حدث في ذي الحجَّة عبر القرون -1-

 

هذا الباب محاولة لرصد أحداث هامَّة في تاريخ أمَّتنا الإسلاميَّة وقعت في أشهر العام الهجري، وهي محاولة لن تخلو من قصور لأسباب عدَّة أهمُّها: أنَّ المصادر التاريخية في بعض الأحيان تغفل تماماً تحديد الشهر، وتكتفي بتحديد السنة التي وقع فيها الحادث وهو أمر ألجأ كثيراً من الباحثين إلى تجاهل تحديد اليوم والشهر الذي وقع فيه الحادث اكتفاء بتحديد سنة وقوعه فقط.

وإذا كانت المصادر القديمة أغفلت تحديد البعض، فإنَّ المصادر التي أرَّخت لوقائع وأحداث العالم الإسلامي اعتباراً من القرن العاشر الهجري تكاد تتجاهل كلية تحديد شهر وقوع الحادث مُكتفية بتحديد السنة، اللهم إلا بعض الوقائع هنا وهناك.

لذا نستميح القارئ الكريم العذر وندعوه معنا إلى متابعة عملنا وتزويده بما يسدُّ أوجه القصور فيه إن أمكن، والله المستعان. 

- في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة كانت غزوة السويق، وكان أبو سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه لما رجع إلى مكة، وأوقع الله تعالى في أصحابه ببدر وبابنه حنظلة نذر أبو سفيان أن لا يمسَّ رأسُه ماء حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي راكب، فنزل طرف العُرَيْض شمال شرق المدينة، وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم، فسقاه ونطق له من خبر الناس، ثم أصبح في أصحابه، وأمر فقطع (أصوارا) من النخل، وقتل رجلاً من الأنصار وحليفاً له، ثم كرَّ راجعاً، ونذر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ (قرقرة الكُدر) وفاته أبو سفيان والمشركون، وألقوا شيئاً كثيراً من أزوادهم من (السويق) [وهو مطحون القمح أو الشعير المحمَّصان] فسميت غزوة السويق.

- وفي ذي الحجة من العام العاشر للهجرة حجَّ صلى الله عليه وسلم حجَّة الوداع وفيها خطب ثاني يوم النحر خطبة عظيمة ووصى وحذَّر، وأشهد المسلمين أنه بلَّغ الرسالة، ونحن نشهد أنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

- وفيه من عام 12 هـ كانت وقعتا (العربة والداثنة) وهما من أولى المواقع بين المسلمين والروم بأرض الشام بعد سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه وكان جيشاً رومياً قوامه ثلاثة آلاف رجل بقيادة (سرجيوس) قد خرج من غزة إلى (عربة) جنوبي البحر الميت في محاولة لمهاجمة قوات المسلمين المرابطة في الجابية ويقودها أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وتطويقها من الخلف، ولكن أبا عبيدة رضي الله عنه تنبَّه للأمر، وألحق الهزيمة بجيش الروم الذي تجمَّع في (الداثنة) قرب غزة فلحق به جيش المسلمين وشتَّت شمله.

- وفيه من عام 15 هـ بدأ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عقب انتصاره في القادسية في شعبان 15هـ في فرض الحصار على مدينة (بهرسير) الفارسية الواقعة على طريق إلى المدائن، وسقطت (بهرسير) بالفعل في 7 من صفر عام 16 هـ بعد حصار دام حوالي شهرين، وبعد أسبوع واحد من فتحها سقطت المدائن حاضرة الفرس.

- وفي 10 من ذي الحجة عام 18 هـ فتحت جيوش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة (العريش) وكان ابن العاص رضي الله عنه قد سار من قيسارية بفلسطين إلى مصر على رأس جيش كبير تبلغ عدته أربعة آلاف مقاتل يقصدون فتح مصر.

- وفي 23 من ذي الحجة عام 23هـ قُتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد فيروز الملقب بـ (أبي لؤلؤة) وكان غلاماً للمغيرة ابن شعبة رضي الله عنه.

- وفيه من عام 23هـ اختار المسلمون عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة للمسلمين، وكان الصحابة رضوان الله عليهم قد طلبوا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على فراش الموت أن يعهد بالخلافة لأحدٍ من بعده فأجابهم بقوله: عليكم بهؤلاء الرهط الذي مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، قال فيهم: إنَّهم من أهل الجنَّة: علي بن أبي طالب، وعثمان ابن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، على ألا يكون له من الأمر شيء.

وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قد أشار على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يولي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأجابه عمر قائلاً: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، لا أرب لنا في أموركم، وما حمدتها لأرغب فيها لأحد من أهل بيتي.

وأرسل عمر رضي الله عنه إلى طلحة الأنصاري قبل أن يموت بقليل فقال له: كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمِّروا أحدهم وقم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً منهم وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة ورضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم، وثلاثة رجلاً، فحكِّموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس، ولا يحضر اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، اللهم أنت خليفتي فيهم.

ولزم أبو طلحة رضي الله عنه أصحاب الشورى بعد دفن عمر رضي الله عنه حتى بويع عثمان بن عفان رضي الله عنه بالخلافة.

- وفي 18 من ذي الحجة عام 35هـ قُتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ضمن تداعيات الفتنة الكبرى التي شارك فيها نفر من أهل مصر على رأسهم (الغافقي بن حرب العكي) ومعهم اليهودي (عبد الله بن سبأ)، ونفر من أهل الكوفة على رأسهم (عمرو بن الأصم) ونفر من أهل البصرة على رأسهم (حرقوص بن زهير السعدي)، ونجح هؤلاء في السيطرة على المدينة بعد أن طلب عثمان بن عفان رضي الله عنه من الصحابة وأبنائهم ألا يقاتلوا، وعزم عليهم في ذلك أشدَّ العزيمة، ولما علم المنحرفون أنَّ نجدة من الشام قد دنت من المدينة خافوا وأرادوا دخول دار عثمان رضي الله عنه فمنهم الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن طلحة، وسعيد بن العاص... وغيرهم، فتسوَّروا الدار من (خوخة) بينها وبين دار (عمر بن حزم) ثم أحرقوا باب الدار بينما كان عثمان رضي الله عنه يقسم على أبناء الصحابة أن يلقوا سيوفهم حتى ألقاها بعضهم، وفي النهاية هجم المنحرفون على الخليفة فقتلوه. وهو الذي اشترى بئر رومة وجعلها للمسلمين، وجمع القرآن الكريم، وأول من وسَّع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله من الفضائل الكثير رضي الله عنه وكان عمره يوم مقتله اثنتين وثمانين سنة.

- وفي يوم الجمعة لخمسٍ بقين من ذي الحجة سنة 35هـ بايع المسلمون عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أميراً للمؤمنين، وكان عليٌّ قد رفض الخلافة أول الأمر عندما عرضها عليه المنحرفون قتلة عثمان رضي الله عنه حتى تكون لهم يد عنده فيعفو عنهم، وتمسَّك علي رضي الله عنه بالرفض، ولم يتراجع إلا بعد إلحاح الصحابة عليه حتى ينقذ المدينة من المنحرفين الذين عاثوا فيها، وأرهبوا أهلها، بايع المسلمون جميعاً علي بن أبي طالب بالخلافة إلا: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وصهيب، من المهاجرين، وحسان بن ثابت، وزيد بن ثابت وكعب بن مالك، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، ورافع بن خديج، وسلمة بن وقش، وأبو سعيد الخدري، وقدامة بن مظعون، ومسلمة بن مخلد، وعبد الله بن سلام، من الأنصار، ومن كان قد غادر المدينة إلى مكة وأكثرهم من بني أمية أمثال سعيد بن العاص، ومروان بن الحكم.

- وفيه من عام 36هـ كانت وقعة صفين بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ضمن الخلاف الذي شجر بين علي ومعاوية في معالجة الآثار المترتبة على فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويصف الطبري معركة صفين بقوله: (... فاقتتلوا من ذي الحجة كلها وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين أوله وآخره) حتى اتفق الفريقان على الموادعة في شهر المحرم من عام 37هـ رغبة في الصلح.

يتبع.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين