معاناة البحث عن فكرة

 

هي معاناة وأرق وهمّ ، ولكن قد تغير حياة صاحبها، وقد تؤثر في حياة البشرية كلها، وقد يُكتب لها الخلود.

إنها المعاناة التي يعانيها كل إنسان يبحث عن النجاح.

التي يعانيها كل مبدع يسعى لإبداع مساهمة إنسانية تجعل الكون أكثر نفعا وجمالا.

فالمخترع والعالم والباحث الذي يثري الكون في مجالات النفع صناعيا أو زراعيا أو تكنولوجيا أو اَي مجال يتصل بانتفاع البشر في الكون هو من أهل الإبداع.

والفنان والمفكر والفيلسوف الذي يثري الكون في مجالات الجمال في كل مجالاته المنظورة والمسموعة والمقروءة هو من أهل الإبداع .

(وهناك مساحات مشتركة بين النفع والجمال : كفن العمارة مثلا).

يظل المشتغل في كلا الفرعين: النفع والجمال ، أي العالم والفنان ، في أرق دائم في سبيل البحث عن فكرة جديدة وكلما حصل على فكرة وقام بإخراجها بدأ تحديا جديدا في البحث عن أفضل منها.

طريق البحث عن فكرة يبدأ من الإلحاح والتصميم على خلقها.

وبالإصرار والإلحاح تتحول حواس الإنسان ومعها العقل والشعور إلىّ وحدة مراقبة تركز في كل ما تقع عليه العين أو تسمعه الإذن أو تقرأه العقول أو تشعر به القلوب حتى تلتمع الفكرة وتظهر ملامحها فتبدأ معاناة البحث في تفاصيلها وإنضاجها وتنفيذها.

فالفكرة مولود عزيز مُنتَظَر تهون من أجله آلام المخاض.

مخاض تصفه زوجة "أينشتاين" ل "شارلي شابلن" بحسب ما كتب في مذكراته ، حيث التمعت الفكرة في رأس "أينشتاين" وهو مع زوجته على مائدة الإفطار فكف يده عن الطعام وانتزع ورقة وقلم ونهض نحو البيانو يعزف ثم يتوقف للكتابة وهكذا لمدة نصف ساعة، ثم صعد إلىّ مكتبه وطلب من زوجته ألا يزعجه أحد واستمر أسبوعين في مكتبه منعزلا عن الناس بمن فيهم زوجته، ولا يقطعه عن الكتابة سوى تناول الطعام بمكتبه وينزل ليلا يمشي وحده في الشارع ؛ وفِي نهاية الأسبوعين نزل ومعه حزمة من الورق وضعها على المنضدة وهو يقول : ها هي ذي .

وكان هذا ميلاد نظرية النسبية.

مخاض وآلام ومعاناة يعقبه صرخة فرح ميلاد الفكرة التي أخرجت "أرشميدس" عرياناً من الحمام وهو يصيح: وجدتها.

كل إنسان يسعى إلى النجاح أو يسعى لإثراء الحياة بإبداعه طريقُهُ يمر عبر معاناة البحث عن فكرة.

وإن كان العرض تناول الفكرة الإبداعية، إلا أن كل إنسان في سبيل النجاح في حياته يلزمه أن يكون دائم البحث عن فكرة .

فكرة لإنعاش روحه وتوثيق روابطه بالله، فكرة لإسعاد نفسه وأهل بيته ومن حوله، فكرة لتطوير نفسه، فكرة لتحسين وضعه المادي ...

وفي سبيل ذلك يتأكد دائماً أن ميلاد الفكرة هو ابن آلام مخاض البحث عنها والإلحاح على خلقها.

وبالأصرار والكد والتعب حول إنضاج الفكرة يحفر الإنسان لنفسه طريقا في الحياة كما تصنع قطرات الماء الحنونة طريقها في الصخر مع الدوام والاستمرار والإصرار.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين