كنت في مكتبي فجاءت معلمة محجبة حجاباً شرعياً سابغاً تريد أن تقدم طلباً للعمل في المدرسة ، وكان معها ابنتها وعمرها قريب من الثانية عشرة سنة ، وطولها قريب من طول أمها : ولكنني فوجئت بلباس ابنتها حيث كانت تلبس بنطالاً قصيراً ( شورت) لا يتجاوز طوله شبراً واحداً ، وقميصاً بلا أكمام وكأنها فتاة أجنبية ، فتعجبتُ من هذا التناقض بين مظهر الأم وطريقة تربيتها والذي ظهر في لباس ابنتها .
وهنا أدركت المعاناة التي يجدها بعضُ الآباء والأمهات في عدم استجابة بناتهن لارتداء اللباس الشرعي والذي سببه في الغالب عدم تعويدهنّ عليه منذ الصغر بطريقة محببة ، وعدم بذل الجهود لإقناعهنّ بأنه فريضة ربانية وهوية إسلامية .
ولا أنسى ذلك الطبيب الذي تحول تحولاً عجيباً في التزامه فكان مثال الطبيب المتدين تديناً راقياً ، جمع بين روعة الإيمان وحقائق العلم ، مع الإخلاص والتفاني في خدمة المرضى ، كان يشكو لي زوجته وعنادها في عدم ارتداء الحجاب بعدما تجاوز عمرها الخمسون ، وحاول أن يأخذها للحج عسى أن تقتنع فتبادر للحجاب ، وبعد عودتها خلعت الحجاب وقالت لزوجها : ( إنك تريد أن تتحايل عليّ فأخذتني للحج بهدف ارتداء الحجاب ، وسأبقى على ما كنت عليه ) ، اتصل بوالدها عسى أن يساعده في هذا الأمر فكانت إجابته أعجبَ من سلوك ابنته فقال له : ( لقد زوجناكها وهي غير محجبة فعليك أن تقبل بذلك ، أو تعيدها لنا إذا كان هذا لا يعجبك ) .
وبقيت على عنادها وإصرارها لحين وفاته ، وبقي يعاني آلاماً وحسرة والذي يخشى أن تنشّئ بناته الصغار على نفس الحال .
هنا أدركت المسؤولية العظمى المناطة بالوالدين ، وأهمية غرس المبادئ الإيمانية والواجبات الشرعية في نفوس أبنائهم وبناتهم منذ الصغر .
وصدق أبو العلاء المعري عندما قال :
مشى الطاووس يوماً باعوجاجٍ *** فقلَّـدَ شكلَ مِِِشيتِهِِ بنوهُ
فقال: علام تختالون؟ قالوا : *** بدأتَ به، ونحنُ مُقلِّدوهُ
فخالفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ *** فإنّا، إن عدلت?، مُعَدِّلوهُ
أما تدري أبانا: كلُّ فرع *** يجاري بالخطى من أدَّبوهُ؟
وينشأ ناشئُ الفتيان منا *** على ما كان عوَّدهُ أبوهُ
وما دان الفتى بِحِجىً ولكنْ *** يُعلّمهُ التديّنَ أقربوهُ
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول