضية، فأصبح مالكاً لإرادته قوياً في إيمانه وشخصيته، والصوم بهذا يسهم في إعداد الرجال للجهاد والقتال ، الرجالِ الذين انتصروا على أنفسهم ، فأصبح من السهل عليهم أن ينتصروا على عدوِّهم.

وما يحمل الجبان على جبنه وخوفه من عدوِّه إلا خوفه على نفسه وجسمه من الأذى ، فإذا انتصر عليهما وجُرِّد من محاباتهما برئت نفسه من الجبن والضعف ، ولهذا فرض الحكيم العليم الصومَ على المسلمين في المدينة قبل فرض الجهاد ليكون مدرسة التربية والتدريب والإعداد، قبل مواجهة الأعداء وتحقيق الانتصارات .

إنَّ المنهزمين في ميدان صغير ليسوا أهلاً لأن يحرزوا النصر لأمتهم في ميدان كبير... ومن أعلن استسلامه في معركة نفسية تدوم ساعات، فقد حكم على نفسه بفقدان أول خلق من أخلاق المكافحين وهو الشجاعة.

أفترون المسلمين يوم بدر، وقد كانت في السابع عشر من رمضان ، أفترونهم يومئذ خاضوا المعركة في قلةٍ من العدد والعُدد، ثم انتصروا على أقرانهم نصراً مؤزَّراً خلَّده القرآن في محكم آياته... أفترونهم استطاعوا أن يحرزوا هذا النصر لولا أن الصيام بثَّ فيهم من القوة والشجاعة...ثم هل ترون معاركنا التي انتصرنا فيها في اليرموك والقادسية وحطين... هل كانت تتم بهذه الروعة المعجزة لولا أنَّ أهلها كانوا يتحقَّقون بخلق الصائمين من تضحيةٍ وفداءٍ وتحمُّلٍ للشدائد واستهزاءٍ بقوى الباطل مهما كَثُرت.

ويتعلم المسلم في مدرسة الصوم على العزةِ... لأنه يتحرر من العبودية للشهوات والطعام والشراب والعادات... وما ذلَّ إنسانٌ ولا استكان إلا من أجل تحقيق مطالب جسمه المادية...فإذا صام فطم نفسه عن شهوات الدنيا وحفظها عزيزةً مترفعةً ، فهو العزيز حقاً والملك صدقاً.

صاحب الشهوة عبدٌ فإذا      ملك الشهوة أضحى ملكاً

ويتعلم المسلم في مدرسة الصوم على النظام فهو يفطر في وقت محدَّد، ويمسك عن الطعام في وقت محدد، ويراقب أوقاتَ الصلواتِ بدقة وانتباه، والمجتمع الإسلامي يتجلَّى فيه هذا النظام.. جوع واحدٌ في النهار، وترقُّب واحدٌ للإفطار قبيل الغروب، وأداءٌ لصلاة التراويح ، والاستيقاظُ للسحور وأداء صلاةِ الفجر... إنه نظام لا مثيل له في أمة من الأمم، وهو من إحدى الوسائل للتربية على الطاعة والنظام.

إنَّ صومُ رمضان لا يخصُّ فرداً دون فرد، ولا فئة دون فئةً، وإنما هو فريضة على الأمة جمعاء ، في موسم معيَّن من العام ، وفي مقدار معيَّنٍ من الأيام... فيشعر المسلم أنه ليس وحيداً في صومه، وإنما معه عشرات بل مئات الملايين ... فتكون هذه الفريضة حلقة اتصالٍ بين الأمة، وتكون رباطاً من الرحمة بين المؤمنين تصهرهم في قلب واحد وفي جسد واحد، وهكذا أراد الله عزَّ وجل أن يجعل عبادتنا شعاراً لوحدتنا ، وأراد أن يتحول هذا الشعار شعوراً ، وأن يصبح هذا الشعور ناراً ونوراً : ناراً تَفْري قلوبَ الأعداء ، ونوراً يسري إلى قلوب الأولياء ، تواصلاً وتراحماً وتسانداً وتعاوناً ...فتصهر القلوب المؤمنة في بوتقة الصوم فتعوَّد قلباً واحداً في جسدٍ واحد.

إن مئات الملايين التي تحكمها شِرْعة الإمساك عن الفطر ، هذه المئات من الملايين جديرة أن تبصر قضاياها بحرارة الأخوة ونفحات الإيمان فتستعلي على المعوقات التي يحاول الأعداء أن يضعوها في طريق :[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10} .وهكذا نرى في رمضان مظاهر الوحدة، ونحصل على أسباب وجودها جوهراً وحقيقة.

وفي مدرسة الصوم يتعلم المسلم درساً لا يكاد يجده في غير مدرسة الصوم ، ذلك الدرس هو الصبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى شهر رمضان «شهر الصبر»، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي :«الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان» فالمسلم الذي يصبر الساعات الطويلة في الصيف عن الشهوات والمُغْريات يصبح الصوم لديه طبعاً راسخاً وخلقاً أصيلاً..

 والصبر ثلاثة أنواع: صبرٌ على طاعة الله عزَّ وجل، وصبرٌ على محارم الله، وصبر على أقدارِ الله المؤلمة.. وتجتمع الثلاثة في الصوم ، فإنَّ فيه صبراً على طاعة الله عزَّ وجل، وصبراً عما حرَّم الله على الصائم من الشهوات ، وصبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن.

الصوم في أيام الحر الشديد:

 ومما يزيد أهمية الصبر ويضاعف ثوابه الصوم في الحر الشديد لما فيه من ظمأ الهواجر، وكان أبو بكر الصديق يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء ...وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صم يوماً شديداً حره لحر يوم النشور ، وصلّي ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور .

نعم صم يوماً شديداً حره لحر يوم النشور. فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يقوم الناس لرِّب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه ـ عرقه ـ إلى أنصاف أذنيه».

 وروى مسلم عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل؟ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ـ خاصرته ـ ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً» وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا ربي أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ، فأشدُّ ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشدُّ ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم».

وروى البخاري ومسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدَّة الحر وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة» .

 وروى البزار بإسناد حسن : أن الله تعالى قضى على نفسه أن من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش، وكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر فيصومه .

 وإنها يقظة قلبية واعية من هؤلاء السلف :[وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] {فصِّلت:35} . قيل للأحنف بن قيس : إنك شيخ كبير وإنَّ الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفرٍ طويل، والصبرُ على طاعة الله أهونُ من الصبر على عذابه، ولما صبر الصائمون لله في الحر على شدة العطش والظمأ، أفرد لهم باباً من أبواب الجنة وهو باب الريان ، من دخله شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً

معشر الإخوة المؤمنون: هذه مدرسة الصوم بدروسها وثمراتها فما أعظم شناعة ما يبلغ فيه من الإثم أولئك الذين ينتهكون حرمة هذه المدرسة المباركة، فيخونون الأمانة، ويضعون أنفسهم في مصاف المخلوقات التي ليست أهلاً للتكليف. والمقرر بقليل من الذوق أن يكون هنالك صونٌ لمشاعر الآخرين من أن تجرح من قبل أدعياء التحضر والذوق ، والإفطار في نهارِ رمضان من غير عذر جريمةٌ ومعصيةٌ وعنوان على أن الحياء قد غاض من بعض النفوس ، وإذا ذهب الحياء ذهب كل شيء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :« إنَّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» .

 روى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرضٍ لم يقضه صومُ الدهر كله وإن صامه».

وروى أبو يعلى(2349) ـ بإسنادٍ حسن ـ عن ابن عباس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام ، من ترك واحدة منهنَّ فهو بها كافرٌ حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقامة الصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان».

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعيَّ ـ بعضدي ـ فأتيا بي جبلاً وعراً ، فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء ـ وسط ـ الجبل إذا بأصواتٍ شديدةٍ ، قلت: ما هذه الأصوات ؟ قالوا: هؤلاء عواء أهل النار ، ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقومٍ معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً ، قلت: من هؤلاء ؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ـ أي قبل وقت الإفطار ـ رواه النسائي في الكبرى (3286) ، وابن خزيمة (1986)وابن حبان (7491)في صحيحيهما ،والحاكم في المستدرك.

 ومما يحزُّ في النفس ويُدمي الفؤاد ما يراه المسلم الصائم من استهانة كثير من المنتسبين لهذا الدين لحرمة هذا الشهر فترى الشوارع والمنازل والأسواق والدواوين ملأى بالمستهترين المعلنين المجاهرين بالإفطار، نزعت هيبة الدين من قلوبهم فهان عليهم صومهم، وعلى من ولاه الله الأمر أن يحبس المفطرين الآثمين ويمنعهم الطعام والشراب نهاراً ليحصل لهم صورة الصوم بذلك، وإن التهاون الحاصل في حبس المفطرين أدى إلى المجاهرة بالإفطار واستباحة حرمة رمضان : وهي ظاهرةٌ تدلُّ على تدهورٍ وعبوديةٍ للشهوات في وقتٍ خطير وموقف عصيب، يستدعيان منا الصبر والمجاهدة والثبات.

إن عبادة الصوم في رمضان وهي من عيون أركان الإسلام قادرة إذا صدقنا العهد أن تصوغ جيل القوي المجاهد الذي تنال به الغايات الكبار التي تتطلع إليها عبر السنين.

هذه نفحة من مدرسة الصوم تلقاها الصائمون، ودرسوها علماً نافعاً وطبقوها عملاً مجيداً ، وجازوا دور الامتحان بنجاح باهر، وتخرجوا خير أمة أخرجت للناس ، ولا غرو فمدرستهم شهر رمضان الكريم، ومنشئها الربُ الحكيم ، وأستاذها محمد الأمين، صلى الله عليه وسلم ، والمتخرجون فيها قوم صفت نفوسهم ، وطابت أخلاقهم وأصبحوا نماذج الكمال وفخر الأجيال.

اللهم أنت القادر على أن تجعل هذا الشهر المبارك نقطة تحول في حياة الأمة وسلوكها، اللهم أنت القادر على مغفرة الذنب وغسل الحوبة وإزالة الركام من الطريق، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين