ألست جميلة

أوما بلغكم قصة من أنقذ أسرة من نار وجحيم وموت وخيم؟!

لا أقول نار من هذه النيران المعهودة التي تشتعل فتلتهم ما تقع عليه حتى تذره رماداً يتلاشى هنا وهناك، ثم ينساها الناس ويلهون عنها، لا لا، إنما أتحدث عن نار تلظى، لو ألقيت فيها الجبال لذابت، أو الخلائق لانمحت وانمحقت في نار وقودها الناس والحجارة - والعياذ بالله تعالى - إنها نار الآخرة التي أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم ألف عام حتى ابيضت، ثم ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مهلكة.

وإليكم قصة هذا المنقذ فيما وعيته من داع عارف:

شاب من أهل السودان الطيبين، شاء الله تعالى أن ينزل في منزل أسرة أمريكية ابتغاء البصر بلغة القوم؛ ليفلح في دراسته المرجوة، وكان من قدر الله تعالى أن يبتلى بفتاة في الدار تفور شباباً ونضرة، وعليها من آيات الجمال ما يفتن ويدهش!

إن أعجب ما رأت هذه الفتاة في هذا الشاب المسلم حياءه الشديد، إذ لم تلمح منه التفاتة إليها لا من قريب ولا من بعيد، وهو متجلد صابر على كف بصره عنها، بل النجاة منها آناء الليل وأطراف النهار.

ومع مرور الأيام والليالي ما ازداد إلا ثباتاً ورسوخاً على خلقه العالي، وصبره وتعففه النادرين، ولم تزدد هي إلا إغراءً وميلاً لصرفه إليها وإغوائه بها.

عجيب أمر هذا الشاب! ما الذي يصرفه عني؟ ما الذي يجعله غير عابئ بي وأنا التي يتلهف لرؤيتي كل من رآني، ويطمع بي القريب والبعيد؟!

وتأخذ البنت العزة بالإثم لتمد يدها في حضرة أبويها لتحرجه في المصافحة، فيعتذر بأدب وحياء بالغين، ويفصح عن سبب ذلك دون مواربة أو خجل: يأبى علي ديني أن أصافح من لا تحل لي!!

وتمر ليال وتزداد البنت اشتعالاً، وتتقد بين جوانحها الغيرة والصلف، لا بد من صرفه وإغوائه، لا بد أن ينثني هذا المتحدي.

ففاجأته في ليلة أخلد فيها لراحته، وإذا بها قائمة على رأسه في أبهى حلة، وأغلى زينة، وأحلى غنج، وأخبث فتنة! بهت الشاب المسلم الذي طالما مر على قصة يوسف وفاتنته، وهو مدمن لقراءة القرآن، فما تلبث أن دفعها بكلتا يديه صارخاً في وجهها: اخرجي عني وإلا غادرت منزلكم فوراً، اخرجي اخرجي!!

تجمدت الفتاة في مكانها محطمة الرجاء، آيسة من مرادها، بل شهوتها الخاطئة، وكأن الدنيا كلها رازحة على رأسها، طامسة لبصرها الزائغ.

ثم انتابتها إرادة في معرفة سر هذا الشاب وإكسير هذا التجلد العجيبين، فتبسمت تبسم المغضب ملينة للقول بعد انكسار كبريائها، مستميلة له ليشفي ما في نفسها.

قالت في نهم وعطش للجواب: ما الذي يجعلك قادراً على ردي؟ ألست جميلة في عينيك؟ ما الذي يمنعك مني؟!

وكانت المفاجأة !! مراقبتي لربي، ديني يمنعني ، أعرفت؟ بادرت: دينك يحرم عليك أن تشتهي، أن تتمتع بالحياة؟! لا لا، ديني لا يحرم علي هذا إلا مع من لا تحل لي. أنا الآن - قالتها وهي في غاية الشوق له وقضاء نهمتها معه - كيف أحل لك، هل أحل لك؟

نعم تحلين لي إذا تزوجتك، ولكنني لا أتزوجك إلا إذا أسلمت.

وهنا كانت المفاجأة أن أطلقت هذه الفتاة في وجهه: فأنا أريد الإسلام!

وأسلمت تلك الليلة وألحت على والديها في الصباح أن تقترن بهذا الشاب الذي ملأ عليها حياتها، بل عقلها ومشاعرها؛ حباً وتعظيماً لهذا الدين العظيم، والشرع الطاهر الذي ينتج مثل هذا الشاب في طهره وعفته.

ثم ماذا كانت خاتمة القصة العجيبة بعد؟ تزوجا وسعدا وحسن إسلامها، وتوغلت في الصلاح والتدين.

أسلم الأبوان وهما في غاية التأثر من التزام الزوجين الصالحين! قلت في نفسي: كم هم عدد الذين يفدون إلى بلاد الغرب في الصباح والمساء، أو ممن يحل عندهم ابتغاء التعلم أو التكسب؟ كم منهم من يكون سبباً في الهداية لهؤلاء الشاردين التائهين؟!

إنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة لكل من أقام هناك ثم مات أو رجع دون أن يعي أو ينافح!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين