التصور الإسلامي للإنسان أساس لفلسفة الإسلام التربوية -5-

 

فلسفة التربية الإسلامية:

الأهداف: 

من هذا التصور للإنسان يمكن أن نستخرج أهداف التعليم والقواعد العامة التي تحكم وسائله وأساليبه ومناهجه.

فغاية التربية والتعليم هي تمكين الإنسان من أن يكون إنساناً حقيقياً أو تمكينه من أن يكون عبداً صالحاً لأن العبودية هي جوهر الإنسانية، والإنسان كلما ارتقى في سلم العبودية، ارتقى في سلم الإنسانية. ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف أحواله. كما تنبه إلى ذلك كثير من العلماء: من ذلك قوله تعالى بمناسبة الإسراء: [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى] {الإسراء:1}. وقوله تعالى بمناسبة الدعوة: [وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا] {الجنّ:19}.

فوصف الإنسان بالعبودية هو الوصف الجوهري العام الذي يحتم كل أوصافه. وإذن فكل فهم لصفة من صفات الإنسان أو خاصة من خواصه يجعلها متناقضة لصفة العبودية فهو فهم خاطئ.

وهو الوصف الأساسي وكل الأوصاف الأخرى بالنسبة له ثانوية، ولذلك فينبغي أن لا يقدم واحد منها عليه.

وبهذه المناسبة: أحب أن أشير إلى صفتين تفهمان أحياناً فهماً يخرج على هذه القاعدة:

الأولى: وصف الإنسان بأنه مخلوق روحي، استدلالاً بقوله تعالى:[ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي] {ص:72} فالوصف صحيح والاستدلال صحيح، ولكن فهم الروحية هذه: بأنها عنصر إلهي حلَّ في الإنسان: هو الفهم الخاطئ خطأ شنيعاً ينافي العبودية والتوحيد، ويجعل الإسلام –كما تنبه إلى ذلك بعض العلماء- أسوأ من المسيحية. فالمسيحية قصرت الألوهية –بعد الله تعالى- على بشر واحد، وهذا الفهم يعممها فيجعل في كل إنسان عنصراً إلهياً.

إن قول الله تعالى: [مِنْ رُوحِي] لا يعني أن شيئاً من ذاته تعالى خرج فحل في الإنسان. فالله تعالى لا يخرج من ذاته شيء وهو أحد ليس كمثله شيء، وهو مفارق وعالٍ على كل شيء. 

إن إضافة الروح إلى الله تعالى ليست إضافة بعض إلى كل كما تقول: (يد الله) و (وجه الله) وإنما هي إضافة مملوك إلى مالكه كما تقول: أرض الله تعالى وسماؤه.

وكما أنَّ الإنسان ليس روحاً إلهية بهذا المعنى، فإنَّ المسيح عيسى بن مريم ليس كلمة الله تعالى بمعنى أنه خلق وصيغ من الكلمة .

إن الكلمة ليست عنصره، وإنما هي سببه كما أنها سبب كل مخلوق سواه:[إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] {يس:82}.

وكما يقول الإمام أحمد: فإن عيسى ليس هو الـ (كن) ولكن بالـ (كن) كان.

وأما الصفة الأخرى فهي صفة الخلافة استدلالاً بقوله تعالى: [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] {البقرة:30} ولا شك أن الإنسان خليفة، ولكن من الخطأ أن تقدم صفة الخلافة على صفة العبودية كما يميل إلى ذلك كثير من فضلاء كتابنا المعاصرين.

ومن الخطأ أن يظن بأن تفسير الخلافة: بأنها خلافة عن الله تعالى في تعمير الأرض، هو التفسير الوحيد أو المتفق عليه بين العلماء؛ إذ الواقع أن بعضهم أنكر هذه العبارة، وحجتهم في إنكارها قوية قالوا أن عبارة (خليفة الله) لم ترد في قرآن ولا سنة، بل روى أن أبا بكر أنكر على من وصفه بخليفة الله تعالى ، وقال أنه خليفة رسول الله، وقالوا: إن الخليفة في اللغة هو الذي يخلف غيره إذا غاب، والله تعالى لا يغيب . وقالوا: إنه مما يؤيد هذا أنه جاء في بعض الأدعية النبوية وصف الله تعالى بالخليفة فهو الذي يخلف المسافر في أهله وولده كما يصحبه في سفره.

وعلى كل فإن الأمر لا يكون خطيراً إذا فسرت الخلافة بمعنى الحكم أو بمعنى أن كثيراً من المخلوقات مُسخَّرة للإنسان، ولكن بعض الكتَّاب يغلو في تفسير الخلافة حتى ليكاد يشعرك بأن الله تعالى قد تخلى عن تصريف جزء من الكون وترك أمره للإنسان.. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: مجلة المسلم المعاصر (شوال – ذو القعدة – ذو الحجة 1397 )- العدد 12 

انظر الحلقة الرابعة هنا 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين