روسيا من رعاية مفاوضات إلى رعاية تهجير وتفريغ للشام

حسم ميشيل سورا، عالم الاجتماع الفرنسي، الذي قضى على أيدي عصابات حزب الله عام 1985 بلبنان، بأوامر من النظام السوري، الإشكال تماماً، حين فشل الثوار في سوريا بإسقاط العصابة فيها، يوم قال في كتابه الذي لم يرَ النور بنسخته العربية إلا قبل أيام: «لقد كسر الإخوان المسلمون الصمت ضد النظام السوري بثورتهم وانتفاضتهم ضده، ولكن عبء إسقاطه كان أكبر منهم»، ويبدو أنه لو عاش ميشيل سورا بيننا اليوم لقال: «إن عبء إسقاط النظام السوري أكبر من الشعب السوري كله ومسانديه، ما دام يحظى بحصانة دولية لم يحظَ بها الكيان الصهيوني ربما على مدى عقود، صمتاً على التهجير والاقتلاع، وصمتاً على استخدامه الأسلحة الكيماوية والصواريخ البالستية والبراميل المتفجرة، واستدعاءً لكل حثالات الميليشيات الطائفية الأجنبية، فضلاً عن استدعاء الاحتلالات الأجنبية». 

روسيا بعد أن حصلت على شرعية رعاية مفاوضات، ونفّست بعض الجو المحتقن ضدها بسبب جرائمها التي لن تُنسى، ولن تُمحى من ذاكرة السوريين، وستدفع ثمنها يوماً ما على يد الأجيال الشامية، روسيا بعد أن حصلت على هذا كله، عادت إلى جيناتها الأصلية المتماهية تماماً مع العصابة الطائفية بالشام، حين واصلت عملية رعاية التهجير والطرد لأهل السنة من المناطق الشامية، بدءاً من حلب والغوطة إلى حي الوعر أخيراً، في حين كان البعض لا يزال ينتظر أن يأتيه المدد والفرج من روسيا فخاب ظنُّه وطاش سهمه. 

المناطق السنية مهددة تماماً كما هي في العراق بالتدمير والتسوية بالأرض، وبالتهجير والتفريغ لتحويل هذه المناطق إلى مناطق بدون أهل السنة، فهم يدركون ويعون أن السنة على مدى قرون هم من كانوا شوكة في خاصرة التآمر العالمي بهذه المنطقة، وهم يدركون تماماً أن هذه المنطقة هي منطقة الحروب الكبرى، فمن هنا ظهرت الإمبراطورية الرومانية والحروب الصليبية وانتصارات المسلمين أيام السلجوقيين والصلاحيين ثم العثمانيين. 

على هذه الخلفية لا بدَّ من تفكير خارج الصندوق، ولا بدَّ أن تتحمل الفصائل العسكرية مسؤوليتها أمام الله وأمام الشعب والتاريخ، وتعي تماماً أنها لن يغفر لها هذا الشعب المسكين الذي وقف معها طويلاً، لكنها تخلت عن أحلامه وأشواقه، وبدأت بتفضيل مشاريعها الحزبية والفصائلية والشخصية على مصالح الثورة والشعب السوري. 

لا بديل عن التوحُّد والاندماج، ولا بديل عن المقاومة والحل العسكري، ولا بديل عن رفض التفاوض، ولا بديل عن التحصُّن بالحاضنة الشعبية، التي هي أسّ الثورة وعمادها ومفجِّرها منذ اليوم الأول، ولا بديل عن تقدُّم النخب الثورية للواجهة، للدفاع عن فصائلها وثورتها الحقيقية، وتحمُّل المشروع المدني والخدماتي بعيداً عن الفصائل التي ينبغي أن تتفرغ للمجهود العسكري، ولا بديل لهذه الفصائل عن توزيع المهام والخدمات على الآخرين، وبالتالي تتخلى عن مشروع الخدمات للنخب القادرة على خدمة الحاضنة الشعبية للثورة أولاً، والقادرة معها على مخاطبة هذا العالم المتآمر على الثورة والشام، ولا بديل أخيراً عن تركيز علمائنا ومشايخنا على مشروع شامي بعيداً كل البعد عن الاستهلاك والتوظيف الحزبيين، فالمشايخ والعلماء ملك للشعب الشامي كله، وليس لفصيل دون آخر، وهنا سنجنِّب أنفسنا الفوضى الدينية والمشيخية، كي لا ينتقل فيروس الفوضى الحزبية وغيرها إلى الفوضى الدينية. 

همسة أخيرة لمن لديه فضل كلام وفضل تغريدة وفضل منشور فليوجِّهه إلى صدر العصابة الطائفية في الشام وسدنتها، ومن كان لديه فضل فتوى وفضل رصاصة فليوجِّهها إلى صدر الطغاة المجرمين الذين شرَّدوا الشام وقتلوها ودمَّروها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين