التصدُّر قبل التأهل

 

كثيرةٌ هي الأدواء الفكرية والعلل المعرفية التي استشرت بين أظهرنا وفي جَنَباتنا، وهي -بمُجْملها ومجموعها- ظواهرُ مقلقة وأماراتٌ مفزعة على عصر مميَّز برداءة الفكر وسَوءة المنهج.

 

وأكثر ما يقلق الغَيارى ويقُضُّ مضجعهم، لصوصُ العلم وخونة المعرفة -وما أكثرَهم! وما أبلغَ إيذاءَهم لكل ذي عينَين!!- شيمتُهم البارزة بلاغةٌ أعجمية تنطلي على أمثالهم من السُّذج والبُلَهاء.

 

لا ينتطحُ عنزان في مسلَّمة قطعية، ألا وهي أنّ هؤلاء لم يشامّوا العلم ولم يذوقوا عُسَيْلتَه، فرأس مالهم وعنوان تاريخهم: نُتَفٌ من الأقوال المبعثرة ونُبَذٌ من الأفكار المشوَّهة.

هؤلاء -لا كثّر الله سوادَهم- هم الأبطال الحقيقيون لمسلسل تراجيدي، عنوانه "الفوضى العلمية والارتخاء المعرفي"، والمؤسف المحزن أنه لا يمكن لحصيف نابهٍ التنبؤ بحلْقته الأخيرة.

 

عندما يلوكُ كبيرهم -من طرف لسانه- فُتيَا، لو عُرض مثلُها على الفاروق عمر لجمع لها أهل بدر، ولقال بمِلء فمه "قضيةٌ ولا أبا الحسن لها"، وعندما يتبجّح خريجُهم بملفوظات وتعابير ينصدع لسماعها كلُّ قلب حيّ، ثم بعد ذلك لا تُكشَفُ سوءاتُهم ولا يفتضَحُ أمرهم بحُجّة (إن الله سِتّير؛ كلٌّ على ثَغر...) فواغوثاه بالله!!

 

ما زال داءُ (التصدر قبل التأهل) عصيًّا على أطباء المنهج وصيادلة الفكر، ولَكَم وصفوا له من دواء، وأرشدوا المبتلَى به بحِمْيَة قبل أن تهوي به الريح في مكان سحيق، ولكن يأبى المغفَّل إلا أن يتصدّى لهَوانه عندما يتصدّر قبل أوانه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين