تفسير سورة الكوثر

[إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ(1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ(3)]. {الكوثر}، هي مكية على مذهب الجمهور. 

قوله عزَّ وجل: [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ]، الكوثر: نهر في الجنة أعطاه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وقيل الكوثر: القرآن العظيم، وقيل: هو النبوة والكتاب والحكمة، وقيل: هو كثرة أتباعه وأمَّته، وقيل الكوثر: الخير الكثير كما فسَّره ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ظاهر بدخول كل ما ذكر فيه. 

روى البخاري عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إنَّ ناساً يزعمون أنَّه نهرٌ في الجنَّة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى إياه.

والكوثر فَوْعل من الكثرة، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير القدر كوثراً، وبعضهم يقول: الكوثر الفضائل الكثيرة التي فُضِّل بها على جميع الخلق، فكل ما جاء في تفسير الكوثر قد أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم: 

1) أعطي النبوة والكتاب والعلم. 

2) والحكمة والشفاعة. 

3) والحوض المورود. 

4) والمقام المحمود. 

5) وكثرة الأتباع. 

6) والإسلام وإظهاره على الأديان كلها. 

7) والنصر على الأعداء، وكثرة الفتوح في زمنه وبعده إلى يوم القيامة.

وأولى الأقاويل في الكوثر الذي عليه جمهور العلماء أنَّه نهر في الجنة، روى مسلم بسنده عَنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ» فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 2] ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» فَقُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ " زَادَ ابْنُ حُجْرٍ، فِي حَدِيثِهِ: بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ: «مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ».

وللبخاري قال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ، الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ - أَوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أَذْفَرُ" (شَكَّ هُدْبَةُ).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سُئِلَ [ص:681] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الكَوْثَرُ؟ قَالَ: «ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ - يَعْنِي فِي الجَنَّةِ - أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الجُزُرِ» قَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا». أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

وأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ} قَالَتْ: «نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ».

وروى البخاري ومسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا».

[فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ]، معناه: أنَّ ناساً كانوا يصلون لغير الله تعالى وينحرون لغير الله سبحانه فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي له وينحر له مُتقرِّباً إلى ربِّه بذلك، وقيل معناه: فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك. وقيل: معناه: فصل الصلاة المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى.

ومعنى الآية: قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدارين، وخصصتك بما لم أخصَّ به أحداً غيرك، فاعبد ربَّك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل والخير الكثير، وأعزَّك وشرَّفك على كافة الخلق، ورفع منزلتك فوقهم، فصلِّ له واشكره على إنعامه عليك، وانحرْ البدن مُتقرِّباً إليه.

[إِنَّ شَانِئَكَ] يعني: عدوَّك ومبغضك [هُوَ الأَبْتَرُ] يعني: هو الأذلّ المنقطع دابره، نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من المسجد وهو داخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدَّثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تتحدَّث معه؟ فقال ذاك الأبتر، يعني به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد توفي ابنٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها.

وقيل: إنَّ العاصَ بنَ وائلٍ كان إذا ذكرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوه فإنَّه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السورة وردَّ عليهم أشنع رد؛ فقال: إنَّ شائنك يا محمد هو الأبتر الضعيف الوحيد الحقير، وأنت الأعزُّ الأشرف الأعظم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: (مجلة الأزهر، المجلد السادس عشر، شوال 1364 - العدد 10).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين